تقرير لرويترز يكشف دور حزب الله في اتفاق ترسيم الحدود البحرية
قبل موافقة الحكومة اللبنانية على اتفاق تم التوصل إليه بوساطة أمريكية لتسوية نزاع على الحدود البحرية بدأ قبل عشرات السنين مع إسرائيل، كان حزب الله قد راجع المسودة النهائية بدقة وأعطى إشارة القبول.
ومن المؤكد أن حزب الله المدعوم من إيران، الذي وصفته واشنطن بأنه جماعة إرهابية وعدو لدود لإسرائيل، لم يكن قريبا من قاعة المفاوضات خلال حركة الدبلوماسية المكوكية الأمريكية التي أبرمت الاتفاق التاريخي الأسبوع الماضي.
ولكن مسؤولين على اطلاع بتفكير حزب الله ومسؤول لبناني كبير ومصدر غربي مطلع على العملية قالوا إنه وراء الكواليس، كانت الجماعة التي تمتلك ترسانة ضخمة من السلاح تدقق بالتفاصيل وعبرت عن رأيها حتى مع تهديدها بالعمل العسكري إذا لم يتم تأمين مصالح لبنان، .
ويمثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية، الذي وصفته الأطراف الثلاثة بأنه إنجاز تاريخي، ابتعادا دبلوماسيا عن حرب وعداء على مدى عقود بالإضافة إلى أنه سيفتح الباب أمام التنقيب البحري عن الطاقة.
ويقول مراقبون إن الاتفاق كان أكثر أهمية بالنسبة للواقعية التي أظهرها حزب الله، مشيرين إلى تحول الأولويات لمجموعة شكلها الحرس الثوري الإيراني قبل أربعة عقود لمحاربة إسرائيل.
وقال أحد المصادر المطلعة على تفكير حزب الله لرويترز ان “قيادة حزب الله دققت بالتفاهم سطرا سطرا قبل اعطاء الموافقة عليه”.
وبعد قضاء معظم العقد الماضي في نشر المقاتلين والخبرة العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لمساعدة حلفاء إيران، ولا سيما الرئيس السوري بشار الأسد ، ينصب تركيز حزب الله اليوم بشكل مباشر على لبنان – البلد الذي يمر بأزمة عميقة.
ويرى حزب الله، وهو أكثر انخراطا من أي وقت مضى في شؤون الدولة، أن استغلال النفط والغاز البحري هو السبيل الوحيد للبنان للخروج من الانهيار المالي المدمر الذي أصاب جميع اللبنانيين بشدة، بما في ذلك جمهوره الشيعي الكبير.
ورغم إعلان حزب الله مرارا أنه لا يخشى الحرب مع اسرائيل إلا أنه يقول انه لا يسعى الى الدخول في حرب مع عدو لدود قام بغزو لبنان في عامي 1978 و1982.
واستغرقت إعادة إعمار لبنان سنوات عدة جراء الحرب الاخيرة في عام 2006. وساهمت بعض دول الخليج بالمساعدة على اعادة قرى وبلدات تدمرت بالكامل ولكن تلك الدول أصبحت تتجنب الان مساعدة بيروت بسبب نفوذ حزب الله.
وعلى الرغم من أن دعم طهران ما زال قويا فقد أدت العقوبات الغربية إلى تقليص حجم الأموال التي يمكن أن ترسلها إيران الى حزب الله.
“الخراب” أو الواقعية
سيشكل اكتشاف الطاقة، رغم أنه ليس كافيا بمفرده لحل مشاكل لبنان الاقتصادية العميقة، نعمة كبيرة مع توفيره العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها وربما في يوم من الأيام يخفف من انقطاع التيار الكهربائي.
وقال نائبان من حزب الله لرويترز إن الجماعة منفتحة على فكرة الصفقة كمسار لتخفيف بعض المشاكل الاقتصادية في لبنان.
وقال سامي عطا الله، المدير المؤسس للمركز اللبناني للدراسات السياسية، “كان عليهم التعامل معها بطريقة عملية وليس أيديولوجية”، واصفا دور حزب الله بأنه حاسم.
