إقتصاد

السعر الرسمي للدولار من صلاحية مجلس النواب أم الحكومة؟

بعد أيام من إقرار قانون موازنة عام 2022 أعلن وزير المال يوسف الخليل عن تعديل سعر صرف الدولار الأميركي من 1,500 ليرة للدولار الواحد إلى 15,000 ليرة، أي بمعدّل عشر أضعاف، وتلاه تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تعديل تدريجي لسعر الصرف الرسمي.

ولكن البعض رأى أن إعلان وزير المال تعديل سعر الصرف خارج عن صلاحيته، علماً بأن الفقرة الرابعة من أحكام المادة 229 من قانون النقد والتسليف، أوجدت مبدأً قانونياً هو وجوب ألا يؤدّي تطبيق معدّل التحويل الجديد الى أي زيادة على الضرائب والرسوم المستوفاة عن مبالغ محرّرة بالعملات الأجنبية، وأوجبت على وزير المال أن يحدّد بقرارات، الطرق الكفيلة بتأمين هذا المبدأ، ليصلوا الى نتيجة أنه يمكن الطعن بهذا القرار لوقف تنفيذه وإبطاله أمام مجلس شورى الدولة.

وكان لتصريحَي وزير المال والرئيس ميقاتي عن الاتجاه نحو تعديل سعر الصرف الرسمي انعكاسات وردود فعل رافضة وممتعضة من ذلك. والسؤال الذي طُرح هو: لماذا لم يُطرح ذلك ضمن الموازنة؟ خصوصاً أن لهذا الإجراء انعكاسات ضريبية كبيرة على المواطن، وسيؤدّي الى تحصيل إيرادات مهمّة وأساسيّة كان من المفروض إضافتها مع البنود الضريبيّة للموازنة، ثم من يحدّد سعر الصرف الرسمي وعلى أيّ أسس قانونيّة يُعتمد هذا الأمر سواء من قبل الحكومة أو وزير المال أو المصرف المركزي؟ وما هو دور المجلس النيابي في تحديد سعر الصرف الرسمي؟

الخبير في الشؤون المالية والضريبية جمال القعقور أوضح في تصريح لـ”النهار” تفاصيل الأسس القانونيّة لتحديد سعر الصرف الرسمي، فأشار الى أنّه بعد أيّام عدة من إقرار قانون موازنة عام 2022 أعلن وزير المال تعديل سعر الصرف الرسمي من 1,500 ليرة للدولار الواحد إلى 15,000 ليرة، أي بمعدل عشرة أضعاف، وتلاه تأكيد دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ الحكومة ستعمل على تعديل تدريجي لسعر الصرف الرسمي (وذلك دون الإشارة إلى أي سند قانوني). ويشير القعقور إلى أنّ هذا الإجراء إن حصل، فسيشكل مخالفة قانونيّة للمادتين 81 و82 من الدستور ال#لبناني اللتين تنصّان على أنّ فرض وتعديل وإلغاء الضرائب يتم فقط عبر قوانين تصدر بموافقة مجلس النواب. وبسبب وجود ترابط بين السعر الرسمي وقيمة الرسوم والضرائب بالعملة الأجنبية وخاصّة ضريبة القيمة المضافة (المرسوم 7308 الذي ينص على أنه “إن كان ثمن الخدمة أو المال محدداً بعملة أجنبية، ومن أجل احتساب الضريبة، على الخاضع للضريبة أن يحوّل هذا المبلغ إلى الليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي”) فإن الحكومة ستقدم على مخالفة واضحة للدستور، إضافة إلى مخالفة قانونيّة أخرى قامت بها الحكومة عندما أعلنت عن عملية تعديل سعر الصرف الرسمي بعد أيام من إقرار الموازنة، وهي تعلم وجود تداعيات كبيرة وتعديل في قيم الرسوم والضرائب وأهمّها الضريبة المضافة التي ستقر عملياً من الحكومة من خارج الموازنة في حال تطبيق سعر الصرف الجديد، وهذه “قوطبة” من الحكومة على المجلس النيابي.

وفيما تبرّر بعض الجهات تدخل مصرف لبنان أو الحكومة في تحديد سعر الصرف الرسمي استناداً إلى ما نصّ عليه قانون النقد والتسليف، أكد القعقور “أن المادة 2 من هذا القانون تشير إلى أن القانون يحدّد قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص”، اي إن تحديد قيمة الليرة يتمّ عبر قانون لا عبر مرسوم أو قرار من المصرف المركزي، والمادة 10 من قانون النقد تشير إلى “أنّ إصدار النقد امتياز للدولة دون سواها. ويمكن أن تمنح الدولة هذا الامتياز لمصرف مركزي تنشئه”، كما أشارت المادة 47 إلى: “يمنح مصرف لبنان دون سواه امتياز إصدار النقد المنصوص عليه بالمادة 10″، لذا يؤكد القعقور أنّ امتياز إصدار النقد لا يعني بتاتاً تحديد سعر النقد، وتالياً لا صلاحية للمصرف المركزي في تحديد سعر الصرف.

موضوع آخر حذّر منه القعقور يتعلّق بـ”تحديد سعر الدولار الجمركي” الذي أقرّه المجلس النيابي في الموازنة على سعر 15,000 ليرة للدولار، وبالتالي على مجلس النواب مراقبة تطبيق هذا السعر الجديد المفروض فقط على الرسم الجمركي دون الضريبة على القيمة المضافة والتي يجب حسابها من قبل الجمارك على السعر الرسمي أي 1,500 ليرة للدولار، تطبيقاً للمرسوم 7308 الصادر بتاريخ 28/01/2002 المشار إليه أعلاه.

 

وعن حق الحكومة في التشريع الجمركي، لفت القعقور إلى ما ورد في موازنة عام 2022 حيث استعاد المجلس النيابي دوره لجهة تحديد سعر الدولار الجمركي، وتالياً المطلوب من المجلس النيابي إلغاء القانون رقم 93 تاريخ 10/10/2018 الذي يمنح الحكومة صلاحية التشريع الجمركي وخاصة لجهة تحديد سعر الدولار الجمركي. وهذا أمر طبيعي بسبب الظروف النقدية والاقتصاديّة الصعبة التي تمر بها البلاد، حيث يتطلب الأمر مركزية الإشراف من قبل المجلس النيابي على الإجراءات النقدية والضريبية والجمركيّة التي ستعتمد.

وأخيراً طالب القعقور المجلس النيابي بممارسة صلاحياته لتحديد سعر الصرف الرسمي بمجلس النواب حيث يجب إصدار قانون حول الموضوع يراعي عدالة الضريبة المرتبطة بالسعر الرسمي للعملات الأجنبية، وأيضاً من غير العدل والمنطق حصول الخزينة على إيرادات كبيرة من خارج الموازنة في حال إقرار سعر صرف جديد، دون إعطاء الموظف في القطاع العام حقوقه الطبيعيّة نتيجة هذا الدخل الإضافي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى