تنصّل “الحزب” من استهداف اليونيفيل كاذب.. والدليل نصرالله!
كتب فارس خشّان في “الحرة”:
تكمن مشكلة “حزب الله” في أنّ أحدًا لا يُصدّق نفي تورطه في أيّ جريمة منسوبة إليه، ولكنّ قوته تكمن في ذلك أيضا!
ولا يبالي “حزب الله” بالرأي العام الذي لا يصدّقه، إذ يكفيه أن يُخيفه ويُحبطه، لأنّه، عندما ينفي علاقته بأيّ جريمة، فهو لا يتوجّه إلى اللبنانيّين الذين، إن والوه صدّقوه ودعموه، وإن عارضوه تبيّنوا عجزهم عن التصدّي له، إنّما يفعل ذلك، على قاعدة مخاطبة أصحاب القرار الذين يميلون، عمومًا، إلى استخدام هذا النفي حتى يتخلّصوا من عبء وجوب الرد السريع على الجريمة التي ارتكبت بحقهم، إذا كانت لهم مصلحة في ذلك.
وهذه المعادلة عاد “حزب الله” واستخدمها في التعاطي مع الهجوم الدامي الذي شنّه، مساء الأربعاء الماضي، تحت ستار ما يُسمى بـ”الأهالي”، على دوريّة من الوحدة الأيرلندية العاملة في إطار “قوة الأمم المتّحدة المؤقتة في لبنان “(يونيفيل) فأردى جنديًا وجرح ثلاثة آخرين.
وتعرف الدول كما يعرف اللبنانيّون أنّ تسمية “الأهالي” ليست سوى قناع يستخدمه “حزب الله” حتى يتمكن من التواجد في المنطقة التي يحظّر القرار 1701 وجوده كقوة مسلّحة فيها، وتُعينه على التحرّك، أمنيًّا وعسكريًّا.
وقناع “الأهالي” هو بالتحديد ما استهدفه تعديل طريقة تحرّك “اليونيفيل”، في قرار تمديد مهامها في لبنان سنة إضافيّة، في الحادي والثلاثين من آب الأخير، بعدما ثبت بالأدلّة أنّ “الأهالي” هم الذين يغطون حفر الأنفاق الحدوديّة، ويتولّون تخزين الأسلحة المحظورة وغيرها من العمليات التي يجب منعها، حتى لا تستحيل الهدنة التي لم تتطوّر إلى سلام، في لحظة حرجة، إلى حرب ضروس.
وهذا التعديل الذي أعطى اليونيفيل حريّة التحرك في منطقة عملها، لأنّها “لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل”، أثار غيظ “حزب الله” وقرّر التحرك ضده لإحباط مفاعيله، ولكنّه كان ينتظر اللحظة التي تناسبه!
ويبدو جليًّا أنّ الظروف الآتية قد حدّدت لحظة الصفر: تدهور غير مسبوق في العلاقات الأوروبيّة-الإيرانيّة، تنسيق أوروبي-خليجي-إسرائيلي غير مسبوق، ضرب معابر الأسلحة من إيران إلى “حزب الله” في سوريا وتسليط الضوء على حركة مشبوهة للطيران الإيراني في اتجاه مطار رفيق الحريري الدولي، والفراغ الرئاسي وحاجة حكومة تصريف الأعمال إلى “حزب الله”.
ومن يبتعد قليلًا عن الموقف الرسمي الذي أطلقه “حزب الله” نفيًا لأيّ تورط له “بالحادث غير المقصود”، وفق تعبير المسؤول فيه وفيق صفا، ويقترب، بالقدر نفسه، من مواقف الشخصيات والمنابر التي يعتمدها “حزب الله” يكتشف أبعاد الرسالة التي حملها استهداف موكب الوحدة الأيرلندية.
وفي خلاصة هذه الرسالة التي وجهها “حزب الله” يتضح الآتي: سبب الصدامات التي وقعت بين “الأهالي” والقوات الدولية هو “خروجها عن الطرق المسموح لها التنقّل عبرها وبغياب الجيش اللبناني. وتؤكّد وقائع حادثة العاقبية ضرورة التنسيق بين القوات الدولية والجيش اللبناني في أي خطوة تقدم عليها اليونيفيل، بما يخفّف من التوتّر ويحدّ من إساءة الفهم والوصول إلى حوادث غير مقصودة.
ولتحديد الجهة التي صاغت هذه الرسالة، لا بدّ من العودة إلى موقف “حزب الله” الغاضب من التعديل الذي أدخله مجلس الأمن الدولي وحرّر اليونيفيل من “الحاجة إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها”. فبعد سلسلة تهديدات وجهها ناطقون باسم الحزب، أطلّ أمينه العام حسن نصر الله في السابع عشر من أيلول الأخير، بخطاب وصف فيه قرار مجلس الأمن “بالفخ الذي ينصبه الإسرائيليّون منذ سنوات طويلة” وقال: “هذا تعديل مشبوه ويفتح الباب أمام مخاطر كبيرة في منطقة جنوب الليطاني” وتابع: “إذا أرادت اليونيفيل أن تتصرّف بعيداً عن الدولة والجيش المعني بالحركة جنوب الليطاني فإنها ستدفع الأمور إلى مكان ليس من مصلحتها وليس من مصلحة لبنان”.
وعليه، فإنّ ما تعرّضت له الدوريّة الأيرلنديّة، مساء الأربعاء الماضي، ينفّذ حرفيًّا ما سبق أن هدّد به نصر الله.
إنّ نفي “حزب الله” مسؤوليّته عمّا حصل في جنوب لبنان يهدف، بعدما أوصل رسالته الميدانيّة بالدم ضد تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، إلى احتواء ردود الفعل، فهل هناك من سيرفض هذا النفي ويتحرّك على أساس موقفه، أم أنّ الجميع سيتواطؤون على دماء زكية جديدة يسقطها سلاح “حزب الله” على أراضي لبنان الساقط في الجحيم؟