محليات

ظاهرة إيرانية على أرض لبنان

كتب فاروق يوسف في العرب اللندنية:

لا تختلف دولة حزب الله المقامة على جزء من بيروت عن دولة الخلافة التي أقامها أبوبكر البغدادي في شيء.

الذهاب إلى الجوهر في هذه الحالة هو الأهم، وما المظاهر المؤقتة إلا نوع من الخداع البصري. إقامة دولة دينية هي الأساس. أما طريقة التنفيذ وأسلوبه فإنهما لا يشكلان فرقا كبيرا. فقطع الرؤوس مثلا لدى تنظيم داعش قابله القتل المجاني الذي مارسه الحزب في سوريا.

كانت دولة الخلافة قد أقيمت على عجل على أراض تابعة لدولتين هما العراق وسوريا وهو ما أفقدها شرعية صورية تتمتع بها دولة الحزب لأنها أقيمت على أرض لبنانية واستغرق إنشاؤها سنوات طويلة. ومع ذلك فإن الحزب لو أعلن عن قيام دولته مثلما فعل تنظيم داعش لكان مصير تلك الدولة الزوال مثلما حدث لدولة الخلافة غير أن نصرالله ليس كالبغدادي.

لقد أقام البغدادي دولة غبية، يعرف أن الجغرافيا لن تسمح بقيامها. كان يجب أن يعرف أن خرائط جديدة في المنطقة لا يمكن أن تُرسم إلا إذا قررت الولايات المتحدة ذلك. لذلك كان تدمير دولته حتميا. أما دولة حسن نصرالله فإنها تقع ضمن حدود دولة مستقلة معترف بسيادتها على أراضيها دوليا. وهو ما يعني أن من اختصاص تلك الدولة أن تعالج بنفسها مشكلة قيام دولة على أراضيها. لا يستدعي ذلك الأمر تدخلا دوليا. أما أن تكون تلك الدولة ضعيفة وغير قادرة على معالجة مشكلاتها الداخلية فتلك مسألة لا تدخل ضمن اختصاصات المؤسسات الدولية التي تُعنى بالسلام والأمن الدوليين.

هل أعلن أحد أنه يقف ضد إقامة دولة دينية على جزء من التراب اللبناني؟ حتى بعد انفجار بيروت فإن عقدة تلك الدولة لم تُطرح سببا في التباس الوضع اللبناني وبالأخص على المستوى القضائي. كان كل شيء مهيّئا للبحث في تفاصيل الوضع الداخلي اللبناني. كم كان ضروريا بالنسبة إلى اللبنانيين لو أن جهات دولية وقفت معهم. فهم يدركون أن مشكلتهم ليست داخلية بعد أن فتحت دولة حزب الله أبواب لبنان لإيران ووضعته على الجبهة التي تحارب إيران من خلالها العالم. كان من الممكن يومها ألاّ يكتفي ماكرون بلقاء ممثلي سلطة الفساد من غير أن يلتفت إلى القوة التي يحتمي بها فساد السلطة.

وهنا يكمن فرق أساسي بين دولتي البغدادي ونصرالله. فالأخيرة لا تدافع عن المذهب فقط وهي ليست معنية بالشريعة وملحقاتها كما أنها ليست دولة دعوة أو تبشير، بل هي دولة احتلال بعد أن تفك ارتباطها بلبنان التاريخي. يذكّر وضع تلك الدولة بما كان عليه الوضع يوم أعلن سعد حداد عن قيام دولة لبنان الحر ما بين عامي 1979 و1984. غير أن دولة نصرالله لن تطلب اعتراف العالم الخارجي بها فهي تكتفي بالاعتراف الإيراني.

وإذا ما كانت دولة حزب الله غير قابلة جغرافيا للتمدد فإن ما يمكنها القيام به يقع خارج ما نعرفه عن الجغرافيا التقليدية. لقد انتمى إليها مسيحيون منتفعون وكان الرئيس ميشال عون وتياره في مقدمة أولئك المنتفعين. ما كان لعون أن يكون رئيسا لولا حزب الله.

لذلك يمكن القول إن دولة حزب الله الدينية لن تنتهي بالطريقة التي انتهت بها دولة داعش، الدينية هي الأخرى. فالعالم لا يراها لأنها ظاهرة لبنانية ولأن العالم بسبب مصالحه المتشابكة لا يرغب في أن ينظر إليها باعتبارها ظاهرة إيرانية. والعالم ليس بريئا في ذلك. فهو لا يزال يتعامل مع إيران بوجهين. وجه متشدد في الاتفاق النووي ووجه آخر ينظر إلى مشاريع إيران في التوسع على حساب جيرانها بتسامح.

غير أن سقوط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية وهو ما صار الشباب اللبناني على بينة من أنه الحل لكل أزمات لبنان، لا بد أن ينهي حظوظ إيران في التمدد من خلال دولة لا يمكن أن ترى النور إلا في ظل تجاذب سياسي طائفي. فإيران لا يمكن أن تجد ثغرة تنفذ من خلالها إلى بلد إلا إذا كان ذلك البلد يعيش وضعا اجتماعيا مضطربا تشعر فيه الطوائف بالخوف، بعضها من البعض الآخر.

ذلك سر نجاحها في لبنان والعراق واليمن وفشل محاولاتها في دول أخرى يشكل أتباع المد المذهبي فيها جزءا من التركيبة السكانية.

دولة حزب الله ظاهرة إيرانية لا يمكن أن تزول إلا إذا عالج المجتمع أمراض نظامه الطائفي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى