بو صعب: إسرائيل دولة عدوة ومغتصبة نعم لكننا…
وصلت مفاوضات ترسيمِ الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أمريكية إلى خواتيمها، بعد سنوات من المباحثات المتعثرة والعراقيل، ومن المفترض أن يبصر الاتفاق النور قريبا، خاصة بعد إعلانِ الرئاسة اللبنانية قبل أيام أن الصيغةَ النهائية لمسودة الترسيم “مرضية” بالنسبة لبيروت، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الاتفاق بـ “التاريخي”، ووسط ترحيبِ الوسيط الامريكي وترقب من قبل حزب الله العدو اللدود لإسرائيل حتى حصول التوقيع في الناقورة.
وفي وقت يخطف فيه هذا الملف الأنظار، كان لـ “يورونيوز” هذا اللقاء الخاص مع نائب رئيس مجلس النواب وكبير المفاوضين الياس بو صعب، الذي انضم إلينا من العاصمة اللبنانية بيروت للاطلاع على المزيد من التفاصيل.
بداية سألنا بو صعب، عن تاريخ توقيع الاتفاق بين الجانبين خاصة واننا على أبواب انتخابات الكنيست وهناك إمكانية لعودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود إلى السلطة، في هذا السياق قال بو صعب “من المتوقع أن يتم تسليم الرسائل الموقعة من قبل الطرفين بحسب الآلية التي وضعت في آخر أسبوع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول”.
وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله، الذي هدد خلال الأسابيع الأخيرة بتصعيد عسكري، قد أكد في خطابه الأخير أنه “في اللحظة التي تذهب فيها الوفود للتوقيع في الناقورة بالآلية المتفق عليها يمكننا القول إن هناك اتفاقاً أو تفاهماً قد حصل”.
ضمانات للبنان بحال عاد نتنياهو إلى الحكم
وبعد الهجوم الشرس الذي شنه نتنياهو على لابيد ووصفه بالـ” الضعيف والهاوي”، وقوله ان “الاتفاق هو استسلام مخجل لنصرالله من قبل لابيد وغانتس (وزير الدفاع الإسرائيلي)”، وعن الضمانات التي تحفظ حق لبنان بحال تم توقيع الاتفاق وحدث أن عاد نتيناهو إلى الحكم، وقرر الانقلاب على الاتفاق كما هو الشأن بالنسبة للقرارات الدولية الأخرى الملزِمة لإسرائيل، أكد بوصعب أن زعيم المعارضة الإسرائيلية يسعى من خلال خطابه الأخير الحصول على المزيد من الأصوات للفوز في الانتخابات.
ورد الوزير اللبناني السابق في حديثه لـ “يورونيوز”، “لا أريد أن دخل في خلافات إسرائيل الداخلية، إلا أنهم أمام انتخابات مبكرة ومن الطبيعي أن يرفع نتنياهو نبرة خطابه وينتقد لابيد، لأن كل واحد منهما يريد الحصول على المزيد من الأصوات”.
وتابع “ما أريد قوله هو ان نتنياهو أيضا عندما كان رئيسا للوزراء تفاوض مع لبنان، وكان يدرك تماما النقاط التي تم رفضها سابقا من الجانب اللبناني والتي لا يمكن التخلي عنها.. ما هو جديد اليوم هو أن هناك فرصة أمام الإسرائيلي بعد توقيع اتفاق لإنتاج الغاز إلى أوروبا.. هناك فرصة اقتصادية مهمة جدا لـ تل أبيب بحال بدأت بتصدير الغاز إلى أوروبا خاصة مع الحاجة الأوروبية الملحة لأي إمدادات إضافية والسعر الحالي للغاز”.
وتابع “كثر وأنا منهم وصفوا هذا الاتفاق بالتاريخي، لأول مرة يتم الحديث على الحدود بين دولتين عدوين.. نحن نعتبر إسرائيل دولة عدوة، ومغتصبة لأرض لبنانية، وفي كل مرة كنا نسمع الحديث عن لبنان وإسرائيل كانت الأخبار تدور حول الحرب (بين الجانبين).. اليوم ولأول مرة وبوساطة جدا ذكية من قبل الوسيط الأمريكي آموس هوكستين وبطلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي منح هذا الملف الكثير من الاهتمام، رغم المشاكل العالمية.. والجهود التي بذلت للوصول إلى حل “ذكي وخلاق”.. نجحنا في الوصول إلى اتفاق دون أن يكون هناك شراكة سياسية أو تطبيع، اتفاق يمنحنا الاستقرار ويجعل البلدين ينعمان باستقرار وهدوء”.
وأكد بوصعب أن “المصلحة العليا لدى جميع الأطراف اليوم هي احترام هذا الاتفاق وأن ينجز .. لأن البديل عنه هو الفوضى”.
حسابات غير مؤكدة
ولدى سؤاله عن الدراسة التي أجرتها شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية، وقوله في وقت سابق خلال تصريح لإحدى المحطات التلفزيونية إنه يوجد 1.7 تريليون متر مكعب من الغاز في حقل قانا مقابل 1.2 تريليون في حقل كاريش، على عكس تصريحات وزارة الطاقة الإسرائيلية التي افادت بأن توقعاتِها وتوقعات شركة “توتال” ايضا، تشير إلى أن الربح المحتمل من المنطقة المعنية يبلغ ثلاثة مليارات دولار فقط، ومن المحتمل أن يكون حقل “قانا” جافا تماما، أكد بو صعب “أن لا أحد بإمكانه تحديد الكمية قبل أن تبدأ عملية التنقيب بشكل فعلي، إلا أن الدراسة التي أجرتها “توتال” من خلال تقنية المسح ثلاثي الأبعاد أظهرت النتائج التي تم الإعلان عنها سابقا”.
وبحسب بو صعب، والدراسة التي أجرتها توتال “يوجد في حقل قانا 1.7 تريليون متر مكعب من الغاز، مقابل 2.2 تريليون في كاريش. ولفت إلى أن هناك كاريش الشمالي، ومن المتوقع أن الكمية المتواجدة فيه هي 1.1 و1.2 في كاريش الجنوبي، ما يصل إلى 2.2 تريليون متر مكعب من الغاز، إلا أن هذه الأرقام تبقى مجرد احتمال إلى أن يبدأ الحفر”.
وفي محاولة للتقليل من قدر الأرباح اللبنانية المستقبلية، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار لإذاعة 103 “إف.إم” في تل أبيب، في وقت سابق، إن التقديرات الأولية تشير إلى أن القيمة الإجمالية لأرباح الغاز الطبيعي من قانا تبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار.
وعن أزمة الطاقة التي تشهدها أوروبا نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في فبراير/ شباط والدور الذي لعبته في حلحلة ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لأن عين الأوروبيين على غاز “كاريش”، أكد بوصعب أن حاجة القارة العجوز بالفعل لأي مصدر بديل للغاز الروسي سهلت إتمام الاتفاق.
وقال “نعم ما يحدث في اوروبا منح لبنان فرصة كبيرة لإنجاز هذا الاتفاق وللحصول على كامل حقوقه وفي المقابل الطرف الإسرائيلي يدرك أنه استفاد من خلال هذا الاتفاق بعد أن بات قادرا على إنتاج الغاز بمجرد أن منح لبنان حقه في انتاج غازه”.
وبعد غزوها الجارة الغربية وفرض عقوبات غربية عليها، خفضت موسكو تدريجيا تدفقات الغاز إلى أوروبا، مما دفع دول التكتل الـ 27 إلى توقيع معاهدة مع إسرائيل لتعويض واردات الطاقة الروسية.
وكان لابيد قد أكد في كلمة له من العاصمة الألمانية أن تل أبيب “ستشارك في الجهود الرامية إلى إيجاد بديل من الغاز الروسي في أوروبا”، مشيرا أن إسرائيل تعتزم تزويد أوروبا “10 في المئة” من الكميات التي كانت توفرها روسيا قبل الحرب الأوكرانية لدول الاتحاد الأوروبي.
وشددت الخبيرة في قطاع الغاز الإسرائيلي جينا كوهين، أن “بيع المزيد من الغاز إلى أوروبا يستلزم إنتاجاً مستقراً من حقل كاريش”، مما يعني ضرورة التوصل إلى اتفاق مع لبنان.
وحول معضلة الكهرباء التي يعاني منها لبنان منذ عشرات السنين، وإن كان من الممكن أن يضمن هذا الاتفاق واستخراج الغاز حل هذه المشكلة بعد طول انتظار، أعلن بوصعب أن “هوكستين وبالتوازي مع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل كان يعمل على اتفاق مواز لحل أزمة الكهرباء”.
من سيحمي هذه الثروة من السرقة
ولدى الحديث عن بلد أنهكته الأزمات وأولها فساد المسؤولين ونظام المحاصصة والمحسوبيات، وسؤاله، “من سيحمي ثروات لبنان البحرية من السرقة”؟، أكد بوصعب أن “الأوضاع اليوم اختلفت ولبنان بات تحت المجهر، وكل شخص سيثبت عليه في المستقبل شيء من هذا القبيل، سيعاقب”.
وفي كلمة ألقاها الرئيس اللبناني ميشال عون مساء الخميس، أعلن بشكل رسمي موافقة بلاده على اتفاق الترسيم، وقال عون في كلمة وجهها الى اللبنانيين “بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وبصفتي رئيس الدولة، وبعد إبلاغي من الرئيس الأمريكي جو بايدن موافقة إسرائيل، وبعد إعلان الحكومة الإسرائيلية موافقتها، أعلن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأمريكي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية” مع إسرائيل”.
واعتبر عون أن “من حق لبنان أن يعتبر أن ما تحقق هو إنجاز تاريخي لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومتراً مربعاً كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل. كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا”.
ومن المقرر أن تبدأ شركة “توتال إنرجيز” التنقيب في حقل قانا فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ، رغم أن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض قال إن الاستعدادات ستستغرق عدة أشهر.
ويمثل الاتفاق أول انفراجة دبلوماسية كبيرة بين البلدين منذ سنوات، لكنه لا يزال محدود النطاق نسبيا ولا يشمل حلا للنزاع طويل الأمد حول الحدود البرية بينهما.