محليات

أين الاحتياط الإلزامي… وهل من نيّة لاستخدامه؟

توقّف الكثير من الخبراء والمحللين والمصرفيين عند إجابة وردت على لسان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إطلالته الاعلامية الاخيرة، أطلق فيها تسمية موجودات خارجية على مبلغ الـ 10 مليارات دولار و300 مليون دولار الموجود في مصرف لبنان وهو المبلغ المعروف اعلاميا بالاحتياط الالزامي.

الاستغراب الذي أبداه هؤلاء بُني على إصرار الحاكم على استخدام عبارة الموجودات الخارجية، بما ولّد شعورا لدى البعض بأن ما ورد على لسانه هو مقدمة تمهّد الطريق للحاكم لاستخدام الاحتياط الالزامي الذي أصر سابقا على عدم المسّ به تحت اي ظرف من الظروف، بدليل أنه رفض الضغوط التي مورست عليه سابقا، كما عمد الى وقف جميع انواع الدعم على السلع الاستهلاكية والمحروقات بعدما نفد الاحتياط بالعملات الصعبة، ووصل الى حدود الاحتياط الالزامي. فما هو الفارق بين الموجودات الخارجية والاحتياط الالزامي؟

وفق القواعد المصرفية، تلتزم المصارف إيداع نسبة من الودائع بالعملة المحلية لدى #البنك المركزي من دون مقابل كإجراء احترازي لاستخدامها في حال واجهت سحباً مفاجئاً لودائع العملاء قد يعرّضها لخطر التخلف عن الدفع لنقص محتمل في السيولة. ومن الممكن أن يستخدم البنك المركزي نسبة الاحتياط الإلزامي كإحدى الادوات للتحكم في كمية النقد المتداول في الأسواق.

الخبير المصرفي والمالي الدكتور جو سروع يؤكد لـ”النهار” أن الاحتياط الالزامي يمثل نحو 14% من الودائع ب#العملات الاجنبية التي يضعها مصرف لبنان في المصارف المراسلة. أما الرقم الذي تحدث عنه الحاكم فهو بالتأكيد احتياط الزامي يحتفظ به في الخارج، واذا لم يكن كذلك، يسأل سروع: اين الاحتياط الالزامي؟ ويشرح أن “لدى المصرف المركزي نوعين أساسيين من الاحتياط، الأول يتمثل بالاحتياط الصافي وهو الناتج بين أصول المصرف المركزي الخاصة والسائلة ومطلوباته السائلة، والهدف الأساسي والاستراتيجي لهذا الاحتياط هو إدارة العملة الوطنية وصونها في إطار السياسة النقدية، بشقّيها النقدي ومستوى الفوائد الدائنة والمدينة. في حين أن الاحتياط الإلزامي هو ناتج عن عملية دينامية، اي ان مبلغ الاحتياط الالزامي يتناقص أو يزيد بالنسبة الى حجم الودائع بالعملة الاجنبية، وتبنى على إيداع كل مصرف من البنوك العاملة في لبنان في حساب خاص باسم البنك المعني، يُعرف بحساب الاحتياط الإلزامي بنسبة 14% من قيمة ودائعه بالعملة الأجنبية المدوّنة في موازنة المصرف السنوية المدققة من مدققي حساباته الخارجيين. والهدف النهائي هو ضمان جزئي للودائع إضافة إلى ضمان الودائع المُقرّ قانونا في حال تعثّر المصرف المعني. هذان النوعان من الاحتياط المكوّنان من عملة واحدة من حيث اشتراكهما في الشق الأول من الاسم، ويختلفان استراتيجياً في الهدف، أي أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة”.

يتكون احتياط مصرف لبنان من احتياط الزامي تودعه المصارف لديه مقابل الودائع بالعملة الأجنبية والذي كان سابقا 15%، لكن مصرف لبنان خفضه أخيرا الى 14% على خلفية انخفاض نسبة الودائع في المصارف. اضافة الى ذلك، لدى “المركزي” مخزون من العملة الاجنبية خاص به يدخل في احتياطاته من الاجنبي ويفوق الاحتياط الالزامي.
أحد الخبراء عبّر عن القلق الذي ينتاب بعض المراقبين والمحللين من أن تكون نسبة الاحتياط الالزامي في مصرف لبنان اصبحت دون الـ 14%، وتاليا لا يحق لمصرف لبنان التصرف بها. وأشار الى أن حجم الودائع بالعملات الاجنبية يُقدَّر بنحو 80 مليار دولار وأن 14% من هذا المبلغ يفترض أن يكون احتياطا الزاميا بالعملة الاجنبية، أما ما يفوق ذلك، فيحق لمصرف لبنان أن يتصرف به ويوظفه لدى مصارف مركزية خارج لبنان ولدى مصارف تجارية غير مقيمة شرط أن يكون تصنيفها الائتماني A أو AAA أو ما يُطلق عليه Investment grade، وتاليا يمكن أن يكون ما قصده الحاكم عن الموجودات الخارجية يتعلق بهذا الجانب تحديدا.

من جهتها، أكدت مصادر مصرفية أن الاحتياطات الموجودة لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، ربما باتت تقتصر على الاحتياطات الإلزامية التي فرض على المصارف إيداعها لديه من أموال المودعين، وتاليا لا يفترض بمصرف لبنان استخدامها. وكشفت أن جمعية المصارف كانت قد راسلت مصرف لبنان سابقا، مؤكدة أنه وصل الى الاحتياط الالزامي، وتاليا لا يحق له، اي لـ”المركزي”، استخدامه، فأتاها الجواب أن لا شيء ينص على ان مصرف لبنان مجبر أن يردّ الاحتياط الالزامي بحوالات خارجية، مشيرة الى أن الحاكم يعتبر أنه يحق له استخدام الاحتياط الالزامي فيما المصارف تعتبر أنها أموال المودعين ويحق لهم استرجاعها.

أين الاحتياط الالزامي؟

يُقدَّر حجم احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية بنحو 15.5 مليار دولار (من دون الذهب الذي تقدر قيمته بنحو 16.5 مليار دولار حاليا). لكن هذا المبلغ ليس قابلاً للاستخدام بكامله، وفق ما تؤكد مصادر متابعة، إذ ثمة نحو 5 مليارات دولار يوروبوندز اشتراها مصرف لبنان من الدولة (قيمة اليوروبوندز حاليا أقل من مليار دولار فعليا في السوق) بما يعني أن الدولارات القابلة للاستعمال (Liquid) هي نحو 10 مليارات و300 مليون دولار كما اشار كل من حاكم مصرف لبنان ووزير المال.

ولكن ماذا عن الاحتياط الالزامي؟ توضح المصادر أن الاحتياط الإلزامي انخفض مع انخفاض نسبة الودائع. وتؤكد أن الجزء الاكبر من احتياط مصرف لبنان بالعملات الاجنبية هو احتياط الزامي، ويمكن لمصرف لبنان التصرف به بشروط، وهي أموال متوافرة لديه، إذ يمكنه استخدامها ليدفع للمودعين متوجبات التعميم 158 (400 دولار كاش) الذي يفيد منه أكثر من 200 ألف مودع، مع الاشارة الى أن التعميم إياه ينص حرفيا على أن تسدد المصارف للمودعين نصف الكاش دولار، فيما يتحمل مصرف لبنان النصف الثاني من الاحتياط الالزامي.

ولفتت الى ان احتياط مصرف لبنان ارتفع منذ شهرين بنحو 700 مليون دولار لاسباب متعددة، منها شراؤه الدولار من السوق ومن خلال شركات تحويل الاموال، وهذه المبالغ سيستخدمها مصرف لبنان لدفع الرواتب للقطاع العام والتي تكلف نحو 340 مليون دولار في الاشهر الثلاثة المقبلة حيث سيقبض كل موظف وعسكري ومتقاعد في القطاع العام ثلاثة رواتب شهريا مع مفعول رجعي من تشرين الاول 2022، وذلك وفقا لقانون الموازنة الجديد الدي صدر أخيرا. اضافة الى ذلك يستمر مصرف لبنان بدعمه القمح والدواء بما لا يقل عن 70 مليون دولار شهريا.

في الخلاصة، تؤكد المصادر أن رقم الـ10 مليارات و300 مليون دولار الذي أشار اليه الحاكم، هو في الحقيقة موجود كدولارات لدى “المركزي” (من دون الذهب). أما مجموع الموجودات الخارجية فقيمتها كلها 15.5 مليار دولار (مع اليوروبوندز)، ومن ضمنها الـ 10 مليارات و300 مليون دولار التي بمعظمها هي احتياط إلزامي، أما المبلغ الذي لا يدخل في الاحتياط الالزامي فيُستخدم لدعم القمح والأدوية أو لتسديد رواتب القطاع العام وفق التعميم 161 (دولار على “صيرفة”).

اما السؤال أين ذهبت الدولارات؟ فالجواب العلمي وغير السياسي واضح وبسيط، وفق ما تقول المصادر عينها. فقد انفقت الدولة منذ عام 2010 اكثر من 25 مليار دولار على الكهرباء والنفط، ونحو 7 مليارات دولار كنفقات بالدولار الاميركي دُفعت للخارج (تسديد التزامات، شراء وقود للاجهزة الامنية، نفقات السفارات اللبنانية ورواتبها، اشتراكات في المؤسسات الدولية، نفقات وفود لبنانية شاركت بمؤتمرات في الخارج وغيرها…)، وانفقت منذ نهاية العام 2019 اكثر من 10 مليارات دولار لدعم البنزين والمازوت على سعر 1500 ليرة، كذلك دعم الادوية والقمح والعديد من السلع. هذا الدعم غير المدروس الذي ذهب الى الكهرباء أو النفط او السلع كان بتعليمات من الحكومة او بقوانين ملزمة لمصرف لبنان، وعندما طلب الاخير وأصر على وقف الدعم، للمحافظة على الاحتياط، ولكون جزء من الدعم والسلع يذهب خارج لبنان عبر التهريب، تعرّض لحملة سياسية وهجوم حاد، ومع ذلك اوقف الدعم حفاظا على الاحتياط بالعملات الاجنبية. ختاما يجب ألّا ننسى عجز الموازنة المتراكم والدين العام للدولة الذي وصل الى 100 مليار دولار مع نهاية 2019. كل هذا يجيب عن سؤال اين ذهبت دولارات المودعين ومصرف لبنان، خصوصا بعد اعلان وزارة المال في العام 2020 عن مبلغ يقدَّر بنحو 27 مليار دولار مجهول المصير في حسابات الدولة، وديوان المحاسبة الذي يتحدث في تقريره عن 6 مليارات دولار ذهبت هدراً في وزارة الاتصالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى