عن فوضى الموازنة وقرارات “المالية” وضريبة الدخل…ما موقف رجال الاعمال؟
جاء في “المركزية”:
في ظلّ تفكك الدولة وانحلالها يصبح كلّ شيء متاحا… فدولتنا المصرّة على افقار شعبها وتجويعه، شدّت الخناق على جيوب المواطنين، فقابلت الزيادة التي أقرتها لموظفي القطاع العام برفع الدولار الجمركيّ، وقطعت من قالب جبنة القطاع العام 6 قرارات تقضي بتطبيق سعر صيرفة لاستيفاء الرسوم، ومن بينها ضريبة الدّخل، على أن تحدد القيمة الفعلية بالليرة اللبنانية للرواتب والأجور التي تستحق على أرباب العمل لصالح العاملين لديهم كلّيّاً أو جزئيّاً بالدّولار الأميركي أو أي عملة أجنبية أخرى، ذلك في حال كانت الرّواتب والأجور مدفوعة نقداً بالدّولار على أساس منصة صيرفة، أو بموجب شيك مصرفي داخل لبنان على أساس التّعميم رقم 151.
القرارات التي أحدثت بلبلة لدى القطاع الخاص، تناولها الخبير المالي وعضو مجلس إدارة تجمّع رجال وسيّدات الأعمال اللبنانيين RDCL نديم ضاهر، الذي أكّد لـ “المركزية” أنّ “موازنة العام ٢٠٢٢ ليست أبداً إصلاحيّة، وغايتها الأساسيّة تمويل زيادة في رواتب موظفي القطاع العام عبر ضرائب ستفرض على القطاع الخاص. المصدر الأهمّ لجباية الضّرائب هذه سيكون الدّولار الجمركي، في حين أن آلية تطبيق قرار رفعه إلى ١٥٠٠٠ ليرة لبنانية غير واضحة بعد. إلا أنّه، وفي انتظار صدور التّوضيحات الرّسميّة في السّياق، يبدو أن العديد من الثّغرات تعتريه والتّنفيذ سيكون صعباً. كذلك، فرضيّة تأجيل التّطبيق واردة جدّاً، ونستذكر هنا تجربة رفع سعر الصّرف الرّسمي الذي تأجّل البت به حتى شباط المقبل، بعد الطّرح المتسرّع للقضيّة”.
إلى ذلك، رأى ضاهر أنّ “العديد من النّقاط الواردة في الموازنة لا تزال مبهمة، في حين أنه يفترض أن تكون سارية المفعول، على غرار الرّسوم الجمركيّة الإضافيّة التي ستفرض على البضائع المستوردة الخاضعة للضّريبة على القيمة المضافة (TVA) بنسبة ٣٪، إضافةً إلى الـ ١٠٪ على عدد من السّلع المصنّعة محلّياً والتي لم تصدر بعد قائمة محدّدة بها يفترض على وزارات الصّناعة والزّراعة والمال إعدادها”.
المشكلة الأساسية، بحسب ضاهر، هي “عدم تطرّق الموازنة بأيّ شكل من الأشكال إلى سعر صيرفة، وكان يتم الحديث في مجلس النّواب عن سعر ١٥٠٠٠ ل.ل. للدّولار، على اعتبار أن الموازنة أعدّت على أساسه، على أنّ وزير المال يحاول، عبر قراراته شرح ما هو سعر الصّرف الفعلي للدّولار الأميركي والعملات الأجنبيّة. واعتبر تاريخ إقرار الموازنة هو التّاريخ الفاصل: قبله السّعر الرّسمي، أما بعده فاستيفاء الرّسوم على اختلافها يحتسب على أساس المبلغ بالعملة الأجنبيّة وفق سعر صيرفة. أمّا في ما يخصّ الرواتب والأجور، فميّز الوزير بين الدّولار النّقدي والشّيك، ليكون الأوّل حسب سعر صيرفة والثّاني على أساس التعميم ١٥١.
وعن كيفيّة انعكاس الزّيادات الضريبيّة على رواتب الموظّفين وقدرتهم الشّرائيّة؟ يقول: “تشوب بناء الموازنة ثغرات عدّة. أوّلاً، من النّاحية التّقنيّة، تقرّر تسديد الرّواتب بالدّولار على سعر صيرفة أو وفق تعميم مصرف لبنان. تمت زيادة الشّطور التي تخضع للضّريبة ثلاثة أضعاف، أما التّنزيلات العائليّة فاحتسبت سبعة أضعاف ونصف للفرد وخمسة أضعاف إن كان أحد الشريكين عاطلا عن العمل والأمر نفسه ينطبق على الأولاد، طريقة الاحتساب هذه غريبة وغير منطقيّة. كذلك، تحديد الشطور يفقد معناه والفائدة منه في ظلّ التّقلبات المستمرّة في سعر صرف الدّولار. بهذا الشّكل باتت النّسب الضّريبيّة المفروضة على الموظّف ذات الدّخل البسيط مرتفعة جدّاً، ففي العام ٢٠٢٢ من كان من الموظفين يتقاضى راتبه عبر شيك مصرفي بالدّولار لم يكن يستفيد منه فعلياً، أمّا الجزء الضّئيل من الشّركات التي كانت تسدد الأجور بالدولار نقداً بنسبة لا تتخطّى الـ ٥٠٪ من قيمة الرّاتب، أي بالكاد تكفي الموظّف لتأمين احتياجاته الضّروريّة. اليوم، ومع دخول الموازنة حيّز التّنفيذ، تقتطع الدّولة ضرائب ضخمة من جيب الموظّف الذي يعاني أساساً. إلى هذا، هناك إشكاليّة متمثّلة باستعداد عدد من الموظفين لترك مناصبهم بداية العام، في حين أن رواتبهم للعام ٢٠٢٢ سدّدت، بالتالي كيف ستحصّل منهم الضّرائب المستحقّة”. ويضيف: “العديد من علامات الاستفهام أيضاً بحاجة إلى توضيح لجهة الثّغرات الأساسيّة. فإذا احتسبت الرّواتب التي تدفع بالعملات الأجنبيّة على سعر صيرفة ما الذي سيحصل بالضّمان الاجتماعي؟ هل القرار هذا هو فقط لاحتساب ضريبة الرّواتب والأجور؟ أو لتغيير قيمة الرّواتب في ميزانيّة الشّركات؟”.
ويتابع: “يبدو أن هناك نيّة لتغيير قيمة الرّواتب في الشّركات الخاصة، وكان من المفترض عليها أن تكون طبّقت القرار ٨٩٣ الصادر نهاية العام ٢٠٢٠ والقاضي بتطبيق السعر الفعلي للدّولار على المبيعات والمشتريات وعلى كل الميزانيّة، في حين لم يحدّد السّعر الفعلي للدّولار، ولم تكن منصّة صيرفة حتّى موجودة آنذاك، ما يعني تشريع سعر الصّرف غير الرّسمي منذ ذلك الحين. معظم الشركات لم تطبّق التّعميم هذا لأن السّعر غير مثبّت، وواصلت العمل بالسّعر الرّسمي للرواتب والإيرادات حتّى بالعملات الأجنبيّة. بالتالي، لا يمكن بين ليلة وضحاها تغيير كلّ نظم المحاسبة بقرار تطبيقي لا يتلاءم مع المبادئ والمعايير الدّوليّة للمحاسبة، ومن دون حتّى وجود رؤية مستقبلة ولا خطّة مالية واضحة تحدّد انعكاس التّضخّم المفرط وانهيار قيمة العملة الوطنيّة على حسابات الشّركات، وطبعاً على الرواتب وعلى انعكاسها على الضّمان الاجتماعي المنعكس بدوره بشكل أساسي على تعويضات نهاية الخدمة. اليوم، تتّخذ قرارات ترفع نسب التضخم عبر احتساب تعويض نهاية الخدمة، وفي نهاية المطاف يدفع رب العمل تعويضا عن التّضخم.
هذا، وقد استحدثت الدّولة ضريبةً على التّضخّم فرضتها على الشّركات عبر القرار التّطبيقي ٦٧٨ للمادة ٣٠ من موازنة ٢٠٢٢ التي تنصّ على إعادة تخمين استثنائيّة للأصول الثّابتة. وتم رفع الضّريبة عليها بنسبة ٥٪ على فرق إعادة التقييم، لكنّها تتم فعلياًّ لإعادة تقييم أصول خسرت من قيمتها الفعليّة بالعملة الأجنبيّة، لأن قيمة العقارات في لبنان تدنّت، بالتالي إعادة التّقييم تشمل فقط التّضخّم”.
