محليات

عهد التحوّلات الجذريّة يطوي صفحته: ميشال عون سابقة في تاريخ الرؤساء!

على أنقاض فراغ دستوريّ لامس السنتين ونصف السنة، وفي أوجّ احتقان سياسي وانقسام مُشلّع تحت عنوان “ميشال عون أو الفراغ”، انطلق عهد الرئيس العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول 2016.

بُنِيَ هذا العهد على اتفاقيات وتفاهمات سياسية بين الأضداد. تفاهم تاريخيّ مع “القوات اللبنانية” تحت عنوان “أوعا خيّك” وتفاهم مع سعد الحريري جعل منه رئيساً لحكومة العهد الأولى.

عرف الحريري أزمةً سياسية وجوديّة مع المملكة العربية السعودية دفعته إلى إعلان استقالته على الهواء من المملكة، ومن ثمّ العودة عن الإستقالة بعد تدخّل مباشر من رئيس الجمهورية ميشال عون وجولات خارجية عدّة للوزير جبران باسيل.

بدايةٌ عوجاء للعهد العوني تمثّلت بسقوط “تفاهم معراب” بين القوات و”التيار الوطني الحر” على أثر خلافات ثنائية عدّة على حصص في التعيينات الإدارية في الدولة، حيث هبّت رياح جبران باسيل بما لا تشتهي سفن سمير جعجع الذي خرج من هذا التفاهم واصفاً إياه بـ”الطعن”.

جرت إنتخابات العام 2018 على أساس قانون النسبية مع الصوت التفضيلي للمرة الأولى في تاريخ لبنان، والتي حصل فيها التكتّل الداعم لرئيس الجمهورية، ونواته “التيار”، على 29 نائباً، فيما اعتبر “حزب الله” أنه حصل على 71 نائباً، وهو ما أتى على لسان قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني.

أزمات مختلفة ومتنقلة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يقترع لصالح وصول عون إلى بعبدا وأبقى نفسه خارج عباءة هذه المسؤولية وما ترتّب عنها لاحقاً.

اشتعلت ثورة 17 تشرين الأول 2019 التي سطع فيها نجم الـ”هيلا هيلا هو” وأسقطت حكومة سعد الحريري، ليتزامن معها الإرتفاع التدريجي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء ليصل لاحقاً إلى 40 ألف ليرة.

كُلِّف حسان دياب لترؤّس الحكومة، فأعلن الإفلاس، وهبّت في وجهه عواصف الأزمة الإقتصادية غير المألوفة والإرتفاع الناري في أسعار المواد الغذائية، لتحلّق معدّلات الفقر والبطالة والهجرة في مشهديّة تمّ تسميتها بـ”قندهار لبنانية”.

إنقطع البنزين والمازوت والدواء، واختفت مواد غذائية أساسية عن الرفوف وتكدّست طوابير الذل أمام الأفران ومحطات الوقود في مناطق لبنان كافّةً.

عقد الرئيس ميشال عون كباشاً حاداً، سياسياً ومالياً، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بلغ حدّ ملاحقته قضائياً وأمنياً ومحاصرة منزله.

عبارة “اللي مش عاجبو يهاجر” على لسان الرئيس عون للمنتفضين على طول الأوتوستراد اللبناني نفخت في نار الثورة وولّدت المزيد من الإحتجاجات الشعبية.

وفي خبايا القصر، أُعدَّ مرسوم تجنيس تضمّن رجال أعمال سوريين وفلسطينيين تحوّل إلى فضيحة مع انتشار الخبر في وسائل الإعلام، ليُقابل بنفي من المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، ويُشرّع باب التجنيس على علامات استفهام عدّة.

أرخت “كورونا” بثقلها الضخم على القطاعات اللبنانية كافّةً، وكان من الصعب على الحكومة استيعاب الضغط الإداري الهائل لهذه الأزمة، التي تعدّت المأساة الصحيّة إلى حالة عامّة من الشلل أدّت إلى إقفال البلد كلياً لأكثر من مرة.

حدث الأحداث كان انفجار العصر في مرفأ بيروت، الذي وُجّهت فيه أصابع الإتّهام إلى مختلف الجهات المشاركة في السلطة والأجهزة الأمنية التابعة لها، وأبرزها الإتّهام الذي وُجّه إلى الرئيس ميشال عون بالإهمال نظراً إلى علمه المسبق بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، من دون أن ننسى إقصاء المحقّق العدلي الأول القاضي فادي صوان وكف يد المحقق الثاني القاضي طارق البيطار.

التوتّر القضائي الناجم عن ملف انفجار المرفأ، انفجر في ١٤ تشرين الأوّل ٢٠٢١ على أرض الطيونة وصولاً إلى خط التماس الفاصل بين الشياح وعين الرمانة، نتج عنها ٧ قتلى. اتُّهِمَت يومها “القوات اللبنانية” بإشعال هذه الجبهة بينما اعتبرها جعجع بمثابة الغزوة من حزب الله وحركة أمل لـ عين الرمانة، وكاد هذا اليوم أن يتطوّر باتّجاه المجهول لولا ضبطه سياسياً.

الإنتخابات النيابية الثانية في عهد الرئيس عون بإدارة من حكومة نجيب ميقاتي. أفقدت هذه الإنتخابات حلفاء الرئيس، وعلى رأسهم “حزب الله”، الأكثرية النيابية لينخفض عدد النواب الحلفاء من 71 نائباً إلى 61 نائباً، ومن ضمنها تكتل “لبنان القوي” الذي تقلّص من 29 إلى 18 نائباً.

ولّد هذا الإستحقاق خريطةً جديدة في مجلس النواب، حيث أصبح هناك كتلة تغييرية معارضة من 13 نائباً انتقلت عبرهم الثورة من الشارع إلى ساحة النجمة.

لم تُحدث نتائج الإنتخابات أيّ تغيير على المستوى الحياتي والإقتصادي. استمرّت الأزمة في مسارها الإنحداريّ. تفاقمت أزمة الكهرباء، توقّف عدد من المستشفيات عن العمل بسبب الضائقة العميقة التي وصلت إليها.

توقّفت الإدارة العامة عن العمل بسبب إضراب موظّفي القطاع العام وتوقّف الجامعة اللبنانية لمدّة 3 أشهر بسبب الإضراب، والأخطر الإعتكاف المفتوح الذي أعلنه القضاة وهو ما وضع ما تبقى من العدل في مهبّ الريح حتى إشعار آخر… فتعمّق معه الإنهيار جلياً.

فُتح النقاش على مصراعيه حول مستقبل الدستور في لبنان، وسطع ذلك في تغريدة للسفير السعودي وليد البخاري وضعت اللبنانيين بين خيارين: إتفاق الطائف أو تحوّل لبنان إلى كيانات عدّة.

مسك ختام هذا العهد كان مع توقيع الإتفاق التاريخي الذي يقضي بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. اعتبره عون إنجازاً، بينما اعتبره معارضوه تنازلاً عن حق لبنان في الثروة النفطية والبحرية وبداية التطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن اعتباره بمثابة مخالفة دستورية بسبب عدم مروره في مجلس النواب.

أكثر من 600 يوماً من تصريف الأعمال في عهد واحد. هي سابقة في روزنامة العهود الرئاسية اللبنانية. حذّر ميشال عون من “جهنّم” ووصل إليه اللبنانيون. يخرج من القصر معتبراً أنّه زرع أتلام فرصة للأجيال القادمة، ولو أنّه عجز عن تحقيق ما وعد به من إصلاحات. يخرج مُخرجاً معه تجربة “الرئيس القوي” بصلاحيات محدودة آتية من الطائف، هو الطائف الذي لم يُقنعه منذ إبرامه، تشارك مع رعاته اللبنانيين الحكم على مدى 6 سنوات.

“سبوت شوت”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى