١٠ أيام مفصلية… ماذا سيحصل؟
ثمة من بدأ يطرح السؤال: هل فات الأوان على القيام بشيء، وبات حتمياً الذهاب إلى المجهول السياسي والدستوري، في الأيام القليلة الباقية من عهد الرئيس ميشال عون؟
دستورياً، دخل البلد في الأيام الحاسمة. فالمجلس النيابي يصبح اليوم هيئة ناخبة، ولا يحق له القيام بأي عمل آخر، سواء لجهة التشريع أو منح أي حكومة جديدة ثقته.يعني ذلك أنّ أي محاولة لتجديد الحكومة أو ترميمها أو تعديلها لن تكون مجدية، من الناحية الدستورية، لتجنّب المأزق المتوقع بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الجاري، لأنّ الحكومة في أي حال ستبقى منقوصة المواصفات الدستورية. وهذا ما سيدفع إلى حال الفوضى الدستورية التي تخوف منها كثيرون.
إذاً، فرصة تشكيل حكومة جديدة تتكفل بالإنقاذ من المجهول طارت عملياً. وكان يوم أمس هو الموعد الأخير لتجنّب المجهول، بالتوافق وإصدار مراسيم التأليف خلال ساعات قليلة، ما يعني أيضاً إعداد بيان وزاري بسرعة الضوء ومسارعة المجلس إلى الانعقاد فوراً لمنحها الثقة. وهذا الأمر مستحيل حصوله.
ولكن، ما زال ممكناً القيام بنصف خطوة في هذا الاتجاه، خلال الأيام العشرة الباقية من ولاية عون، شرط التقاء المصالح ونجاح الضغوط لتأليف حكومة. وهذه الخطوة تتمثل بإصدار المراسيم الخاصة بالحكومة الجديدة، فتصبح هي حكومة تصريف الأعمال. وبعد انتهاء الولاية وبدء الشغور، يلتئم المجلس النيابي ويمنحها ثقته. وعندئذ، يمكنها أن تتولّى صلاحيات الرئاسة بالوكالة، من دون إشكالات دستورية.
ولكن، إذا لم يتمّ إنجاز أي خطوة خلال الفترة القصيرة الباقية من العهد، فسيعني ذلك الدخول في المجهول.
فكل من الطرفين المنخرطين في الصراع السياسي، عون وتحالف بري- ميقاتي، يستخدم عامل الوقت لفرض خياراته. أي هو يراهن على تحقيق شيء ما في الأيام والساعات الأخيرة قبل 31 تشرين. ويقوم كل طرف بإجراء حسابات دقيقة، ويسأل: هل يكون عامل الوقت في مصلحتنا أم ضدنا؟
فالرئيس ميقاتي يعتقد أنّ التأخّر في تشكيل حكومة جديدة أو في تعديل الحكومة الحالية حتى اللحظة الأخيرة من العهد سيقلّص هامش المناورة التي يتمتع بها عون وباسيل، لأنّهما سيصبحان تحت ضغط الوقت، ويكونان مستعدين للقبول بخيارات يرفضانها اليوم.
وفي المقابل، يعتقد عون أنّ حدود المناورة عند ميقاتي لا بدّ أن تنتهي عنده هو، وأنّ أي حكومة جديدة لن ترى النور إلّا إذا حملت توقيعه حصراً، وإلّا فلتكن الفوضى.
وعند هذه النقطة تحديداً يتوقف كثيرون، ويعتبرون أنّ الرئيس ربما لا يمانع في بلوغ الفوضى الدستورية، إذا لم ينجح في فرض الحكومة التي يريدها، لأنّ هذه الفوضى قد تسمح له بأن يبقى فاعلاً سياسياً ودستورياً بعد انتهاء ولايته. وأما تشكيل الحكومة الجديدة على عجل، ومن دون تمثيله فيها بشكل قوي، سيؤدي إلى إضعافه سياسياً وإنهاء دوره دستورياً.
وفق هذه المقاربة، إذا تُركت اللعبة من دون تدخّلات محلية أو خارجية تفرض الحلول على الجميع، فسيكون هناك المزيد من العناد المتبادل والفوضى. ولكن، هل تسمح المناخات السياسية العامة والمصالح بهذه الفوضى؟
يصعب القبول بذلك. فلبنان مقبل على اتفاق ترسيم للحدود مع إسرائيل، والأميركيون والفرنسيون ينخرطون فيه بقوة، لأنّ مصالحهم تقتضي ذلك. وهذا الاتفاق جرى تدبير إنجازه في الأيام الأخيرة قبل انتهاء ولاية عون والانتخابات التشريعية في إسرائيل. ولن تفوّت القوى المعنية هذه الفرصة بسبب عناد سياسي «بلدي» من هنا أو هناك.
في الموازاة، «حزب الله» الطرف الداخلي الأكثر تأثيراً، وحليف المحورين المتصارعين، يجد مصلحة في هذا الاتفاق. وهو يعلن حماسته له بصراحة. ولذلك، سيبذل كل جهد لتوفير المرتكزات الداخلية المناسبة لتسهيله، من خلال وجود مؤسسات دستورية كاملة المواصفات تتولّى إدارته وتنفيذه.
هاتان القوتان المسهلتان لاتفاق الترسيم والغاز، دولياً ومحلياً، على الأرجح ستفرضان صيغة تسووية وتمنعان الفوضى. فتكتمل عناصر تشكيل الحكومة برضى الجميع، وبحفظ مواقعهم في المرحلة المقبلة. وهذا هو الخيار الأسلم. فلا أحد قادر على تحمّل تبعات الفوضى، لا في الداخل ولا في الخارج.
ولكن، تجدر قراءة المسألة من زاوية أخرى. فإذا حصلت الفوضى الدستورية والسياسية، بما يمكن أن يتخلّلها من إرباكات مالية ونقدية إضافية، وتوترات اجتماعية وربما طائفية ومذهبية، فقد يجد الجميع أنفسهم أمام حال من العجز، ويندفعون إلى إبرام اتفاقات وطنية جديدة. فهل كان الحراك السويسري جزءاً من تصوُّر في هذا الاتجاه؟ وإذا كان كذلك، فهل سيُعاود الطرح بطريقة أخرى؟