محلياتمن الصحافة

هل نكون أمام مجالس بلدية 50/50 في انتخابات 2023؟

العنف ضد النساء في السياسة أظهرت الدراسات التي أجراها بعض الجمعيات، ومنها «لادي» و»مهارات» وغيرها، وجود عوائق عدة حَدّت من قدرة المرشحات على الوصول الى الندوة النيابية، وكان على رأسها الضغوط السياسية والاجتماعيّة لِثنيهنّ عن الترشّح ومحاولة إبعادهنّ عن خوض غمار العمل السياسيّ، ومن أبرز هذه الضغوط استخدام العنف بكل أشكاله من اللفظيّ الى الجسديّ والجندري والالكترونيّ وصولاً الى العنف النفسي والمجتمعيّ…

ومثالنا على ذلك انّ عدداً لا بأس به من المرشحات لم يلقين الدعم من اللوائح أو الأحزاب التي تبنّت ترشيحهنّ، ما خفّض من قدرتهنّ على الوصول الى أكبر شريحة من الناخبين ضمن دوائرهنّ.

ومن المنظور الجندري، لم تحظ المرشّحات بمساحة اعلامية عادلة كما زملائهم من المرشّحين، إذ ووفق نتائج الدراسات، فإنّ غالبية المرشحات يفتقدن الى الموارد المادية الكبيرة، ما أدى الى عدم قدرتهنّ على تغطية التكاليف الاعلامية الباهظة وخصوصا تلك التي فرضتها وسائل الاعلام التقليدية في «الزمن الانتخابيّ».

وقد لعب قانون الانتخاب دورا سلبيا عبر تقليص تمثيل السيدات، خصوصا أنّ اعتماد الصوت التفضيلي خلقَ تنافسا واسعا ضمن اللائحة الواحدة، ما أدى الى فوز الرجال مع تجيير الأحزاب الأصوات التفضيلية لهم إنطلاقاً من العقلية الذكورية السائدة والنظرة الدونية الى إمكانات المرأة، فجاء وجودها على اللائحة كـ»الفو بيجو» الذي تزَيّن به اللوائح الانتخابيّة.

وخلصت الدراسات الى أنّ 80 في المئة من المرشّحات تعرّضن لأحد مظاهر العنف ضد النساء في السياسة!

الانتخابات البلديّة

هذه الجولة على أبرز أشكال الضغوط والعوائق التي واجهت النساء خلال الانتخابات النيابيّة الأخيرة لم تُثن كثيراً منهنّ عن الاستمرار.

أضف الى ذلك، فالمؤشرات تؤكد أنّ عددا كبيرا من السيدات بدأن الاستعداد لخوض غمار الانتخابات البلديّة المقبلة.

كثيرة هي التجارب النسوية مع المجالس البلدية، ولكن حتّى تاريخه لا تزال طريق الوصول محفوفة بالعوائق، وفي هذا الاطار تؤكد عضو مجلس بلدية كفرذبيان الناشطة السياسية والاجتماعية جوزفين زغيب أنّ «المرأة المرشحة للإنتخابات البلدية تواجه صعوبات كثيرة تبدأ مع الترشح ولا تنتهي مع وصولها الى المجلس البلدي».

وتفنّد زغيب العقبات كالآتي: «العنصر الأبرز هو العقلية الذكورية السائدة لدى بعض فئات المجتمع اللبناني وخصوصاً في المناطق الريفيّة، والتي لا تزال تعتمد مبدأ «ما عندكن رجّال بالعَيلة يترشّح؟»، وتفضّل بطبيعة الحال اختيار الرجال على النساء».

الى العقلية الذكوريّة، عقبة جديدة أضيفت الى سلسلة العقبات التي ستؤثّر مباشرة على خوض النساء للانتخابات البلدية، وهي العقبة المادية، ففي ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، سيتكبّد المرشحون كما المرشحات مبالغ ماديّة كبيرة، مهما كانت قيمتها صغيرة بالدولار الطازج، وهذا ما قد يضع المرشحات أمام خيار صرف الأموال على الشأن العام، أو الاحتفاظ بها للشأن الخاص والعائليّ ؟! خصوصاً أنّ زغيب تنصح كلّ راغبة بالترشح للإنتخابات البلدية بتحضير فريق عمل مواكب، وهذا ما سيكبّد المرشحات أعباء إضافية خاصة انّ العمل التطوّعي في أيّامنا هذه قد ندر، عدا عن الاعباء الاضافية المتصلة بكلفة الترشح، ناهيك عن التكاليف الاعلامية والاعلانية…».

أمّا عن العوائق التي قد تواجه السيدات مع وصولهنّ الى المجلس البلديّ، فترى زغيب أن عليهنّ الوقوف في وجه الأعراف والتقاليد السائدة، خصوصاً أنّ البلديات تكلّف النساء عادة لجاناً كلجنة المرأة والطفل أو لجنة التشريفات والبروتوكول، ولا توكِل إليهنّ لجاناً أساسية كلجنة الأشغال والشراء والاستلام.

انطلاقاً من هذا، تنصح زغيب الراغبات بالفوز بتحضير أجنداتهنّ جيداً.

وفي المقابل، ترى أنّ الوضع السيئ الذي وصلت اليه البلاد إنّما يحتاج الى «سواعد نسائية» لإنقاذه، فـ»كلّما كَثرت السيدات في مراكز صنع القرار كلّما قلّ الفساد والهدر وارتفعت نسبة الشفافية».

فالمرأة تاريخياً ترعرت على التنظيم والادارة الجيدة، ومثالنا على ذلك قدرتها على الاهتمام بعائلتها وتنظيم منزلها ودراستها وصولاً الى عملها. غير أن ذلك لا ينفي طبعاً وجود نسبة قليلة جداً من السيدات اللواتي وصلن الى بعض المناصب وكنّ فاسدات إلا أنهنّ من القليلات، وهذا ما تظهره كلّ الإحصاءات.

كوتا نسائية في البلديات

تخوض المرأة حربا ضروسا للوصول الى حقها في التمثيل العادل وتعوّل على الاستحقاق المقبل لترجمة هذا التمثيل. وهنا ترى زغيب أنّ عدد المرشحات من السيدات في المناطق سيرتفع في هذه الدورة، وتكشف أنّ السعي مستمرّ من الجهات والجمعيات النسائية في البلاد لفرض الكوتا النسائية 50 ـ 50! وهنا تؤكّد زغيب أنّ الكوتا أمر أساسي لرفع عدد السيدات في المجالس البلدية لأن «لا نية سياسية لدى أحزاب السلطة لوصول المرأة الى مراكز صنع القرار، وهذا ما أثبتته التجارب». وفي السياق، ترى أنّ ما يسهّل أيضاً مشاركة المرأة هو القانون الذي أقرّ عام 2017، أي بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، والذي يتيح للمرأة المتزوجة خوض الانتخابات في بلدتها الأم.

النساء أساس التغيير

تعكس نسبة مشاركة المرأة في البلديات مدى تجاهل القيّمين على القوانين الموضوعة لدورها في المجتمع، فـ 5 في المئة فقط هي نسبة السيدات في البلديات، إذ انّ في لبنان فقط 636 امرأة من مجموع 12000 عضو، أمّا رئيسات البلديات فهنّ على صعيد بلدات لبنان 12 فقط.

وتشجيعاً للمشاركة في انتخابات 2023، تعتبر رئيسة جمعية Fifty-Fifty جويل أبو فرحات «أنّ الوقت اليوم هو الأفضل والأنسب للنساء كي ينخرطن في الشأن العام خدمة لمنطقتها ولبلدها». وترى أنه «لا يمكن إحداث التغيير من دون السلطة»، لذلك على النساء الانخراط في السلطة كي يتمَكنّ من الوصول الى هذا الهدف، أي الاندفاع نحو تَولّي المسؤوليات داخل السلطة المحلية والبلدية، فالبقاء ضمن جمعيات المجتمع المدني والمنظمّات غير الحكومية لن يمكن المرأة من إحداث التغيير المنشود.

وإذ ترى أبو فرحات «أنّ السيدات الناشطات عامة لديهنّ من الكفايات ما يكفي حتى يَخضن في مجال التنميّة المحليّة وتطوير البلدات خصوصاً تلك التي يعيشون فيها»، كشفت أنّ «منظمات المجتمع المدني تسعى الى دعم السيدات وتذكيرهنّ بأهمية وجودهنّ في المجالس البلدية من خلال برامج وجلسات ولقاءات، على أن يظهر ذلك الدور الكبير الذي يمكن للسيدات أن تؤديه، كي نشجّعهنّ على خوض غمار الانتخابات البلديّة».

وعن أهمية انخراط السيدات في العمل البلدي وانعكاسه على أداء البلديات وعملها، أكدت أبو فرحات أنّ «العمل البلدي يتطلّب العمل على الأرض وأن تنزع المرأة كل الحواجز وتكون قريبة من الناس».

وتُضيء أبو فرحات على اهمية دور المرأة وأبعاده مقارنة مع دور الرجل، فتقول انّ «طريقة تفكير المرأة برأيها تختلف عن طريقة تفكير الرجل، من هنا فإنّ المكوّن النسائي في السلطة يسعى الى التغيير عكس المكوّن الذكوري الذي يسعى الى السلطة، وهذا ما يميّز المرأة عن الرجل في الأداء السياسي وإدارتها للشأن العام. وبالتالي، فإنّ هذا الأمر لم نختبره بعد بصورة واسعة في لبنان، إذ ومنذ 80 عاماً يحتكر الرجال الحكم».

وأمام هذا الواقع تؤكد بو فرحات الحاجة الى دخول المرأة المعترك العام، وأن تطرح حلولها ومقارباتها التي تختلف بطبيعة الحال عن المقاربات التي يعتمدها الرجال. أما الارض التي يمكن أن تزرع فيها المرأة هذه الرؤية فهي الانتخابات البلدية. وهنا تعتبر أنّ اهمية المرشحة تكمن في الطرح الذي تقدمه وبرؤيتها وبرنامجها لكي تتمكن من إقناع الناس لاختيارها ممثلة عنهم.

إنها معركة شرسة أمام المرأة لمواجهة العقبات التي تحول دون بلوغ هدفها المنشود، خصوصا أنها تواجه طبقة سياسية شرسة تعمل على تقليص دور المرأة في الحياة السياسية، لمسنا ذلك في قانون الانتخاب الذي «أجهض» الكوتا النسائية فوصل الى المجلس عدد قليل من النساء المُلقى على عاتقهنّ واجب الدفاع عن حقّ المرأة في المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، فهل سينجحن في الدفع في هذا الاتجاه؟ أم أنّ الذكورية ستمنع المرأة مجدداً من كسب حقها المشروع في التمثيل؟

المصدر: الجمهورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى