بسبب “حزب الله”… هذا ما “يخشاهُ” جعجع رئاسياً
من يُدقّق في آخر تصريحاتٍ لرئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع، سيكتشفُ الكثير من الجوانب التي يجب الرّكون إليها بثباتٍ، وكما يُقال فعلاً: “الشيطانُ يكمنُ في التفاصيل.”
قبل أيامٍ قليلة، وجّهَ جعجع سلسلةً من الرَّسائل باتجاه حلفاء “المُعارضة” قبل الخصوم، حينما شدّد على أن “الحوار مع حزب الله هو مضيعة للوقت”. حتماً، الكلامُ هذا ليس جديداً من قبل جعجع، لكنّه يأتي في سياقِ ما أُثيرَ مؤخراً عن تقاربٍ بين حزب “الكتائب اللبنانية” و”حزب الله“.
انا في الواقع، قد لا تكونُ دعوة جعجع لعدم مُحاورة “حزب الله” بمثابةِ إشارة نحو حزب “الكتائب” الذي نفى مراراً وتكراراً وجود أي حوارٍ مع حارة حريك. إلا أنه في الحقيقة، قد تكون تلك الدعوة جرس إنذارٍ لمختلف الأطراف لعدم الإنجرار باتجاهِ “الإنفتاح” الذي يطرحه “حزب الله” على مختلف القوى السياسية، وتحديداً عندما يتعلّق الأمر بالاستحقاق الرئاسيّ.. وهنا يُطرح السؤال الجدّي: ما الذي يخشاه جعجع من أي حوارٍ لمختلف الأطراف مع “حزب الله“؟
فعلياً، فإنّ مضمون كلام رئيس “القوات” بشأن الحوار مع الحزب، يكتسبُ هذه المرّة أهميّة كبرى. فبالنسبة للأخير، قد لا تكونُ هناك مُشكلة من الاقتراب نحو “الكتائب” أو أي طرفٍ مسيحي غير “التيار الوطني الحر” لإتمام تسويةٍ رئاسيّة مُعيّنة. حُكماً، هذا الأمر يدفع جعجع للتفكّر قليلاً بشأن ما قد يحصلُ لاحقاً، إذ أن استمالة “حزب الله” لأي طرفٍ مسيحي لصالح مرشحه تحقيقاً لـ”الميثاقية” المرتبطة بتمثيل المسيحيين، قد يؤدّي إلى تشكيل تكتّلٍ جديد داخل مجلس النواب يميلُ باتجاه “تسوية التوافق” التي يريدُها الحزب، وبالتالي جعل “القوات اللبنانية” مُنعزلة في موقفها وغير قادرةٍ على شدّ الآخرين نحوها مُجدداً في الخيار الذي تقدّمه.
وبمعزلٍ عمّا تشهدهُ جلسات انتخاب الرئيس من تطيير للنّصاب وغيرها من المُمارسات التي يعتبرها البعض “ديمقراطيّة”، فإنّ الطرح الذي يقدمه “حزب الله” اليوم لم ترَ فيه مجمل الأطراف خياراً للتحدّي، أقلّه في الوقت الراهن. فكما بات معروفاً، فإن الحزب يدعم بشكل غير مباشر اسم رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية للرئاسة، وفي الوقت نفسه، قد لا يكون هذا الأمرُ مُستفزاً بشكل قاطع لأطرافٍ كثيرة ضمن المعارضة من بينها حزب “الكتائب”. هنا، إن استطاع “حزب الله” إقناع بعض الجهات السياسية بخيار “تسوية التوافق على رئيس”، وهو الأمر الذي لا يريده جعجع، عندها قد يلعب الحزبُ دوراً إضافياً لحشد دعم لفرنجية وليس الشرط هنا أن يكون الأمر مكتملاً أو مثالياً من ناحية التصويت أو الترشيح المباشر. إلا أن ما قد يتحقق على أي صعيد يريدهُ الحزب، سيؤدي إلى تلاشي كلّ عوامل الضغط السياسي من أطراف المعارضة وتحديداً من “القوات”.
إذاً، بشكل أو بآخر، ما يخشاه جعجع هو 3 أمور أساسيّة: الأمر الأوّل وهو انجذاب بعض أطراف المعارضة لخيارات التوافق التي يريدها حزب الله. أما في ما خصّ الأمر الثاني فيرتبطُ بتقرّب “الحزب” من جبهات مسيحية معارضة، ما يعني شدّها لصفه أقله في الاستحقاق الرئاسي. أما الأمر الثالث الذي لا يريده جعجع فهو إنزواء “القوات” بعيداً عن المشهد. وفي هذا الأمر، كان جعجع حاسماً في موقفه الذي يُشير إلى أن كتلة “القوات” لن تمتنع عن حضور جلسات الانتخاب مع إمكانية الإنسحاب منها لمرة أو مرّتين من أجل تغيير المواقف في حال حصول مرشح “محور الممانعة” على عدد كافٍ من الأصوات. وهنا، فإن ما يظهر بشكل غير مباشر هو أن “القوات” قد تشارك في جلسة انتخاب حقيقية ونهائية تُسفر عن انتخاب رئيس لأنها لن تُقاطع كل الجلسات أو تُطيّر النصاب بشكل مستمر، ما يعني أنها قد تكون شاهدة على انتخاب فرنجية مثلاً. وفي هذه الحالة، ستؤدي كتلة “القوّات” موقفها الرافض عبر التصويت ضد الأخير. إلا أنه في كل الحالات، فإن الذي سيحقق المكسب هنا هو “حزب الله” من خلال التالي: إتمام التوافق الذي قد يتحقق لاحقاً – انتخاب رئيسٍ لا يُعاديه – وجعل جميع الأطراف حاضرة في جلسة الانتخاب بنصابٍ مكتمل، وشاهدة على ما سيحصل!