محليات

خوفاً من الكساد: مزارعو التفاح يرفعون الصوت

كما في كلّ شهر أيلول، ترتفع صرخة مزارعي التفاح. التحدّيات التي يواجهونها كثيرة، تبدأ من إيجاد سبل لتصريف الإنتاج، ولا تنتهي عند تأمين الكهرباء لتبريد التفاح في انتظار إيجاد حلّ لمشكلة التصريف. وزير الزراعة يؤكد تدخل الحكومة على خط المعالجة، سواء من خلال شراء كمية من الإنتاج أو المساعدة في التصدير.

منذ عام 2016 ومزارعو التفاح في البقاع الشمالي، بعلبك الهرمل، يرفعون الصوت مع كلّ موسم. مناشدات ولقاءات واعتصامات ورمي محاصيل على الطريق الدولية، مطالِبة بانتشالهم من براثن الخسائر المتتالية، وتحمّل المسؤوليات تجاههم، لكن من دون جدوى. كلّها تحركات لم تثمر كما تثمر أشجارهم. رفعوا الصوت تارة للتفتيش عن سوق تصريفية لأرزاقهم، واعتصموا تارة أخرى للمطالبة في الإسراع بدفع التعويضات المستحقة لهم، فيما يتكرّر اليوم المشهد مع موسم التفاح التموزي الذي فات أوان قطافه من دون أن يكون له سعر في السوق المحلية، أو طريق على سوق عربية لتصريفه، ولا حتى خطوات لإنقاذ أرزاق مئات العائلات في قرى البقاع الشمالي.إنتاج وفير ومميز، لكن لا أسواق تصريفية، حتى إلى مصر، التي كانت تُعتبر المنفذ الوحيد لتصريف إنتاجهم خلال العامين المنصرمين. إنتاج موسم التفاح الذي ينتظرونه بفارغ الصبر لتأمين متطلبات شتائهم من مدارس وجامعات ومونة وتدفئة يبدو أنه لن يكون على قدر آمالهم. من بساتين بلدات اللبوة والعين والنبي عثمان وزبود وجبولة والفاكهة ـ الجديدة ووادي فعرا، وصولاً حتى مشاريع القاع عند الحدود اللبنانية السورية الشمالية، ثمة إنتاج وفير من التفاح “التموزي” و”الغولدن” و”الغالا”، الذي لم يجد طريقه بعدُ للتصريف.

خسائر كارثية

يؤكد المزارع علي حمد نزهه، ابن بلدة النبي عثمان وصاحب بستان تفاح وشركة للاستيراد والتصدير، أن خسارة مزارعي التفاح في البقاع الشمالي “كارثية إذا لم يتم تصريف الإنتاج الوفير بالسرعة اللازمة”، موضحاً أن “لا حلول متاحة حتى اليوم إذ لا أسواق عربية للتصريف ولا قدرة لدى السوق المحلية لاستيعاب كلّ هذا الإنتاج، عدا عدم توفر القدرة على التخزين في البرادات في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي منذ أسابيع وعدم توفر مادة المازوت. وحتى إذا توفرت فتشغيل التبريد وعدم وجود أفق للتصريف سيزيدان من نسبة الخسائر يوماً بعد يوم”. ويكشف نزهة أن الأزمة تمتدّ بسبب استمرار إقفال الأسواق الخليجية بوجه المُنتجات اللبنانية، فيا برزت أخيراً مشكلة السوق المصرية التي كانت بمثابة الأمل الوحيد لمزارعي التفاح في البقاع الشمالي للتصريف كما درجت العادة خلال المواسم الماضية، “وكنا نعوّل عليها في تصريف إنتاجنا، إلا أننا فوجئنا بانهيار سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الشحن والنقل، فبينما كانت 2200 دولار العام الماضي أصبحت اليوم 3500 دولار، وبات نقل الكونتينر الواحد من البقاع إلى المرفأ بكلفة 2000 دولار بعدما كان 500 دولار”. إلى هذه الكلفة يضيف نزهة “كلفة شرحات البلاستيك (الأقفاص) التي ارتفع سعرها من 50 سنتاً للقفص الواحد، إلى دولار و10 سنتات. لأن المعامل المصنّعة للأقفاص تعتمد على المازوت. وأمام كل هذا بات التصدير إلى مصر مكلفاً جداً في مقابل أسعار شبه ميتة ولا تختلف عن سعر التفاح في السوق المحلية، إذ لا يتجاوز سعر كيلو التفاح الـ1500 ليرة والقفص الـ20 ألف ليرة”.

