استعدادا للأعياد.. ترحيل كل الاستحقاقات الى السنة الجديدة!
جاء في “المركزية”:
مع اقتراب شهر الاعياد، يحاول لبنان لململة جراحه ولفلفة أزماته لاستقبال اللبنانيين المغتربين الذين يتوافدون بأعداد كبيرة لتمضية عطلتهم بين أهلهم وأصدقائهم وفي ربوع وطنهم بأبهى حلّة. فالاستعدادات اللوجستية والأمنية على قدم وساق لتمرير الأعياد بهدوء واطمئنان. لكن خلف هذه الصورة الجميلة وطن ينوء بأوجاعه، تعب من تعنت مسؤوليه وعدم قدرتهم على إنجاز الاستحقاقات الدستورية وأهمها انتخاب رئيس للجمهورية. فهل هذا يعني أن الامور جُمِّدت الى ما بعد الأعياد؟ وهل يمكن ترحيل الأزمات الى العام الجديد؟
المحلل السياسي والعسكري العميد جوني خلف يؤكد لـ”المركزية” ان “الحلول في الوقت الحالي مقفلة، نتيجة عدم الثقة بين القوى السياسية والسلطة الحاكمة، وهذا الأمر يتكرر مع كل مرحلة انتخابية، حيث يسيطر النفور والخلاف فيما بينهم، ما أدى في معظم الانتخابات الى الاتفاق حول موقع الرئاسة وهذا الأمر غير صحي، لأن النائب في البرلمان في هذه الحالة، لا يمارس دوره الدستوري والقانوني. عندما يحصل اتفاق حول اسم رئيس الجمهورية، هذا معناه اننا لم نعد بحاجة الى نواب يدلون بأصواتهم، بل نصبح امام تسوية. فاين دور البرلمان اليوم في حرية الانتخاب او بتطبيق بنود الدستور؟ هذا يعني وجود ثغرة ما تؤدي في كل مرة الى جدل دستوري لا نهاية له. وأكبر دليل، الجدل الذي شهدناه في الجلسات الست لانتخاب الرئيس، والمواقف حول تفسير الدستور. وتحوّلت معها الجلسات الى مسرحية هزلية، غير مسموحة وتدل على استخفاف بالمركز الاول في الدولة اللبنانية”، مشيرا الى ان “الجلسات فولكلورية لا تؤدي الى نتيجة، لأن لا أحد يملك الاكثرية النيابية او يفتش اساسا عليها، بل عندما يشعرون بأن الأكثرية ستتأمن في الدورة الثانية، يعطلون الجلسة ويغادر النواب المعترضون على الاسم المطروح، لأنهم لا يريدون رئيسا توافقيا يطرح عناوين سيادة لبنان واستقلاله وتوحيد السلاح ويعطي نفحة ايجابية للوضع ويعالج القضايا المالية والاقتصادية التي هي حاجة ماسة للبنانيين”.
ويضيف: “لبنان يتجه نحو مفترق خطير جدا، ستكون انعكاساته على الوضع العام والامني خاصة. ففي ظل الشغور، أكان على صعيد رئاسة الجمهورية او حكومة تصريف الأعمال التي لا يمكنها اتخاذ قرارات، او حتى المجلس الاعلى للدفاع الذي لا يمكنه ان يلتئم إلا برئاسة رئيس الجمهورية، لا يمكن اتخاذ قرارات أمنية او مصيرية في حال حصول أي مستجد. فمجلس الاعلى للدفاع هو من يضع الخطة الامنية وكيفية تطبيقها في حال حصول اي حادث أمني، وهو في الوقت الحالي مُغيَّب. وبالتالي، لبنان اليوم أرض خصبة، ممكن ان يواجه في اي وقت اي عمل تخريبي. وهنا نؤكد ان الجيش يسهر على الامن، ونحن مرتاحون للوضع، لكن هذا لا يعني أن ننام ملء جفوننا، لأن عندما يواجه اي بلد في العالم أزمة سياسية، تصبح الهزات الأمنية واردة في أي لحظة ويُستغَل هذا الظرف، حيث لا يُمكن اتخاذ القرارات، فتستفيق الخلايا النائمة للقيام بخضات أمنية. وقد ضبط الجيش أكثر من خلية في الفترة الأخيرة واستطاع ان يفككها ويوقف عناصرها، ومستمر في عمله هذا لمنع أي خلل محتمل في ظل هذا الفراغ”.
ويضيف: “لبنان مقبل على فترة أعياد، ومن المتوقع وصول أعداد كبيرة من المغتربين، وهذا الامر سيحرك العجلة الاقتصادية ويسمح بدخول الفريش دولار، وهذا أمر جيد، لكنه في المقابل يحتاج الى جهوزية أمنية كبيرة لمواكبته. واعتقد انه لن يتم انتخاب رئيس للجمهورية إلى ما بعد الاعياد، كل الامور جُمّدت كي يعيّد المواطنون بخير.
