من هو “الوزير الملك” الذي هبط في اللحظة الأخيرة وأمّن نصاب جلسة الحكومة؟
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
بقي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، مصرّاً حتى الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم الإثنين، على أن جلسة مجلس الوزراء قائمة في موعدها على الرغم من صدور بيان عن 9 وزراء من أصل 24 وزيراً يعلنون فيه مقاطعتهم الجلسة، ما يُفقدها نصاب الثلثين القانوني، بداعي أن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيّق، مؤكدين “عدم الموافقة وعدم القبول بجلسة مجلس الوزراء من منطلق دستوري وميثاقي”.
وعزا الوزراء التسعة موقفهم إلى أن “الدستور لا يسمح لحكومة تصريف أعمال أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية وهي فاقدة للصلاحيات الدستورية وللثقة البرلمانية، إذ لم تحظ على ثقة المجلس النيابي الحالي”، والوزراء هم: عبد الله بو حبيب، هنري خوري، موريس سليم، أمين سلام، هكتور حجار، وليد فياض، وليد نصار، جورج بوشيكيان، عصام شرف الدين.
لكن المفاجأة جاءت من وزير الصناعة الأرمني جورج بوشيكيان، الذي ظهر وكأنه “الوزير الملك” الذي هبط في اللحظة الأخيرة لإنقاذ النصاب بعد تعرّضه لضغوط من قبل ميقاتي والثنائي الشيعي من أجل الحضور، ما وجّه صفعة قاسية لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. كما حضر وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار إلى السراي الحكومي، وأعلن أنه لن يدخل إلى الجلسة إلا في حال توافر النصاب وذلك لإبلاغ موقفه الرافض لعقد الجلسة.
وأفيد بأن الوزير حجار انفعل خلال الجلسة وعلا صوته، وخاطب ميقاتي بالقول “بدّك توقّف الجلسة أنا هون عم مثّل فخامة الرئيس”، ثم اتجه نحوه وكاد أن يحصل احتكاك بينهما. وقد أوضح بعد الجلسة “طلبت من الرئيس ميقاتي التراجع خطوة إلى الوراء ولكنه أصرّ على إكمال الجلسة وكنت أتمنى أن تتوقف الجلسة لنعود بعد الظهر للبحث في كيفية إدارته ولكن لم ألق أي تجاوب، فسجّلت موقفي وخرجت”، ورأى “أن المعركة ليست معركة مَن انتصر ومَن لم ينتصر بل السؤال هو كيف ستُدار شؤون البلد في هذه المرحلة؟”، مضيفاً “نحن بصدد أن نعيد البوصلة لكي نسيّر هذه المرحلة بطريقة هادئة وموضوعية ودستورية وميثاقية”.
وشارك في الجلسة إلى جانب ميقاتي، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزراء التربية عباس الحلبي، البيئة ناصر ياسين، الداخلية بسام مولوي، الاتصالات جوني القرم، الإعلام زياد المكاري، الزراعة عباس الحاج حسن، الصحة فراس الأبيض، التنمية الإدارية نجلاء رياشي، العمل مصطفى بيرم، الثقافة محمد وسام مرتضى، الشباب والرياضة جورج كلاس، المال يوسف خليل، الأشغال علي حميّة.
وبعد الجلسة، أعلن الرئيس ميقاتي “أن مجلس الوزراء انعقد تحت سقف الدستور اللبناني والنظام الداخلي لعمل مجلس الوزراء وتم إقرار معظم بنود جدول الأعمال فيما رفض بعض الوزراء خلال المناقشة بعض البنود ولم يحصل تصويت عليها بل سُحبت من الجلسة”. وقال “لم يكن هناك أي وزير ملك وكلنا في خدمة البلد ونتعاون لتمرير المرحلة الصعبة، ولو لم نعقد الجلسة لكان القطاع الصحي لاسيما مرضى السرطان وغسيل الكلى قد تعرّضوا لضربة كبيرة. كما أقرّينا بنوداً عديدة أبرزها يتعلق بأوجيرو ولم لم نتخذ القرار المناسب لكان قطاع الاتصالات الدولي والإنترنت مهدداً بالانقطاع التام خلال أسبوع. كما أقرّينا الاعتمادات الخاصة بجرف الثلوج وفتح الطرق”. ولفت إلى أنه “طلب من جميع الوزراء الذين حضروا الجلسة ولم يحضروا عقد اجتماع الساعة الثالثة لنبحث في كل المواضيع كعائلة واحدة”. وأضاف “المهم أن نكون يداً واحدة ونعمل بنية طيبة وتعاون ولنفصل السياسة عن العمل الحكومي”، معتبراً أن “أكثر ما يؤلمني أن يحاول البعض وضع الأمور في خانة حسابات طائفية ومذهبية، فلا أحد منا يرغب في أن يأخذ مكان رئيس الجمهورية ولكي تُحل هذه المسألة فليتم انتخاب رئيس بشكل سريع، والدستور كلّفنا بمهمات معينة وعلينا القيام بها بكل وضوح”. غير أن الاجتماع الذي دعا إليه ميقاتي لم يحضره من الوزراء المقاطعين سوى وزيرين هما وزيرا السياحة والشؤون الاجتماعية.
وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء قلّصت جدول أعمال الجلسة من 60 إلى 25 بنداً، من هذه البنود ما ينطبق عليه طابع الإلحاح كتمويل الاستشفاء واستيراد الأدوية المزمنة والسرطانية لتبرير انعقاد الجلسة لحكومة تصريف الأعمال في زمن الشغور الرئاسي.
وإذا كان وزيرا حزب الله حضرا الجلسة، فإن هذه المشاركة ستترك آثارها السلبية على العلاقة التحالفية بين الطرفين التي تشظّت أصلاً نتيجة رفض باسيل السير بخيار الحزب لترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
وقد عبّر نائب التيار سليم عون عن انزعاج شديد من تصرّف الحلفاء ونوّه بموقف “القوات اللبنانية” التي لم تتصرّف بطريقة كيدية، فيما نشر المخرج شربل خليل المناصر للتيار صورة للرئيس ميشال عون وأمين عام حزب الله حسن نصرالله خلال توقيع “تفاهم مار مخايل” وأرفقها بتعليق “من سنة مات…والدفن اليوم”.
ومن المتوقع أن تشهد البلاد اشتباكاً سياسياً وطائفياً على خلفية انعقاد مجلس الوزراء في غياب رئيس جمهورية والتعطيل القائم لجلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب. وقرأ البعض في انعقاد الجلسة نكوثاً بالتوافق الذي تمّ بين الرئيس ميقاتي والكتل النيابية في الجلسة العامة التي انعقدت في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت وخُصّصت لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، حول عدم انعقاد الحكومة سوى في الحالات الطارئة التي تستدعي الاجتماع لقضايا يستحيل بتّها عن طريق اللجان الوزارية أو المراسيم الجوالة.
وفي أول تعليق لوزير العدل هنري خوري الذي قاطع الجلسة، اعتبر “أن الجلسة غير دستورية في غياب رئيس الجمهورية”. وقال: “يحق لرئيس الجمهورية رد المراسيم في حال رفض التوقيع عليها فمَن يمثّل رئيس الجمهورية في هذه الحالة؟”، مشيراً إلى “أن التوقيع مكان رئيس الجمهورية يفترض توقيع الوزراء الـ24”.
تزامناً، نشر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر” صوراً لأمواج عاتية وسفن تصارع الغرق، وأرفقها بتعليق: “البلاد اليوم في ظل مقاطعة مجلس الوزراء ورفض الحوار ورفض الإصلاح”.
ورأت “حركة أمل” في بيان “أن عقد الجلسة الحكومية مع تفهم واحترام كل الآراء هي خطوة في مسار عدم استقالة السلطة التنفيذية من مسؤولياتها الوطنية، وبداية فتح أفق معالجة القضايا الاجتماعية الملحة”.