التوقيت الشتويّ في لبنان… توفير طاقة في بلد “اللاطاقة”
“قدموا الساعة ساعة، وأخروا الساعة ساعة”، العملية الأولى تسمّى “التوقيت الصيفي”، والثانية تسمّى “التوقيت الشتوي”، والذي نحن بصدده منتصف ليل 29 – 30 تشرين الاول الجاري، وفق مذكرة صادرة عن مجلس الوزراء تتعلّق بانتهاء العمل بالتوقيت الصيفي.
اعتدنا في لبنان منذ سنوات طوال على تعديل الساعة مرّتين كلّ عام، والقليل منّا يدرك السبب وراء تغيير التوقيت وفوائده، وما إذا كان يحمل أيّ أضرار!
هذا الإجراء يعرف بأنّه تغيير التوقيت الرسمي في البلاد مرَّتين سنوياً ولمدة عدة أشهر من كل سنة، يبدأ التوقيت الصيفي بإعادة ضبط الساعات الرسمية في بداية الربيع، فتقدَّم عقارب الساعة ستين دقيقة، فيما يكون الرجوع إلى التوقيت الشتوي في موسم الخريف بتأخير الساعة 60 دقيقة.
وفق المعلومات العلمية، تنبع ظاهرة ازدياد ساعات النهار في موسمي الربيع والصيف وتقلُّصها في الخريف والشتاء من ميل محور دوران الكرة الأرضية بنسبة 23.4 درجة مقارنة بمستوى مساره حول الشمس، ويكبر الفرق بين طول النَّهار في الصيف وطوله في الشتاء تدريجياً بتلاؤم مع بعد الموقع عن خط الاستواء، حيث يلاحظ ازدياد ساعات النهار بالبلاد الاستوائية بالكاد فلا تكون بحاجةٍ للتوقيت الصيفي، فيما تزداد فائدته مع الابتعاد عن الخط.
أصل فكرة تغيير التوقيت
كان الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين، أول من طرح فكرة تغيير التوقيت الشتوي والصيفي في العام 1784، ولكن لم تبد الفكرة جديةً إلا في بداية القرن العشرين، حين طرحَهَا من جديد عامل بريطاني يدعى وليام ويلت، وبذَلَ جهوداً في ترويجها، وانتهت جهوده بمشروع قانون ناقشه البرلمان البريطاني في العام 1909 ورفضه.
لاحقا، تحقَقت فكرة تغيير التوقيت بين الشتوي والصيفي لأول مرة أثناء الحرب العالمية الأولى، حين أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على ايجاد وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة، فكانت ألمانيا أول بلد أعلن التوقيت الصيفي، وتبعتها بريطانيا بعد فترة قصيرة.
ولم يطُل الوقت كثيراً حتى تبعتهما الدول الأوروبية الأخرى خلال أزمة النفط في السبعينيات من القرن الماضي في محاولة لتوفير الطاقة
ومنذ العام 1996، أصبحت كل دول الاتحاد الأوروبي تغير توقيتها بين الشتاء والصيف بصورة متزامنة. من بعدها تبعت الولايات المتحدة الأوروبيين في تغيير التوقيت في العام 1918.
فوائد إقتصادية
المقصود بعملية تغيير الوقت، هو الاستفادة بأقصى ما يمكن من ساعات النهار خلال فصلي الصيف والشتاء، إضافة إلى توفير الطاقة وترشيدها، وبالتالي فهو إجراء خال من الأضرار.
وتندرج الفائدة الاقتصادية من خلال التبكير في أوقات العمل والفعاليات العامة الأخرى، لكي تنال وقتا أكثر أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجياً منذ بداية الربيع حتى ذروة الصيف، ثم تبدأ بالتراجع حتى ذروة الشتاء.
و في لبنان، لهذه الخطوة تأثير إيجابي في الإنتاج الفردي أو الاقتصاد الكلّي، أهمها:
– يقلل من تكلفة الكهرباء في الصباح الباكر، ما يسمح للناس بالاستيقاظ من النوم بعد شروق الشمس، ولن يكون هناك حاجة لتشغيل الأضواء.
– يوفر التوقيت الشتوي في لبنان على الناس كلفة استخدام وسائل التدفئة، حيث عندما تشرق الشمس ترتفع درجات الحرارة بشكل تلقائي لتخفف من شدة برودة الطقس.
– يقلل التوقيت الشتوي في لبنان من حوادث السير، حيث يعطي وقتاً أكثر للصقيع على الطرقات أن يذوب تحت أشعة الشمس.
– يساهم التوقيت الشتوي في لبنان في تعزيز الطاقة الإنتاجية للأفراد، بحيث عند الذهاب إلى مكان ما والشمس مشرقة يختلف عن الذهاب في الظلام.
عكّوش: حاجتنا في لبنان
إلى هذه العملية أكبر اليوم
المزيد من الفوائد عرضها لـ”الديار” الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكّوش، الذي لفت بداية إلى أنّ فكرة التوقيت الصيفي والشتوي قديمة، وأنّ أول من تحدث عنها عالم الفلك البريطاني جورج هدسون ( George Hudson ) سنة 1895، وأوّل من طبّقها من الدول ألمانيا والنمسا في ربيع عام 1916، وكان الهدف الأساسي منها هو توفير الطاقة، ولاحقا تغيّرت المعرفة وأصبح لدينا إقتصاد صناعي، وتطوّرت المصانع وأصبحت الحاجة لهذه الخطوة أكبر، وخاصة في الدول التي يكون الفارق الزمني فيها بين الفجر والغروب ضيقا، بمعنى كلّما تقلّص الفترة النهارية كلّما صارت الحاجة إلى تعديل التوقيت أكبر.
واشار الى أنّ الفجر أو الشروق يبدأ في لبنان اليوم تقريبا بحدود الساعة 7:00، موضحا أنّه في حال استمرّ الدوام على الشكل الحالي وفي ظلّ أزمة طاقة، واعتماد الكثير من المصانع والشركات والمدارس والبيوت على الطاقة الشمسية، فهذا سيزيد من تكلفة الطاقة في هذه الأماكن، ولأجل ذلك كانت الدول تعمد الى تأخير الساعة مع بداية الشتاء وتقديمها مع بداية الصيف، وبالنسبة لتأخيرها فهذا كي تبدأ الدوامات سواء بالقطاع الرسمي أو الخاص مع طلوع الشمس، وبالتالي لن تكون هذه المؤسسات والشركات والمصانع بحاجة إلى الإنارة، ما سيساعد في عملية تخفيض كلفة الطاقة بهذه الدول.
وتابع: أنّ حاجتنا في لبنان إلى هذه العملية أكبر، لأنّ الكثير من مؤسساتنا اليوم تعتمد على الطاقة الشمسيّة بشكل كبير جدا، وعملية تأخير الساعة تساعدها على تخفيض الكلفة التي تتكبّدها من خلال تشغيل مولدات الكهرباء، فتنتظر شروق الشمس كي تبدأ الإستهلاك من الطاقة الشمسية.
يشار إلى أنّ العديد من البلدان ألغت اعتماد التوقيت الشتوي فيها وآخرها سوريا، ومعظم البلدان يعتمد التوقيت الصيفي دائماً بسبب عدم وجود أي تأثير في شروق الشمس وغروبها، وهذا ما دفع معظم دول الخليج الى إلغاء التوقيت الشتوي سابقا.