هكذا وقع اللبنانيون في شرك العصب الانتخابي
معلومٌ أنّ “البروبغندا الإعلامية” مشروعةٌ و”مقبولة” نوعًا ما في الحملات الدعائية السياسيّة الانتخابية، كيف لا ومكوّنات الشعب اللبناني بأطيافه تحتاج لأن تستثار ككلب “بافلوف” قبيل كلّ استحقاق لتدلي بصوتٍ مجبولٍ على العماء والغباء السياسي والانتهازية ودناءة النفس أمام حفنة أموالٍ زهيدة. البروبغندا ضرورية في وقتٍ لم يرتق فيه شعبٌ متنافر إلى مستوى الأمّة.
ولأنّ الأزمة النقدية والمعيشية بدأت تفتح ثقوبًا في فكر اللبناني عسى أن يمرّ عبرها نور الوعي، اشتاق الزعماء أصحاب الشوارع الطائفية إلى رائحة الدم والموت والبارود. فلأجل أن يضمنوا لأنفسهم مقاعد في مجلس “التفاهة” فتحوا حمام دمٍ في الطيونة، ذلك الخميس المشؤوم، ليبيّنوا من دون خجلٍ أنّهم روّاد الحرب الأهلية ومليشيات جنون العظمة.
أرعبوا اللبنانيين ليبيّنوا لهم أن لا غنى عنهم لاستباب الأمن طالما أنّ الدولة غائبة، هكذا صنعوا “حادثة الطيونة”. تظاهرةٌ للثنائي الشيعي في الطيونة مناهضة للقاضي طارق البيطار المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت انقلبت اشتباكًا عنيفًا بالحجارة والرصاص والقنص وسقوط القتلى والجرحى.
أن تصل البروبغندا إلى الدماء وأن يموت الناس هكذا، كأرقامٍ غير مهمة شطبت، تطبيقًا لسياسة “التضحية بالقليل لكسب الكثير”، فغير مقبولة وهجينة.
والأنكى أنّ الموقوفين في الحادثة تمّ إخلاء سبيلهم الأربعاء الماضي بكفالة مالية من دون أن يحاسبوا على مقتل أشخاص ضاع دمهم هباء ً بغضّ النظر عن انتمائهم.
حادثةٌ طويت صفحتها كأنها لم تكن، بعد أن استثمرها كلّ فريق من الثلاثي القوات-الحزب-أمل لتأبيد سيطرته، كلّ على شارعه كما يحبّون تسميته.
ولم يكتف هؤلاء الأرباب بالحادثة المؤلمة والمرعبة في آن، بل عمدوا إلى إلحاقها بخطاب إعلامي يتماشى معها لغرسها أكثر فأكثر في نفوس اللبنانيين على غرار الحوادث الامنية التي تتخذ طابعًا تاريخيًّا.
الحزب
“البادي أظلم”، “كمين”، “قنص متعمّد” ، “مجزرة” و”فتنة” كلّها مصطلحات دخلت في الخطاب السياسي لحزب الله واستخدمت لشحن شارعه. وليس غريبًا أن اتّخذ الحزب شعارًا انتخابيّا في الاستحقاق النيابي في أيار “باقون نحمي ونبني”. وهذا الشعار دليل شبه واضح على تأبيد السيطرة والوجود المستمرّ في حماية البيئة الشيعية والحدود.
القوات
أمّا القوات اللبنانية فقد استنكرت الاتهامات التي طالتها من قبل الثنائي الشيعي في الحادثة ملقيةً اللائمة بما حصل على “السلاح المنفلت”، كما وأخذ وزراء ونواب القوات يركّزون أكثر على منطقة “عين-الرمانة” تذكيرًا مبطّنًا بالمنطقة الأولى التي اندلعت فيها حرب العام 1975 الأهلية. كما وأخذوا عبر إطلالاتٍ إعلامية يستذكرون بعنفوانٍ سرديات الحرب الأهلية وحماية الشارع المسيحي والمحافظة على وجودهم وحقوقهم. ما ترجم عمليًّا في الانتخابات النيابية بشعار “نحنا بدنا ونحن فينا” تلميحًا بقدرة ورغبة على إزالة “السلاح المنفلت” وهم يعنون به سلاح حزب الله.
أمل
من جهتها، كان لحركة أمل حصّة وازنة من الخطاب الإعلامي الذي من جهة يراه كثيرون هجومّيًا على القوات إنما ليس بالمباشر كما يفعل حزب الله. فحتّى مصطلحاتهم وأدبيّاتهم السياسية تتعارض في بعض الأحيان مع أدائهم السياسي وهم كما تجدر الإشارة ليسوا في مواجهة مباشرة مع القوات اللبنانية بخلاف الحزب. إلا أنهم وطبعًا لحفظ ماء الوجه مع الحزب استخدموا مصطلحات من مثل “الفتنة الداخلية”، “السلم الاهلي”، “الانقسام الوطني”،”الحسابات الفئوبة”، “العيش الواحد والوحدة الوطنية”، “عصابات مسلّحة”، “الجريمة الكبيرة”، “كيدية”، “استنسابية”. وهذا ما ترجمته أمل بحملتها الانتخابية تحت شعار”بالوحدة أمل لننقذ لبنان”.
الغريب وكأنّ الأحزاب الثلاثة توافقت عمدًا على صناعة الحدث لأغراضٍ انتخابية بحتة بكلّ أريحيّة وعلمت كيف تستثمر الخوف الوجودي لإخضاعم تحسّبًا ممّا كان ليفعله الوعي، جرعة منوّمٍ لاربع سنواتٍ جديدة أخذها اللبنانيون بقسم ٍكبيرٍ منهم. فهنيئًا لهم ولكم بهذا “الضرب”.
باميلا فاخوري – LebanonOn