حرارة أسعار “المدافئ” أشدّ من أسعار المازوت… وشتاء اللبنانيين قاسي
يقاسي اللبنانيون كل أنواع الفقر والقهر والتشرذم والانقسام السياسي الحاصل في البلد بين المسؤولين، ان لجهة انتخاب رئيس للجمهورية او لتأليف حكومة ليكون البلد اقله طبيعيا. وبسبب كل هذه الدوافع غير المنطقية، يتعرض المواطن للعري بسبب غياب الدولة في ابسط واجباتها، وهو الرقابة على مستلزمات التدفئة على مشارف الشتاء.
فكيف ستكون “أشْتِيَة” اللبنانيين في ظل الازمة الاقتصادية الغارق بها البلد، وما مدى قساوتها وانعكاساتها وتأثيرها عليهم، لا سيما ان أبرز هذه الازمات مستلزمات التدفئة، والتي هي عنصر أساسي في المناطق الجبلية ذات الشتاء الماطر والبرد القارس والثلوج التي تصل الى أمتار.
شتاء 2023 الحطب المحروقات والفحم
الظروف الاقتصادية قسّمت المواطنين الى ثلاث فئات: فئة استطاعت تأمين المحروقات ومستلزمات الشتوية، وفئة ذهبت باتجاه شراء الحطب او الجفت “زيبار الزيتون”، وفئة تحدّت الموت والبرد القارس ولجأت الى “مناقل الفحم” بسبب عدم قدرتها على شراء أي نوع من أنواع المحروقات، معتمدة على هذا النوع للتحمية من الفحم وفتات الاخشاب والخنشار الذي يجمع من مناشر الخشب.
والسؤال، كيف لهذه العائلات ان تصمد وتعتمد على هذا النوع من الاشعال على مدى 5 او 6 أشهر من البرد والصقيع والثلوج والامطار المتواصلة.
كل الحلول مقفلة في ظل الاختيار الصعب، فما ينتظره اللبنانيون سيكون شتاءً طويلاً مأساوياً، والمواطن بات مجبرا لا مخيرا ، إما الموت جوعا، وإما بردا أو يأسا، وإما عن طريق اهمال مسؤول من هنا وآخر من هناك، وما بين الاثنين المواطن هو الضحية.
أحد سكان منطقة راشيا قال لـ “الديار”: ” الكثيرون هذه السنة ممن اعرفهم لجأوا الى بدائل عن “الصوبيا”، حيث لا قدرة لهم على شراء متطلبات التدفئة، كما ان كارثة الكوارث ليس فقط في اسعار المحروقات، بل تعداها ليصل الى “المدفأة” التي اضحى سعرها خياليا، والقديم يحتاج الى صيانة دورية وقساطل واكسسوار والى ما هنالك، والتي أيضا باتت تكلف مبلغا ولا حلول وسطية في هكذا قضايا.
في سياق متصل ، يقول خالد من منطقة تعلبايا: “حاولت جاهدا طيلة الصيفية شراء المازوت صفيحة وراء أخرى كي لا تموت عائلتي بردا، فبعد رفع الدعم الرسمي عن المحروقات، والتي في الأصل كانت تباع في مناطقنا سوقا سوداء، أضحت الأمور قاسية ومعقدة أكثر من المتوقع”. ويتابع، “مع بداية كل فصل شتاء يتذلل المواطن للحصول على برميل او اثنين للتدفئة، واليوم مع فلتان السوق السوداء ودولرة كافة القطاعات، تجاوزت الأمور قدراتنا المادية، وللأسف اقولها لم أستطع تأمين مستلزمات الشتوية كما يجب بالحد الأدنى طبعا”.
بين لهيب الأسعار ومستلزمات التدفئة… البرد ارحم
يوجد الكثير من العائلات غير قادرة على قضاء هذه الشتوية بأبسط المقومات لسببين:
- أولاً: الحطب كالمازوت سعره ارتفع.
- ثانياً: سال لعاب الكثيرين من تجار السوق السوداء وبات سعر شوال الحطب 6 او 7 اضعاف عما كان عليه في العام المنصرم، وفي كل يوم يختلف السعر صعودا، فعلى سبيل المثال طن الحطب يبلغ حوالي 350 و400$ بحسب المنطقة وبحسب مافيات السوق السوداء، وكل بيت يحتاج حوالي الـ 4 اطنان أي ما يقارب 1600$ أي ما يعادل 63,400,00 ل. ل.
