“إستروا ما شفتو منّا”… لم يقلها الرئيس؟
منذ اليوم الأول الذي طرح فيه “حزب الله” إسم “الجنرال” ميشال عون مرشحًّا لرئاسة الجمهورية، مرورًا بتسوية “بيت الوسط” الرئاسية، وصولًا إلى “تفاهم معراب”، وتتويجًا بجلسة الإنتخاب، إلى أن وصلنا إلى اليوم الأخير من عهد يتباين اللبنانيون في تقييمه، كتبنا مئات المقالات، قبل الرئاسة وفيها وبالتأكيد بعدها. لم نترك شاردة أو واردة إلاّ وكان لنا فيها رأي أيدّه كثيرون، ولكن في المقابل رأى فيه كثيرون أيضًا أنه يصبّ في خانة الذين حاولوا إضعاف “العهد القوي”.
قبل الرئاسة قلنا إن “الجنرال” ميشال عون، الذي سينتقل من الرابية إلى بعبدا، يحمل على أكتافه أحمالًا ثقيلة: “تفاهم مار مخايل”، “تسوية بيت الوسط الرئاسية”، “تفاهم معراب”، مع ما في هذه التفاهمات والإتفاقات والتسويات من تناقضات كان من السهل على المحللين إستباق توقّع نتائجها، وهي نتائج طبيعية لمسار إنطلق بأخطاء كثيرة. فـ”تفاهم معراب” سقط عندما تضاربت المصالح، وعندما “تكهرب” جو الجلسات الحكومية، التي كانت تُخصّص لملف الكهرباء. فوزراء “القوات اللبنانية” لم يسايروا وزراء رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ووقفوا في وجه ما إعتبروه “مخططات مشبوهة” عندما رفض “الوزراء البرتقاليون” التقيّد بدفتر الشروط، وأصرّوا على إغراق لبنان بالعتمة والديون المتراكمة، وعلى أن يتولوا هم وزارة الطاقة دون غيرهم، وكانوا على إستعداد لتفجير البلد على أن يتخّلوا عن هذه الوزارة، التي كبدّت الخزينة ما يقارب الأربعين مليار دولار خسارة. المهمّ أن “تفاهم معراب” سقط بـ”الضربة الباسيلية” القاضية. ومن هذه السقطة بدأ التدهور.
بعد معراب جاء دور “بيت الوسط”، حيث لم تصمد “التسوية” التي عقدت بين جبران باسيل ونادر الحريري، وكان الهدف منها ظاهريًا إكمال العهد بحكومات لا يترأسها سوى سعد الحريري، ولكن من تحت الطاولة وبالسرّ كان هدفها، كما قيل تلاقي مصالح . وعندما تضاربت المصالح بين الرجلين إنقلب باسيل على رئيس الحكومة من الرابية بالذات عندما إنحاز “الوزير الملك” آنذاك عدنان السيد حسين إلى “المحور الممانع” فسقطت الحكومة بإستقالة أحد عشر وزيرًا منها، في الوقت الذي كان كان فيه الحريري في البيت الأبيض. وهكذا سقطت “تسوية بيت الوسط”. ومعها إستكملت مرحلة الإنهيار.
أمًا “تفاهم مار مخايل”، وعلى رغم ترنّحه لم يسقط بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه لم يعد صالحًا للمرحلة الراهنة، خصوصًا أن “حزب الله” لم يكن راضيًا على “الأداء الرئاسي” في كثير من الملفات. وكانت له أكثر من ملاحظة على السلوك السياسي لباسيل، ولكنه كان “مجبرًا لا بطلًا”، على تحمّل كل ما يبدر منه من تصرّفات، وما يتخذه من مواقف “عدائية”، وذلك خوفًا من أن “يفرط” تحالفه مع “أكبر كتلة نيابية وشعبية مسيحية”، على رغم أن دعمه “الصامت” للرئيس عون لم يكن على حساب وحدة “الثنائي الشيعي”. فالرئيس نبيه بريبالنسبة إلى “حزب الله” أولوية لا تعلو عليه أي أولوية أخرى. ومن هنا كان الخلاف العميق مع جبران باسيل، الذي سبق أن وصف رئيس مجلس النواب بـ”البلطجي”.
ومع أن الرئيس عون وصهره يصبّان جام غضبهما على الرئيس برّي هذه الأيام ويحمّلانه مسؤولية فشل الحكم، فإن الأمين العام السيد حسن نصرالله، وفي كلمته الوداعية للعهد، كانت له مواقف منسجمة مع إلتزاماته الأخلاقية.
ولأن “التلم الرئاسي” بدأ أعوجَ كرّت سبحة “الإعوجاجات” حتى وصلنا إلى “جهنم”. ولأننا كنا نعرف أن هذا الأداء سيوصلنا إلى “جهنم” كتبنا ما كتبناه على مدى ست سنوات. ولن ننتهي من إنتقاد “الأعور بعينه” حتى تستقيم الأمور.
وبدلًا من أن ينهي عهده بكلمة “إستروا ما شفتوا منا”، وهي كلمة تُقال في مثل هكذا مناسبات، وليس فيها إنتقاصًا من كرامة أحد، اصر رئيس الجمهورية حتى اللحظة الأخيرة على تحميل مسؤولية الفشل للاخرين وإرتكاب الأخطاء، وآخرها بدعة توقيع مرسوم قبول إستقالة الحكومة وادخال البلد في جدل دستوري وتسنج لا طائل منه.