أمّا عن تداعيات دخول القرارات هذه حيّز التّنفيذ على الشّركات والقطاع الخاص، فيوضّح ضاهر أنّ “القرارات التطبيقيّة ستزيد من عبء الضّرائب والرّسوم على الشّركات. حاولت بعض الجهات تبرير الإجراءات هذه بالعدالة الضريبيّة، وهذا أمر من الطبيعي تنفيذه في مختلف المجتمعات، إلا أنّ من الضّروري أن يرفق بآلية واضحة من دون إدخال المفعول الرّجعي لأنه غير قانوني. لا يمكن الطّلب من الشّركات تغيير حساباتها من بداية العام وإعادة احتساب الضّرائب. من جهة أخرى، هذه الطّريقة تدفع الشّركات إلى الاتّجاه نحو الاقتصاد غير الشّرعي، فالموظّف الّذي يتقاضى راتبه بالدّولار سيدفع ضرائب مرتفعة، وربّ العمل سيدفع بدوره اشتراكات مرتفعة، هذا إلى جانب تعويض نهاية الخدمة الّذي سيشكّل أيضاً عبئاً عليه في المستقبل، الأمر الّذي سيدفعه إلى إعطاء الرّواتب من دون تصريحات رسميّة، ما يخسّر الدّولة مفعول مساعيها لزيادة الضّرائب. فكلّما ارتفع العبء الضّريبي على الشّركات والموظّفين، كلّما زادت نسب إقفال الشّركات وهجرة الموظّفين وتحوّل الاقتصاد إلى غير شرعي. إن كان هذا هدف الدّولة، فمعركتنا كقطاع خاص مصيريّة لأنّنا نريد لشركاتنا أن تستمرّ، إلا أنّنا بحاجة في المقابل إلى دولة تساعدنا وتدعمنا، لا إلى دولة تزيد علينا الضّرائب من دون مقابل”.
وعن الخيارات والاجراءات البديلة التي يمكن اتّخاذها للحدّ من استنزاف الخزينة وزيادة مداخيلها، من دون اللّجوء إلى حلول زيادة الضّرائب، يذكّر ضاهر بأنّ: “تجمّع رجال وسيّدات الأعمال كرّر مراراً أن الأساس لزيادة مداخيل الدّولة هو أوّلاً تطبيق الإصلاحات، ما يخفّف من النّفقات، على أن يغطّى ما يتبقّى منها عبر زيادة الصّحن الضّريبي أي فرض ضريبة على شريحة أوسع من السّكان، عوض رفع قيمتها على من يدفعها أساساً. توازياً، يجب مكافحة التّهرّب الضّريبي والتّهريب غير الشّرعي ما يحقّق العدالة الاجتماعيّة، فكلّما زاد عدد الذين يسدّدون الضّرائب بالتساوي، تدنى العبء الضّرائبي. الضرائب التّصاعديّة تساهم بدورها في تحقيق العدالة، من دون دفع الأغنياء إلى الهجرة. من هنا أهمية درس هذا الملفّ بدقّة، مع الحرص على وجود حوافز تخفّف على الشّركات الخاصّة مثل تسهيل معاملات التّصدير، تأمين الكهرباء بأسعار معقولة… ما يساهم في زيادة النّموّ الذي يرفع بدوره مداخيل الدّولة. من الملحّ أيضاً تحجيم عدد موظّفي القطاع العام، وغيرها من الإصلاحات…
التجمّع يطالب الحكومة بتطبيق الإصلاحات هذه. وفي خطّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمال العام، لم يتم التّطرّق إلى أي إصلاحات بنيويّة أساسيّة كانت موجودة في خطّة حكومة الرّئيس حسّان دياب، منها تقليص عدد موظفي القطاع العام، بل يتم اليوم رفع رواتبهم، أي زيادة حجم الكتلة النّقدية ما سيرفع من معدّلات التّضخم وتدهور العملة الوطنيّة، ما يعني أن ما يمنح لهم سيؤخذ منهم مع زيادة عشرة أضعاف. إذاً، الإجراءات لن تؤدّي سوى إلى زيادة نسب التّضخّم وتدهور اللّيرة وزيادة العبء على الشّركات، ما يجعل الأزمة الاقتصادية أكثر سوءاً”.
وختم متمنّيا على “الدّولة الأخذ برأي القطاع الخاص واستشارته وإشراكه في القرارات، كونه العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. ووسط أزمة مشابهة لتلك التي يمر فيها لبنان، يجب الخروج بحلول ذكية لا تنعكس سلباً على القطاع الخاص مثل اقتراح التّجمّع باستبدال الضّمان الاجتماعي بتأمين خاص عبر العمل مع شركات تأمين والوصول إلى اتّفاقيّات تخفّض من الكلفة، مع إمكانية تطبيق ذلك على القطاع العام بعد الإصلاحات الأساسيّة فيه، بشكل يسمح للقطاع الخاص إدارة الغطاء الصّحي ليكون ذات فعاليّة أكبر. كذلك، ضمان الشّيخوخة ضروري إلى جانب تعويض نهاية الخدمة”.