ويضيف:بعد الاعياد سيحصل غالبا اتفاق معين او خارطة طريق للوصول الى رئاسة الجمهورية. ولن تكون فترة ما بعد الاعياد طويلة، لأن كل فريق اليوم يضع ما في جعبته من معطيات وتحاليل ودراسات ليرى كيف سيتم انتخاب رئيس للجمهورية بأقل خسائر على لبنان”.
وتوجّه خلف الى التغييريين معتبرا “أنهم فقدوا الثقة تجاه ناخبيهم الذين كانوا يتمنون عليهم ان يكونوا كتلة واحدة متراصة خاصة في الاستحاقاقات الدستورية الكبيرة، ولكن خيبوا ظن ناخبيهم أكان على صعيد ادائهم في المجلس او اجتماعاتهم بين بعضهم البعض. يطلقون على انفسهم اسم تغييريين في حين اصبحوا بحاجة الى تغيير. الناس أمنت لهم وأعطتهم صوتها في أقسى الظروف والضغوط وتمكنت من ايصال 13 نائبا والذي لم يكن بالامر السهل ما بعد الثورة، لكن تبين أنهم يسعون وراء المراكز، وتأقلموا مع الاجواء السائدة واصبحوا عددا تماما كالآخرين”.
ويتابع: “يجب ان يستدركوا الامور ويعرفوا ان 13 نائبا ليس بالامر السهل، فمثلا 43 صوتا للنائب ميشال معوض مع اصوات التغييريين يصبح العدد 56، نكون قد اقتربنا كثيرا من إمكانية ايصال رئيس للجمهورية. اذا توحدت المعارضة والمستقلون والتغييريون مع تكتل “الجمهورية القوية” وكتلة “الكتائب” و”اللقاء الديمقراطي” يصل المجموع الى 68 نائبا”، لافتا الى انه “يتم اعتماد مبدأ فرق تسد، فنجد التغييريين منقسمين والسنّة أيضا وحتى المستقلين. ولكن بما ان معوض حصل في كل الجلسات على هذا العدد من الاصوات، فهو يستحق العمل أكثر لايصاله. إلا في حال كان هناك شخص آخر ينتظرون اللحظة المناسبة للاعلان عنه. لكن في ظل هذا التناقض والخطاب الخشبي والعامودي لا يمكن ان نقول بأن اي طرف يمكنه ايصال رئيس، بل الواضح أنهم يجروننا الى مكان يجبروننا فيه على التوافق والتسوية”.
عن حزب الله الذي يشكل بيضة القبان في ايصال اي مرشح الى قصر بعبدا، يرى خلف ان “الحزب” أصبح منفتحا محليا واقليميا ودوليا، ولا يريد ان يبقى منغلقا على نفسه كما عام 2014 عندما عطل الانتخابات النيابية. برايي، “الحزب” يرفع السقف حتى يقال له ان سلاحه والاستراتيجية الدفاعية لن نتحدث عنها ونتركها جانبا في الوقت الحالي. ولربما اذا تم اعطاؤه ضمانات من هذه الناحية قد يسير بأي مرشح. لكن في المقابل، من غير الجائز القبول بأن يتدخل حزب الله في شؤون الدول العربية والاقليمية ويورط البلد بمشاكل معها ومن ثم يطلب من لبنان حمايته. لا يمكن ان نحمي اي خطأ، لا يمكن حماية ممانعة لم توصلنا الا الى الويلات، وهو يعرف هذا الامر ويعرف ان محور الممانعة الذي كان هو رأس الحربة فيها لم يتمكن من ايصال لبنان الى شاطئ الأمان. لذلك، عليه ان يجلس جانبا ويفسح المجال أمام الآخرين. من سيعطي حزب الله أكثر مما أعطاه الرئيس ميشال عون؟ رغم ذلك ومع تكتل نيابي كبير وغطاء مسيحي في الحكومة والمجلس النيابي لم يتمكن من القيام بأي شيء، لا بل خاصمنا مع معظم الدول العربية والدولية. لذلك عليه ان يعترف هو والتيار الوطني الحر وكل من حكم في هذه المرحلة انهم لم يتمكنوا من انجاز اي تقدم او مشروع او ملف لا بل دمروا كل المؤسسات التي تحمي المواطن. لذلك عليهم ان يتنحوا جانبا ويفسحوا المجال لإعطاء نفس جديد لرئاسة الجمهورية وللمرحلة التي ينتظرها اللبنانيون ويتأملون فيها. على حزب الله ان يزيل عنه الجانب العسكري وان يعود حزبا لبنانيا ممثلا في المجلس النيابي والحكومة فيسهل الامور ويضع السلاح بيد الجيش اللبناني”.