هل يردّ باسيل… بإكمال نصاب انتخاب معوّض؟
أين سيردّ جبران باسيل على خطوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي عقد جلسة حكومية مدعوماً من الثنائي الشيعي؟
هل يأتي الردّ بإكمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؟ أم يطوّق جلسة نيابية تشريعية يقرّرها الرئيس نبيه برّي؟
نام باسيل ليلته أمس الأول متقدّماً بالنقاط على ميقاتي وحليفه حزب الله، لكنّ المشهد انقلب عقب إكمال نصاب الجلسة بـ”تبويس اللحى” و”القوّة” معاً فما حصل في جلسة الحكومة حمل مؤشّرات لتفاهم يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وإن عاند الطرفان هذا الواقع، وإلى أنّ باسيل لم يكن في أحسن أوضاعه لكن لم يكن أفضل حالاً حزب الله الذي حاول التقليل من شأن الجلسة وتجريدها من أيّ معنى سياسي ليمرّر القطوع على سلام ورفض تحميله المسؤولية عن ذلك.
شهدت الساعات الثماني والأربعون الأخيرة خلط أوراق سياسية لها بعدها الرئاسي والطائفي ربح ميقاتي سنّياً ودستورياً وسجّل وحليفه الداعم له رئيس مجلس النواب نبيه برّي نصراً مبيناً على باسيل. لكنّ الآتي سيكون أعظم بالنظر إلى ما حفلت به ساعات الأمس وما قبله.
كلّ من يُلمّ بتفاصيل الاتصالات التي أكملت نصاب جلسة حكومة تصريف الأعمال يؤكّد أنّ حزب الله لعب دور المسهّل. إذ إنّ ميقاتي خلال إعداده لعقد الجلسة استثنى الطاشناق من اتصالاته على أساس أنّ حضورهم مضمون، لكن فوجئ بأنّ وزير الصناعة المحسوب عليهم سيكون في عداد المتغيّبين عن الجلسة، فاستنجد بالمدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم الذي وفّر حضوره في اللحظات الأخيرة قبيل موعد انعقاد الجلسة أمّا حضور وزير الشؤون هيكتور حجار فكان القطبة المخفيّة إذ كيف لوزير كان يحاضر في عدم دستورية الجلسة ويكيل المواقف في وجه رئيس الحكومة أن يعلن دخوله الجلسة لدقائق ثمّ يدخلها ولا يغادرها ثانية.
الشأن الصحّيّ.. أو السياسيّ؟
يسوّق حزب الله أنّه كان مع إكمال نصاب الجلسة لأنّه يقدّم الشأنين الصحّي والاجتماعي على ما عداهما. لكنّ موقفه جاء معاكساً لموقف حليفه التيار الوطني الحر فهل تقصّد الحزب التصعيد في مواجهته؟ أم باسيل تقصّد الذهاب إلى المواجهة؟
للمسألة وجهان: الأول له علاقة بالقضايا المعيشية والحياتية، وأمّا الثاني فيتّصل حكماً برئاسة الجمهورية لقد باتت الخيارات أمام حزب الله محدودة، وكذلك الوقت، ولذا بات ملزماً بالاختيار بين ترشيح قائد الجيش جوزف عون وترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وعلى هامش معركة الرئاسة حصلت اصطفافات تتعلّق بموازين القوى إذ ليس تفصيلاً تلاقي الثنائي مع وليد جنبلاط والطاشناق ويمكن أن ينعكس مثل هذا الاصطفاف على الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس.
لم يعد ما شهدته وقائع جلسة تصريف الأعمال محطة عابرة. فبعدما تحقّق في ساعات أمس الأوّل تفوّق باسيليّ بالنقاط على ميقاتي، سجّل هذا الأخير في الوقت الضائع هدفاً قاتلاً، متقدّماً عليه بقوّة دفع “الثنائي الشيعي” فهل يسلّم جبران باسيل بالأمر الواقع أم يردّ الصاع صاعين، لكن في وجه الثنائي هذه المرّة ومن داخل جلسة انتخاب الرئيس، فيكمل نصاب الجلسة تاركاً أن يفوز من يفوز أم يلجأ إلى القوات اللبنانية لصدّ الباب أمام فرنجية؟يكتفي حزب الله بالقول إنّ كلّ ما في الأمر أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب منه الحضور شرط أن تقتصر الجلسة على بحث شؤون الناس أمّا الأبعاد السياسية، وخصوصاً تلك المتّصلة بالعلاقة مع باسيل، فليست واقعية.
ميقاتي وباسيل والمسيحيّون
تميّز تاريخ ميقاتي مع التيار الوطني الحرّ منذ التعاون الأوّل بينهما في عام 2011 برغبة دفينة في تصوير نفسه حامي حمى الحقوق السنّيّة وقد أُضيفت إلى هذه الرغبة عقدة ذنب حملها وحكم من خلالها منذ أن تسلّم رئاسة الحكومة بعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في 2011، وكانت تستحضر أمامه بشكل دائم الحريري والهاجس السعوديّ.
بعد اندلاع الثورة في سوريا، بدا ميقاتي أكثر ابتعاداً عن سوريا وحلفائها وأكثر تودّداً للسعودية. وهو، وإن لم يحقّق أيّ خطوة في اتجاه كسب الودّ السعودي، فقد استمرّ في افتعال الخصومة مع التيار منذ كان برئاسة ميشال عون.
في نظر التيار الوطني الحرّ، لم يختلف كثيراً ميقاتي، الذي عاد رئيساً للحكومة لمرّة ثالثة بعد حسان دياب، عن ميقاتي الأول: “لبس لباس التطوّر السلبيّ في المواقف إن من خلال مواقفه الشخصية أو من خلال نادي رؤساء الحكومات السابقين”هو العائد إلى الحكم بحكم الأمر الواقع بعدما أفشل الحريري كلّ رؤساء الحكومات “تماهى مع برّي وجنبلاط. وهو نفسه، بعدما تعاون جزئيّاً مع عون في مرحلة الحكومة الأولى، قال له عندما تمّ تكليفه بتأليف الحكومة الثانية بحضور شهود: كنت أتمنّى ألّا أكون في هذا الموقع الآن لأنّ المرحلة المقبلة ليست كسابقاتها، وقد لا أكون جاهزاً للتعاون يا فخامة الرئيس”.
وفق مصادر عونية، طمح ميقاتي من خلال إصراره على عقد الجلسة الحكومية إلى تحقيق جملة أهداف من بينها:
– تقديم أوراق اعتماد واسترضاء لفرنسا التي سبق أن سلّفها ملفّ إعادة إعمار المرفأ وإدخال شركة توتال للتنقيب عن النفط وحلّ أزمة الكهرباء.
– التأكيد أنّه ينفّذ اتفاق الطائف ويلتزم به وأنّه نجح حيث فشل السنيورة وحيث تعذّر على تمّام سلام الذهاب أبعد من حدوده الدستورية.
– يُظهر جدول الأعمال الفضفاض أنّ عقله ما يزال يتحدّث بلغة المصالح لتضمّنه بنوداً تتعلّق بمشاريع تحوم حولها علامات استفهام.
– ينظر ميقاتي إلى اللحظة التاريخية التي يحتدم فيها الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية. وعشيّة توجيه دعوة بروتوكوليّة إليه لزيارة المملكة “وجدها مناسبة لتقديم أوراق اعتماده، فقرّر تصويب النار على حليف الحليف باسيل، مستضعفاً الشريك المسيحي في الحكومة، لعلّه يسترضي بذلك السعودية، آملاً أن يجدّد حظوظه برئاسة حكومة العهد الجديد، ولا سيّما بعدما استشعر قلقاً من عودة فيصل كرامي إلى موقعه النيابي، وهو الذي كان قد نصحه عقب صدور نتائج الانتخابات: “لا تقدّم طعناً خلّيك أكبر من هيك”.