وأضاف “كانوا يعلمون أن لديهم القدرة على إحداث الفوضى إذا أرادوا ذلك – لكن ذلك كان سيأتي بتكلفة باهظة”.
وقال المسؤول اللبناني والمصدر الغربي المطلع على العملية إن اللواء عباس إبراهيم المسؤول الأمني اللبناني الكبير الذي التقى أيضا بالمبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين مرات عدة أبلغ قيادة حزب الله بالمقترحات الأمريكية .
وقال المصدر الغربي إن حزب الله نقل في وقت ما إحباطه من بطء وتيرة المحادثات إلى هوكشتاين عبر إبراهيم.
وردا على سؤال حول دور حزب الله قال رئيس وحدة الاعلام في حزب الله محمد عفيف إن الدولة خاضت المفاوضات “ونحن وقفنا خلفها”. وقال “أما نحن فكنا معنيين بحصول لبنان على حقه في ثرواته”.
ولم يتسن لرويترز الوصول إلى مكتب إبراهيم على الفور للتعليق. ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على الفور على أسئلة بالبريد الإلكتروني بشأن اتصالات هوكشتاين بإبراهيم.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن المفاوضات أجريت مع القيادة السيادية للبنان ولم تشمل محادثات مع حزب الله.
وتزايدت الحاجة الملحة لمهمة هوكشتاين في يونيو حزيران عندما وصل حفار غاز إسرائيلي إلى البحر للتنقيب في حقل كاريش – والذي يقع الجزء الشمالي منه في المياه التي يقول لبنان أنها تقع في منطقته الاقتصادية الخالصة.
وفي الثاني من يوليو تموز، أرسل حزب الله ثلاث طائرات مسيرة غير مسلحة فوق حقل كاريش. واعترض الجيش الإسرائيلي الطائرات.
وقال حزب الله أنه استعراض للقوة، وعزا حلفاؤه في لبنان الفضل إلى الموقف العسكري للجماعة في انتزاع التنازلات من إسرائيل وهو ادعاء نفته إسرائيل تماما.
وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن حزب الله كاد “يقضي على الاتفاق بخطاباته الاستفزازية وأفعاله التي تهدد الحرب”. “لا يمكن لأي حزب ولا ينبغي أن يدعي النصر”.
السلام لا يزال بعيدا
أعطى حزب الله الضوء الأخضر لتفاصيل مثيرة للجدل. وشمل ذلك إشارة ضمنية إلى الترتيبات التي ستؤدي إلى حصول إسرائيل على حصة من عائدات حقل قانا، الذي اعتبره لبنان بالكامل في مياهه، لكن إسرائيل قالت إنها جزء منه.
وقال السياسي جبران باسيل، الذي تابع المحادثات عن كثب، لرويترز إن الحل الدبلوماسي يتطلب من شركة توتال إنرجي الفرنسية، التي من المقرر أن تقوم بالتنقيب نيابة عن لبنان، إبرام صفقة منفصلة مع إسرائيل تحصل بموجبها على جزء من العائدات ، متجاوزة أي مشاركة لبنانية.
وقال متحدث من شركة توتال انيرجيز إنه ليس لديهم تعليق.
وقال مصدران دبلوماسيان فرنسيان إن مسؤولين فرنسيين التقوا بممثلي حزب الله بشأن الاتفاق الشامل.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن فرنسا ساهمت بفاعلية في الاتفاق “لا سيما من خلال نقل الرسائل بين الاطراف المختلفة بالتنسيق مع الوسيط الامريكي”
وعلى الرغم من تضافر جميع الاطراف للتوصل لهذا الاتفاق إلا أن السلام لا يزال بعيد المنال بين الدولتين المتنازعتين حول العديد من القضايا، ومع نفوذ حزب الله المترسخ بعمق في بيروت.
ولكن بعد مرور أكثر من 16 عاما على الحرب الأخيرة، يمكن للفوائد التي يتم جنيها من أي إنتاج للغاز أن تساعد في درء الحرب. وقال مصدر مطلع على تفكير حزب الله “بمجرد وصول الأنابيب إلى الماء، تصبح الحرب بعيدة”.
المصدر :رويترز