كيف سيتعامل مجلس النواب مع رسالة “الرئيس السابق”؟
دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس النيابي إلى عقد جلسة «في تمام الساعة 11 من قبل ظهر يوم الخميس المقبل الواقع في 3 تشرين الثاني الجاري وذلك لتلاوة ومناقشة رسالة رئيس الجمهورية».
وكان الرئيس ميشال عون طالب في رسالته، التي واكبت توقيع ونشر مرسوم قبول إستقالة الحكومة قبل مغادرته قصر بعبدا، مجلس النواب بنزع التكليف الممنوح منه للرئيس نجيب ميقاتي. ويطرح توقيت هذه الرسالة وتزامنها مع رسالة ميقاتي إلى رئيس مجلس النواب، أسئلة كثيرة حول كيفية تعامل المجلس ورئيسه مع الرسالتين والنتائج المترتبة عن هذه الخطوة؟
ورغم تقاطع أكثر من مصدر حقوقي ودستوري على إعتبار رسالة ميقاتي «معنوية ولا أثر قانونياً لها، إلّا إذا كان بدأ ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية مبكراً»، فإنّ البعض «لا يمانع طرح مضمونها للنقاش، لا سيما وأنها مرتبطة من حيث المضمون بما ورد في رسالة رئيس الجمهورية وجاءت ردّاً عليها».
وعطفاً على مواقف الرئيس بري الذي يعتبر «الدستور مثابة الكتاب المقدّس في النظام، وأن ما قام به ميقاتي يؤكّد إلتزامه تصريف الأعمال عقب إصدار رئيس الجمهورية مرسوم قبول إستقالة الحكومة»، فإنّ العارفين بكيفية تعامله مع محطات كهذه، يؤكدون أنّه لن يسمح بأن تتحوّل جلسة مناقشة رسالة الرئيس عون الخميس إلى «جلسة عكاظ»، ولهذه الغاية لن يسمح بنقلها مباشرة عبر وسائل الإعلام كما سبق وحصل مع جلسة 21 و 22 أيار2021 في قصر الأونيسكو، والتي خصّصت حينها لمناقشة رسالة شبيهة.
وبري يعتبر أنّ الحكومة مستقيلة بموجب المادة (69) من الدستور التي تُعدّد حالات إعتبارها مستقيلة، ومنها إنتخابات مجلس النواب وأنّ هذا الأمر لا يحتاج إلى قرار. وترى مصادر قانونية وحقوقية متابعة أنّ المهمّ بالنسبة إلى جلسة الخميس، هو طبيعة القرار أو الإجراء الذي سيتّخذه مجلس النواب، فالرسالة تتحدّث بطريقة ما عن تفسير المادة 62 من الدستور، وأي تفسير لنصّ دستوري ينطوي على تعديل ضمني للدستور، وبالتالي يحتاج إلى أكثرية الثلثين المطلوبة لتعديله وفق إجتهاد الرئيس بري، وهذا طبعاً غير متوفر في تركيبة المجلس الحالي وقد يكون المخرج لنهاية الجلسة تحت هذا العنوان.
وتُذكّر المصادر نفسها بالرسالة التي سبق وأرسلها عون إلى مجلس النواب في العام 2019 وطلب فيها تفسيراً للمادة 95 من الدستور، والآلية التي تمّ التعامل معها.
مصادر أخرى ترى «أنّ على مجلس النواب أن يلتئم لإنتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للمادة 75 من الدستور، وبالتالي لا يستطيع مناقشة أي أمر آخر».
وتتساءل هذه المصادر: «كيف سيُناقش المجلس رسالة لشخص لم يعد في مركزه؟ فما يجري ليس سوى نكد سياسي ولعب لتضييع الوقت».
في المقابل، ستختلف مقاربة كلّ طرف أو فريق سياسي للتعامل مع الجلسة، ولكن مع التأكيد على إحترام الدستور، وفي «إطار مواجهة كلّ محاولات الإنقلاب على الطائف التي استمرّت ست سنوات واختتمت بآخر إعلان سياسي للرئيس ميشال عون»، وفق توصيف عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب بلال عبدالله لـ»نداء الوطن».
وتعتبر رسالة عون إلى مجلس النواب الرابعة من نوعها، حيث كانت رسالته الأولى بتاريخ 31 تموز 2019 وتضمّنت طلباً لتفسير المادة 95 من الدستور، أمّا الرسالة الثانية فكانت بتاريخ 24/11/2020 وتضمّنت طلباً لتفسير «التدقيق الجنائي».
وفي حين أُرجئ موعد جلسة مناقشة الرسالة الأولى مرّتين، ولم يتمّ تحديد موعد جديد لها، ناقش المجلس الرسالة الثانية في جلسة عُقدت في 27/11/2020 في قصرالأونيسكو، واتّخذ القرار المناسب بشأنها لجهة أن يشمل التدقيق الجنائي كل الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة بالتوازي، وليس فقط مصرف لبنان.
أمّا الرسالة الثالثة فكانت شبيهة بالرسالة الأخيرة، لجهة طلب سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف حينها سعد الحريري، وقد خُصصت جلسة على مدى يومين بتاريخ 21 و22 أيار عام 2021 لتلاوة الرسالة ثم مناقشتها في قصرالأونيسكو وكانت النتيجة الحثّ على تأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن.
وبمعزل عن القراءات والتفسيرات المختلفة لتوقيت رسالة عون وكيفية تعامل مجلس النواب معها، وبمعزل عن النتائج التي ستخلص إليها الجلسة والتي لن تتجاوز أخذ العلم وتوصية الحكومة ورئيسها بإحترام النص الدستوري لجهة ممارسة الصلاحيات، قد يكون من المفيد التذكير بوقائع جلسة مجلس النواب التي عُقدت في 21 آب 1990ونوقش خلالها إنشاء المجلس الدستوري. ويتبين من خلال النقاش الذي دار بين النواب حول ما إذا كان ينبغي إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، وجود شبه إجماع بين النواب الذين طلبوا الكلام بأن حق تفسير الدستور يعود للمجلس النيابي وحده، ولا يجوز له أن يتنازل عنه لصالح أي مرجع آخر.