خيارات الرئاسة تضيق: للتوافق مع الحزب.. كبحاً لجموحه
كتب منير الربيع في “المدن”:
لماذا تغيّرت لهجة حزب الله، من دعواته التوافقية إلى لهجة تحمل في مضامينها قراراً بالتصعيد والتمسك بمرشح من محوره؟
عندما كان الحزب يوجه دعواته إلى التوافق كان هناك مسار يحتوي نوعاً من مؤشرات التهدئة. وهو ما استلهمه الحزب في مرحلة ما بعد ترسيم الحدود البحرية. وقد سعى الحزب إلى الاستثمار فيها سياسياً. وبينما كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بتنسيق مع الحزب، يبدي الاستعداد لتوجيه الدعوات إلى حوار، جوبه بالرفض. ضاعت لحظة الترسيم والاستثمار به. فعاد التصعيد مجدداً، بناء على مواقف في الداخل اللبناني وفي الخارج. تصعيد انعكس في اليمن والعراق، بالإعلان عن كشف عمليات إيرانية ضد أهداف سعودية، وبتصاعد وتيرة التظاهرات في إيران، حيث تتهم طهران جهات خارجية بدعمها، وصولاً إلى الإعلان عن وقف الحوار الإيراني السعودي في العراق.
“الرئيس اللائق”!
لا ينفصل لبنان -بالنسبة إلى وجهة نظر حزب الله- عن كل هذه التطورات. خصوصاً أن قوى لبنانية متعددة عمدت إلى تصعيد لهجتها السياسية ضد الحزب وضد سلاحه، فخرج أمين عام الحزب معلناً عن تبني ترشيح “من يعرف المقاومة ولا يطعنها بظهرها”. فكان ذلك ردّاً على كل محاولات استهدافه، وتقديم عرض جديد للآخرين، الذين لم يلتقطوا اللحظة أو الفرصة. لذا، عاد الحزب إلى قواعد التصعيد التي وضع ملامحها أمين عام الحزب مع إبقاء الباب مفتوحاً، ليأتي بعدها موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد والذي قال: “إننا في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف من نريد، ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد”، معتبراً أن “الشغور الرئاسي يصنعه عدم التفاهم على الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم، وعندما يحصل هذا التفاهم، يكون هناك رئيس للجمهورية، ونحن مستعجلون على ذلك أكثر من كل الآخرين، والمسألة ليست بارتفاع الصوت، وإنما بجدية الفعل”.
هذا التوتر هو الذي دفع الحزب إلى تصعيد الجديد، مع الإصرار على خوض معركة سليمان فرنجية، وسط معلومات تفيد بأن الرجل لم يتبلغ بأي فيتو عليه من أي جهة، إذ أن الفرنسيين يؤيدون ذلك، فيما لا ممانعة أميركية. أما على صعيد الخطّ السعودي، فقد فتح فرنجية كوة في الجدار من خلال مشاركته في مؤتمر اتفاق الطائف. تبقى العقبة الأساسية في موقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. فيما تفيد معلومات أن مساع جديدة تبذل بين الحزب وباسيل، تمهيداً لعقد لقاء جديد مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يتوَّج بنتيجة إيجابية.
“إقناع” باسيل
هنا تطرح أسئلة كثيرة، خصوصاً إذا كان حزب الله سيتمكن من إقناع باسيل بالسير بخيار فرنجية؟ لا جواب واضح حتى الآن، على الرغم من إصرار باسيل على تكرار مواقفه الرافضة للسير بفرنجية، فيما هناك قناعة لدى الحزب بأن الأخير لا بد له أن يقتنع مع حصوله على ضمانات.
قد يعتبر الحزب أن باسيل لا ضمانات أخرى لديه سوى حزب الله، وكل أوراقه وعناصر قوته مستمدة من الحزب، خصوصاً أنه طوال السنوات الفائتة نُسجت علاقة على مساحة واسعة بشتى المجالات. ولذلك تتضارب التقييمات، بين من يعتبر أن باسيل ممسوك إلى حد ما من قبل الحزب، وهو لن يستطيع أخذ خيار آخر في النهاية. ويرتكز هؤلاء بأن كل منطلقاته تبدأ من العلاقة الأساسية مع حزب الله، وهذه النقطة تتيح بلحظة معينة أن يتمكن حزب الله من ترتيب العلاقة بشكل تحفظ فيه حصص جميع حلفائهم بأي طريقة.
في المقابل، ثمة من يعتبر أن هذه النظرة لا تبدو ثابتة، وأن باسيل لن يكون من السهل إقناعه. وهو يراهن على جملة عوامل، منها عناصر عمله على خط ترسيم الحدود، وحاجة حزب الله له، وثالثاً والأهم أن باسيل يمكنه البقاء في خانة الاحتماء بمواقف الآخرين الرافضين لفرنجية، وبالتالي طالما أن فرنجية لا يمكنه أن يحصل على عدد الأصوات الكافي حتى وإن صوّت له تكتل لبنان القوي، فلا بأس بأن يبقى باسيل على موقفه، ويستخدم هذا الهامش لأن يلعب ضمنه.
سيكون الجميع في النهاية محكومين بالتوافق مع حزب الله، بينما الأهم هو عدم ترك الحزب أمام مجال المضي في التصعيد، بشكل يصبح أمام معادلة ترشيح واضحة ولا مجال للتراجع عنها، عندها ستكون المشكلة الأكبر.