اما الجفت فتكلفته تختلف بين منطقة وأخرى، وتكلفة الطن 80$ بحسب صاحب معصرة في منطقة “الماري”، وفي مناطق أخرى ممن يعتمدون على هذا النوع كتجارة موسمية، يبيعون الطن ما بين الـ 180 و200$ ، وهو مبلغ مبالغ به بالنسبة لأسعار الجفت ما يدل على الاحتكار من قبل التجار.
دائما يكون الحديث عن أسعار المحروقات ومستلزمات التدفئة من حطب ومازوت وغيره، ولكن ماذا عن أسعار “المدافئ” او “الصوب” التي بات سعرها بالدولار او بحسب سعر صرف الدولار اليومي في السوق الموازية؟ تبدأ من الـ 60$ الى 450$ ،اما القساطل فسعرها يتروح بين الـ 4 و5$ ،والإكسسوار الخاص بالصوب 3$ ،بحسب السيد جمال أبو إبراهيم صاحب محلات لبيع “المدافئ” الذي اشار لـ “الديار” الى “ان الاقبال على شراء صوب الحطب هذه السنة مضاعف عن السنة الماضية، لا بل يوجد تهافت من المواطنين بهذا الاتجاه، وحوالي الـ 90% منهم باتوا يشترون صوب الحطب، و10% يعتمدون على تلك التي تعمل على المازوت”.
ولفت الى “ان عددا من المواطنين بات يطلب ابدال صوب المازوت بالحطب، ما يدل على ان الناس يشترون مقتضيات التدفئة تلك التي تعتمد على الحطب بهدف التوفير”.
بالإشارة الى ان هذه الأسعار قد تختلف بين منطقة وأخرى وبحسب نوع “الصوبيا”، فهناك مدافئ على الحطب وأخرى على المازوت، ومنها أيضا يعمل على الحطب والمازوت في نفس الوقت، وهذه تعد من الامتيازات الجيدة بالنسبة للعائلات التي تطهو عليها بهدف توفير الغاز.
وفي سياق متصل حداد افرنجي قال لـ “الديار” ان عددا كبيرا من المواطنين لجأ الى صيانة “الصوب” لعدم قدرته على شراء جديد، وبعضهم عمد الى الاستعارة من قريب او جار، ومنهم لجأ الى البطانيات ظنا منه انها الحل المعتم والقاسي في ظل انعدام القدرة على شراء مدفأة ومازوت او حطب.
بعض البدائل تشكل خطرا على الحياة
دفعت الأوضاع الاقتصادية بالكثيرين للاستعاضة عن المدافئ ببدائل قد لا تكون الحل الأنسب والاوفر مقارنة بالأضرار التي قد تنتج عنها، فالبعض ذهب باتجاه استخدام المناقل المفتوحة لإشعال الفحم والخنشار وفتات الحطب، ما يسبب خطرا على حياة أولئك الذين يعانون امراضا تنفسية وصدرية كالربو وأيضا على الأطفال، سيما ان هذه المناقل بعضهم يستعيض عنها في علب من التنك وخطرها قد يمتد ليحرق المنزل بأكمله.
ليست المحروقات والحطب يباعان سوقا سوداءً وخاصة في المناطق البقاعية والجبلية، أيضا كلفة اشتراك المولدات ارتفعت بشكل هستيري، وفي هذا الإطار لا التزام بالتعرفة الرسمية التي تضعها وزارة الطاقة او بحسب العداد والامبيرات، بل بحسب تسعيرة يضعها صاحب المولد الكهربائي تناسب شجعه. وفي هذا السياق تجدر الإشارة انه لا كهرباء للمدافئ الكهربائية، ولا لتلك التي تعمل على الغاز فالقارورة بلغ سعرها مؤخرا 427000 ل.ل وفي كافة الأحوال نحن سائرون نحو رفع تعرفة كهرباء الدولة، والمواطن لا زال يتقاضى راتبه بالعملة الوطنية ولا حول ولا قوة له.
“الاقتصاد” بالمرصاد
مدير عام وزارة الاقتصاد السيد محمد أبو حيدر قال لـ “الديار”: “ان المراقبين البالغ عددهم 9 في البقاع سيكثفون جولاتهم وعملهم الرقابي على محطات المحروقات خاصة المازوت والمولدات الكهربائية لحماية المواطن منعا للاحتكار او رفع الأسعار تمهيدا لبيعها سوق سوداء بغية الاستفادة ونحن على أبواب الشتاء”.
وناشد البلديات “لممارسة دورها في هذا الإطار وتفعيل عمل المراقبة على الأرض وهو من ضمن صلاحياتها حيث يمكنها متابعة الامر عن كثب من اجل حماية المواطن وعدم استغلاله.”