الوزارة تؤكد تأمين التصدير إلى مصر والأردن والعراق، بالإضافة إلى حلول محلية.

الوقت الحرج

يحتاج المزارعون إلى تدخل سريع، بعدما دخلوا في “الوقت الحرج” كما يعبّر المزارع محمد أمهز، ابن بلدة اللبوة، الذي يلفت إلى أن عدم المسارعة في إيجاد الحلول نتائجه سلبية “وفيها خربان بيوت”، ذلك أنه من المفترض أن “لا يبقى التفاح على أمّه لأن في ذلك ضرراً على أشجار البساتين وخسارة للإنتاج، في مقابل عدم وجود سوق خارجية لتتسلّم المواسم، في حين أن السوق الداخلية لا تستوعب أكثر من 30% من الموسم”.
يقارن المزارع أحمد رباح بين سعر كيلو التفاح “الذي يقارب اليوم الـ750 ليرة مع أنّ كلفة الدونم، الذي ينتج نحو 3 إلى 4 أطنان من التفاح، تصل إلى 700 دولار، ما بين تشحيل وريّ وأدوية وأسمدة”. ويوضح أن “التخزين في البرادات لاكتساب الوقت لم يعد ممكناً، لأنّ التفاح التموزي والغالا لا يُبرّدان، بعكس نوع الغولدن الذي يمكن تبريده ولكن بكلفة تقطع الظهر في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي، وعندها تكون خسارتك إلى ولد ولدك في حال عدم تأمين سوق لتصريف التفاح المخزّن”. ولا يخفي رباح انزعاجه من الدولة ووزاراتها المعنية قائلاً: “مرحباً دولة ومرحباً وزارات، نحن نصرخ منذ أشهر ولم يحرّك أحد ساكناً ليتواصل مع دولة عربية لتأمين التصريف. كلّ ما نريده تأمين متطلبات أولادنا من مدارس ودفء ولقمة حلال… نحن لا نريد أن نجمع ثروة”.

حلول الوزارة

وكان وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن استمع إلى مزارعي التفاح في المنطقة، وفي مناطق أخرى، لمعرفة مشاكلهم. وقد أعلن أمامهم عن تحضيره واتحادَ البلديات في بعلبك الهرمل “مشروعاً لتحويلِ عدد من مراكز تبريد التفاح في البقاع الشمالي إلى الطاقة الشمسية بانتظار تصدير منتجاتهم، لأن كلفة تشغيل مولّدات مراكز التبريد مرتفعة جداً”.

وهذه هي المشكلة التي يعدّها الحاج حسن الأبرز لهذا الموسم، الذي كشف في اتصال مع “الأخبار” أنه خلال زيارته الأخيرة للعراق، سمع تأكيداً من المسؤولين العراقيين عن عدم وجود مشكلة في عبور الشاحنات اللبنانية إلى العراق بشكل مباشر من دون الحاجة إلى تفريغ الحمولة في شاحنات سورية، مؤكداً أن التصدير قائم إلى كلّ من مصر والأردن.

كما لفت إلى أن الوزارة أجرت محادثات مع برنامج الأغذية العالمي WFP من أجل تضمين الحصص الغذائية للنازحين السوريين فواكه يشتريها البرنامج من المنتجات اللبنانية (تفاح، إجاص، عنب…)، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ مليون دولار من رئاسة الحكومة لشراء التفاح لصالح الجيش والقوى الأمنية، وقد تشكّلت لجنة هدفها تسيير الأمور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى