طاولة حوار برّي… هل تُطيح بفرنجيّة؟
لن يحصل أيّ خرق في الإستحقاق الرئاسيّ على ما يبدو خلال جلسات الإنتخاب المقبلة، في ظلّ التوزيع النيابيّ الحاليّ، فحتّى الخلافات موجودة داخل الفريق الواحد، ومتعدّدة أحياناً، كما هو الحال لدى “المعارضة”، التي لا تزال وحدها تُقدّم المرشّحين عند كلّ جلسة يدعو إليها الرئيس نبيه برّي، في حين، لم يُطرح بعد أيّ مُرشّح من جهّة تحالف الثامن من آذار. ومن المتوقّع أنّ تبدأ جلسات ماراتونيّة، يوازيها إنعقاد طاولة حوار تجمع كافة الكتل النيابيّة، لتأمين التوافق بعد المرحلة التي ستلي تاريخ 31 تشرين الأوّل، واختيار رئيسٍ توافقيّ جامع، على غرار ما حصل في الدوحة، بعد أحداث 7 أيّار 2008.
وترى أوساط سياسيّة متابعة أنّ التسويّة المقبلة لن يكون إبرامها بهذه السهولة، وربما تكون بصعوبة إنتخاب الرئيس عينها، فكلّ كتلة ستنقل إلى طاولة الحوار طروحاتها ومواصفات الرئيس التي تجدها مناسبة بالنسبة إليها، أيّ أنّ النقاش سيُنقل من مجلس النواب، إلى طاولة مستديرة. وتُضيف أنّه صحيحٌ هناك شبه إجماع حول طرح الرئيس برّي بشأن الحوار، غير أنّ هناك أطرافاً تُعارض كثيراً الدخول في تسويّة مع “حزب الله” و”التيّار الوطنيّ الحرّ”، وتعتبر أنّ أيّ تفاهمٍ جديدٍ معهما، هو عبارة للتجديد لما جرى خلال السنوات الستّ الماضيّة. وتلفت الأوساط إلى أنّ “القوّات اللبنانيّة” رفضت على سبيل المثال إستقبال وفد نواب “التيّار” لمناقشة ورقة تكتّل “لبنان القويّ” الرئاسيّة.
وتُتابع الأوساط أنّه بعد خروج الرئيس ميشال عون من بعبدا، ستدخل البلاد في فراغين، وخصوصاً إنّ لم تتشكّل الحكومة، وربما لن تنعقد طاولة الحوار إذا قاطعها النواب الذين يدعمون ترشيح رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض، إضافة إلى نواب كتلة “التغيير”، فهناك عددٌ وازنٌ منهم من الذين يضعون موضوع “السيادة” على سلّم أولوياتهم، وهناك خشيّة من أنّ يتمّ نقل المواضيع الخلافيّة الدسمة إلى طاولة الحوار، كالسلاح غير الشرعيّ والحياد. وتُشير الأوساط إلى أنّه كما أنّ “القوّات” أو “الكتائب” يُريدان رئيساً “سياديّاً”، هناك “حزب الله” الذي يولي أهميّة لـ”المقاومة”، وقد أصبحت هذه الصفة أساسيّة لأيّ شخصيّة تنوي كتلة “الوفاء للمقاومة” السير بها. من هذا المنطلق، تُشدّد الأوساط على أنّ الحوار يجب أنّ يكون شاملاً، ويتعدّى الشغور في موقع الرئاسة الأولى، ليشمل كافة الخلافات الوطنيّة.
ويقول مراقبون إنّ جلسات الإنتخاب الأربعة الأولى أثبتت أنّه من دون توافق لن يُنتخب أيّ رئيسٍ، ففريق الثامن من آذار يعتبر مرشّحي خصومه السياسيين أنّهم تحديّين، وهذا ما يراه أيضاً نواب “الإعتدال الوطنيّ”، لذا، يتوجب التحاور لاختيار مرشّح قادرٍ على جمع أكبر عدد من اللبنانيين، ويستطيع أنّ يتعاون مع رئيس حكومته ووزرائه لمعالجة الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة. ويُشير المراقبون إلى أنّ أيّ فريق ليس قادراً على إيصال مرشّحه إلى بعبدا، وقد انخفض عدد الأصوات التي نالها ميشال معوّض يوم الإثنين الماضي، بينما كذلك، بدأ نواب من “التغيير” يخرجون من تكتّلهم، وقد هبطت أصوات مرشّح نواب “الثورة” إلى 10، ولم يتوصّلوا إلى إتّفاقٍ مع نواب صيدا – جزين حتّى الآن، ولا مع نواب سنّة الشمال وحلفائهم.
ويرى مراقبون أنّ الخرق في موضوع الرئاسة لم يحصل، وقد بقيت الأوراق البيضاء الأكثريّة عند كلّ جلسة إنتخاب، وتطيير النصاب في الدورة الثانيّة سيّد الموقف، لاعتقاد “حزب الله” أنّ الحلّ لم ينضج بعد، ومن يُسمّون أنفسهم بـ”المعارضة” لن يستطيعوا إنتخاب رئيسهم بمفردهم. ويقول المراقبون إنّ رسالة “الثنائيّ الشيعيّ” أصبحت واضحة للداخل والخارج، أنّه بالحوار فقط يُمكن إنتخاب رئيس الجمهوريّة. ويُتابعون أنّ كلّ كتلة أوصلت رسالتها للفريق المقابل والحلفاء، بأنّها تُشكّل “بيضة قبان” في العمليّة الإنتخابيّة، وأنّ باستطاعة بعض التكتلات النيابيّة عرقلة نصاب الثلثين. في المقابل، يُشير المراقبون إلى أنّ “عرض العضلات” في كلّ جلسة إنتخاب لن يحلّ الأزمة، وإنّما سيُدخل البلاد في فراغٍ، وعدم المشاركة في طاولة الحوار سيُعزّز هذا الأمر.
وفي هذا السيّاق، يلفت مراقبون إلى أنّه نتيجة الحوار، سيتمّ إقصاء أقوى المرشّحين، وفي مقدّمتهم ميشال معوّض، إضافة إلى رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، إذا كانت هناك نيّة فعليّة للتوافق، فالأخير يلقى معارضة مسيحيّة، فيما يحظى بدعم من كتل نيابيّة، من كلا فريقيّ الثامن و14 آذار، وتبقى حظوظه أكبر بحسب المراقبين، إنّ كانت التسويّة تشمل نواب “الثنائيّ الشيعيّ” وكتلة “الإعتدال الوطنيّ” وبعض المستقليّن.
وتُشير أوساط سياسيّة إلى أنّ الهدف من الدعوة للحوار هو البحث عن أسماء وسطيّة، وقد عكست تصريحات النائب حسن فضل الله رفض “حزب الله” المرشّحين الذين يُشكّلون تحديّاً لأيّ فريقٍ، وعليه، فإنّ إسم فرنجيّة سيُصبح إلى حدٍّ كبيرٍ خارج التداول، وخصوصاً بعد فرملة الإتّصالات بين الضاحية الجنوبيّة والمختارة، وقيام نواب “اللقاء الديمقراطيّ” بتسميّة معوّض، وعدم رغبة رئيس “الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل بالتصويت لفرنجيّة، لأسباب لها علاقة بالتمثيل النيابيّ والتعيينات الإداريّة. وتختم الأوساط قولها إنّ “الثنائيّ الشيعيّ” يُدرك أنّ الشغور في بعبدا بالنسبة إليه أفضل من إنتخاب رئيس تحديٍّ، لذا، يُعطي أهميّة كبيرة للحوار للخروج من المراوحة السياسيّة، وانتخاب رئيسٍ وسطيٍّ من خارج الإصطفافات السياسيّة.