قداسة البابا… لماذا لم تزر لبنان؟
تربط اللبنانيين بروما وبشخص البابا علاقة وجدانية لا تشبه علاقة المواطنين اللبنانيين بأي بلد آخر أو شخصية أخرى.
وفي هذه العلاقة لا يمكن التمييز بين لبنانيّ مسلم وآخر مسيحي، فنظرة الجميع الى الكرسيّ الرسوليّ شبه موحدة، اذ ان العلاقة مع روما قد تكون من النقاط القليلة المشتركة والتي لا خلاف عليها بين المواطنين في لبنان.
وما ثبّت هذه العلاقة وأعطاها البعد الوجداني والشخصي، إن صح التعبير، هي الزيارة الشهيرة التي قام بها البابا القديس يوحنا بولس الثاني في 10 و 11 أيار 1997 الى لبنان، والتي من خلالها ظهر البابا قريبا من اللبنانيين ومن الشباب، كما ظهر مدركا عمق أهمية لبنان وذلك من خلال وصفه بـ”بلد الرسالة”.
ولم تكن زيارة البابا القديس الى لبنان يتيمة، بل سبقتها زيارة قام بها البابا بولس السادس، في 2 كانون الأول 1964، ودامت يومها لخمسين دقيقة فقط ، اذ عبرها وخلال توجهه الى بومباي، قصد البابا ان يتوقف في لبنان تاركا رسالة أمن وسلام.
كما اتت زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنانفي 16 أيلول 2012 لتؤكد ضرورة تمسك اللبنانيين بقيمهم التي تمثل نموذجا فريدا في الشرق والعالم.
وبعد هذه الزيارات الثلاث، انتظر اللبنانيون من البابا فرنسيس، الذي يعتبر الأكثر قربا من الفقراء والمضطهدين والمهمشين، ان يزورهم محاولا بلسمة جراحهم في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها من دون توقف منذ الـ2019 وحتى اليوم.
لكن اعتبارات روما او توجهاتها في هذا الاطار، لم تتوافق مع تطلعات اللبنانيين وأمنياتهم، فالخبر الذي نشرته الرئاسة اللبنانية خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون والذي أعلن للبنانيين عن موعد وصول البابا فرنسيس الى لبنان، بقي حبرا على ورق، والكرسيّ الرسولي أعلن بعد فترة وجيزة ان صحة البابا لا تسمح له بالتحركات الطويلة والسفر.
وما بين اعلان بعبدا واعلان روما، قطبة مخفية ما زالت علامات الاستفهام تدور حولها، في اذهان اللبنانيين الذين يدركون ان لبنان في قلب البابا وفي بال الكرسيّ الرسوليّ.
لكن مشاعرهم تجاه روما لا تمنعهم من طرح الأسئلة حول الأسباب الفعلية التي منعت البابا فرنسيس من زيارة بلدهم أقله حتى الساعة.
فالعاطفة والصلاة من أجل لبنان قد لا يكونان كافيين في ظل التدهور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي بات حمله صعبا جدا على مختلف المواطنين في لبنان.
وبالتالي، قد لا تستطيع اللفتات العميقة التي وجهها البابا فرنسيس تجاه لبنان وعلى الرغم من اهميتها، من ان تحدث اي خرق في دوامة الازمات والمشاكل اللبنانية المستمرة.
فقداسة البابا الذي قبّل علم لبنان الذي كان يحمله أحد الكهنة في ساحة القديس بطرس في روما، والذي لم يغب لبنان عن باله وفكره أثناء وجوده في العراق المعذب والمؤلم، حرص ان يوجه رسالة الى اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة الى البحرين حيث عبّر عن تضامنه وقربه من الشعب اللبناني “المرهق” والذي يعاني ما يعانيه على مختلف الصعد في تفاصيل حياته اليومية.
لكن وعلى الرغم من كل هذا، لم يأخذ قداسته قرارا حتى اليوم بزيارة لبنان وبالتواصل مع شعبه بطريقة حيّة ومباشرة.
وفي هذا الاطار، تؤكد المعلومات انه لا يمكن الربط بين قرار الزيارة والاهتمام الفاتيكاني في لبنان، اذ ان الملف اللبناني حاضر بشكل يومي على طاولة الدبلوماسية الناعمة، وأسباب عدم اتمام الزيارة لا يمكن تكهنها كما لا يمكن تأكيد اعادة التفكير بها او عدمه.
لذلك ومن باب العتب المفعم بالمحبة، قد يكون من حق اللبنانيين ان يسألوا صاحب القداسة عن أسباب عدم مجيئه الى لبنان.
وقد يكون من حقهم ايضا ان يسألوا الكرسيّ الرسوليّ عن صحة ما يتم الترويج له وهو ان قداسة البابا لم يزر لبنان لأسباب متعلقة بتفاصيل السياسسة والسياسيين فيه.
ومن حقهم ايضا ان يسترجعوا مسيرة السيد المسيح الذي لم توقفه اعمال زكا العشّار عن زيارته ولم تمنعه جنسية المرأة الكنعانية من التحدث اليها.
لذلك، وعلى الرغم من المحبة المتبادلة، تبقى مصارحة اللبنانيين السبيل الأفضل للتعبير عن التضامن معهم والشعور بهم، فيا قداسة الحبر الأعظم، لماذا لم تزر لبنان؟!