إنجازات أمنيّة تضيع أمام قوس العدالة
كتب داود رمّال في “أخبار اليوم”:
في اي دولة من دول العالم، المتحضّرة والمتطوّرة او الساعية الى اللحاق بركب “العولمة”، يبرز التكمال في عمل المؤسسات والادارات كبديهية لا تحتاج في كثير من المستويات الى تأطير قانوني او نموذج تطبيقي، انما تنطلق في عملية تكاملية هادفة الى صيانة الكيان الوطني بأنه القومي المتعدد الوجوه والمسارات والابعاد.
وحده لبنان، الذي “يركبه النحس او الطالع السيء او المنظومات الحاكمة المتعاقبة” ومنذ كينونته الدستورية والميثاقية (بداية عام 1920 واستمرارا الاستقلال عام 1943) يشذ عن القاعدة العالمية لجهة التكاملية بين مؤسسات الدولة خدمة للصالح العام وتكريسا للمناعة والقوة، فنجد ان السلطات تبحث عن كل ما يتناقض مع بعضها البعض، وتجهد لالغاء المشتركات بدل توسيع مروحة تلاقيها، وتستعمل سياسة القطع وليس التراكم والبناء على المداميك السابقة، فكل مسؤول ايا كان موقعه وحدود صلاحياته، عندما يصل الى سدة المسؤولية السياسية او الادارية او المؤسساتية، يسارع الى شطب كل ما سبق والبدء من نقطة الصفر وكأن الحياة بدأت للتو.
مشكلة، لا بل مصيبة، تعاني منها الاجهزة العسكرية والامنية، في تجاوب مؤسسات وسلطات معنية مع الانجازات والجهود المضنية وفي ظروف صعبة جدا معيشيا واجتماعيا وماليا(..) لسيادة الاستقرار الامني وصون السلم الاهلي، وهي تخوض حربا مستمرة على جبهات متعددة ابرزها:
1- مواجهة العدو الاسرائيلي الناشط بقوة على خرق الساحة اللبنانية والساعي الى تجنيد عدد كبير من الجواسيس الذين يعملون لصالح الموساد مستفيدا من الانهيار الذي اصاب لبنان لا سيما ماليا واقتصاديا.
2- الحرب على الارهاب الذي يحاول دائما التسلل من نقاط الضعف اللبنانية ويركّز على البيئات الفقيرة والمعدمة.
3- الحرب على عصابات الجريمة المنظمة الناشطة في مجالات متعددة من القتل الى الخطف والسلب وتصنيع وتجارة وترويج المخدرات وصولا الى ما لا يخطر على بال احد.
هذه الجهود الجبارة تحقق عبرها الاجهزة العسكرية والامنية ولا سيما مديرية المخابرات في الجيش انجازات نوعية، من خلال توقيف كبار المطلوبين من ارهابيين ورؤوس عصابات الجريمة وتفكيك شبكاتهم، وايضا تفكيك شبكات تجسس للعدو الاسرائيلي، الا ان المشكلة تكمن في مرحلة ما بعد تحقيق الانجاز.
وفي هذا الاطار، يكشف مصدر امني لوكالة “اخبار اليوم” عن ان “هناك معضلة تواجه الاجهزة العسكرية والامنية، اذ بعد توقيف مطلوبين خطيرين او الطباق على خلية ارهابية او الايقاع بجاسوس او جواسيس يعملون لصالح العدو، تعمد هذه الاجهزة الى اجراء التحقيقات اللازمة وتحيل الموقوفين مع الملف الى الجهات القضائية المختصة، وهنا تبدأ المشكلة، والتي تتمثل في ان القضاء يصدر احاكما تخفيفية على هؤلاء المرتكبين لجرائم وجنايات خطيرة مما يضيّع كل الجهد الذي بذل من اجل تطهير الوطن من امثال هؤلاء المجرمين والخونة”.
ويوضح المصدر ان “جهود الاجهزة العسكرية والامنية غالبا ما تذهب سدى، اذ لا يمضي وقت قصير حتى تعود الاجهزة ذاتها الى توقيف ذات الاشخاص الذين سبق واوقفتهم واحالتهم الى القضاء، ليتبين ان الاحكام التي صدرت بحقهم لا تتطابق مع خطورة الجرم، وبالتالي لا يطول الوقت قبل ان يخرجوا من السجن ويعودون الى سيرتهم الاجرامية الاولى طالما ان العقوبة ليست رادعة”.
ويدعو المصدر الى “وجوب ان يمسك القضاء المختص بقضايا اجرامية بطرق مختلفة، اي ان يذهب الى تنفيذ المواد العقابية التي ينص عليها القانون لا اللجوء الى اعتماد الاسباب التخفيفية، لان العقوبة التي لا تردع ستجعل المجرمين يستسهلون الامر ويمضون في اجرامهم وفي تعريض الاستقرار للخطر وفي جعل الاجهزة العسكرية والامنية تبذل جهودا مضاعفة في ملفات وامور سبق وان انجزتها”.
ويشدد المصدر على ان “الامور تحتاج الى تشدد واحكام مبرمة رادعة، في ظل الظرف الاستثنائي الذي يمر به لبنان، خصوصا مع ارتفاع نسبة الجريمة نتيجة عوامل يعلمها الجميع، والاهم هو التنسيق والتعاون بين الامن والقضاء حتى لا يضيع الجهد امام قوس العدالة ويزداد الخطر”.