من الحرب إلى إنتخابات رئاسة الجمهورية… ماذا يُريد نصرالله؟
كثيرون يُحمّلون “حزب الله” ما آلت إليه الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة، بالإضافة إلى التصعيد جنوباً عبر التهديد بالحرب مع إسرائيل والتأثير على مسار المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ بشأن الحدود البحريّة. في المقابل، قرأت الأوساط السياسيّة في خطاب الأمين العام لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله الأخير تبدّلاً أو مهادنة في مواقفه، فاتحاً الباب للتوافق في إنتخابات رئاسة الجمهوريّة، وتشكيل حكومة جديدة.
وتعتبر الأوساط السياسيّة أنّ “حزب الله” لا يسعى للحرب مع إسرائيل، وهو استطاع من خلال تصعيده في ملف الثروات البحريّة أنّ يقول للبنانيين أنّه يُحافظ على حقوقهم كاملةً، بهدف الخروج من الأزمة الإقتصاديّة الحاليّة. ويُشير مراقبون إلى أنّه من خلال هذا الأمر، يُريد “الحزب” إثبات أنّ سلاحه ضرورة وحاجة مهمّة ليس فقط للدفاع عن الجنوب أو ضدّ التنظيمات الإرهابيّة في البقاع، وإنّما في ترسيخ ثروات لبنان وحدوده ، وبالتالي فإنّ مناقشة موضوع السلاح كما يُروّج له البعض في مقلب “المعارضة” ليس صائباً حاليّاً، وخصوصاً وأنّ المفاوض الأميركيّ آموس هوكشتاين لم يتوصّل بعد لإنجاز الإتّفاق النهائيّ بين لبنان وإسرائيل، على الرغم من الأجواء الإيجابيّة حول الملف.
في الإطار عينه، يلفت مراقبون إلى أنّ “حزب الله” رمى كرة الحرب في ملعب إسرائيل إذا أرادت المضي في التصعيد والبدء باستخراج الغاز في حقل “كاريش”. ويُضيفون أنّ “الحزب” صوّر نفسه أمام العالم أنّه يُحافظ على حقوق لبنان وسيادته، فيما العدوّ هو من يرغب في الخروج عن المفاوضات، وصولاً إلى جرّ المنطقة لصراع عسكريّ، وحرمان البلدان الأوروبيّة وأميركا من غاز البحر المتوسّط. ويوضحون أنّ الحاجة الغربيّة للغاز على إثر الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة بدّلت من موقف إسرائيل في إستخراج وبيع النفط في الأوّل من أيلول، كيّ لا يردّ “حزب الله” ويقصف منصات التنقيب.
أمّا سياسيّاً ومع إقتراب إنتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة ميشال عون، فأعلن السيّد نصرالله عن الحاجة للتوافق في إنتخاب الرئيس الجديد. وقد اعتبرت أوساط معارضة أنّ “حزب الله” مأزوم سياسيّاً ولا يستطيع فرض مرشّحه هذه المرّة. فيما يرى مراقبون أنّه لم يُسمّ رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة بعد، وهو لن يكشف في العلن عن مرشّحه، بانتظار نضوج التسويّة أقلّه في فريق الثامن من آذار، وقبول باسيل بفرنجيّة، والتوافق بين الأخيرين.
ويُذكّر المراقبون أنّ “حزب الله” عطّل النصاب وصولاً إلى إنتخاب عون لرئاسة الجهوريّة، وحصل توافق في حينها حول إسمه، من قبل “القوّات اللبنانيّة” وكتلة “المستقبل”. ويُتابع المراقبون أنّه في المناسبة السابقة كُسر التعطيل من خلال تسويّة شملت معظم الكتل النيابيّة، غير أنّ هذا الإتّفاق لم يُكتب له النجاح طويلاً، فأدخل البلاد بجمودٍ وخلافات سياسيّة، ارتدّت سلبيّاً على تشكيل الحكومات ومعالجة الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة. ويسأل المراقبون “ما الذي سيتغيّر في التسويّة الجديدة التي يبحث عنها “حزب الله” وأغلبيّة الكتل، وخصوصاً إذا كان الرئيس المقبل تابع لـ8 آذار، أو من الفريق الآخر؟”
وتُشير المصادر إلى أنّه على الرغم من مناداة الكثيرين، وفي مقدّمتهم نصرالله بوجوب التوصّل لتسويّة رئاسيّة، فإنّ الأخير سيُعارض حتماً إنتخاب أيّ رئيس ستُحاول “المعارضة” تأمين الأرضيّة لانتخابه، ما يعني أنّه سيُعيد وضع الكتل السياسيّة أمام أمرٍ واقعٍ، وهو إمّا مرشّح “حزب الله”، وإمّا الفراغ. وتُضيف المصادر أنّ “حزب الله” يُحذّر من إنتخاب شخصيّة “سياديّة” ستُدخله في صراعٍ داخليٍّ إذا وضعت بند سلاح المقاومة على طاولة النقاش، فهذا الموضوع جوهريّ، وعلى كلّ مرشّح مراعاته، لذا، يُشدّد “الحزب” على أنّ يكون مرشّحه يُؤمن بعقيدة المقاومة وبأهميّة سلاحها.
من هنا، وتحضيراً للفراغ الرئاسيّ المتوقّع، يعمل نصرالله على تسهيل مهمّة تشكيل الحكومة، لتجنّب أيّ تشنّج سياسيّ بين فريق “العهد” وحكومة تصريف الأعمال حول الصلاحيات الرئاسيّة ما بعد تاريخ 31 تشرين الأوّل. فدخل “حزب الله” على خطّ التأليف، لمنع إنجرار البلاد إلى مزيدٍ من الخلافات، فبحسب مراقبين، يتخوّف “الحزب” من لعبة الشارع، وبشكل خاصّ إذا استمرّ الفراغ الحكوميّ والرئاسيّ.
وعلى الرغم من التفاؤل في ولادة الحكومة بعد عودة الرئيس نجيب ميقاتي من نيويورك، تُحذّر الأوساط السياسيّة من وضع العراقيل مُجدّداً من قبل رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل، فالحكومة الجديدة ستُدير البلاد في الفراغ الرئاسيّ، وربما يرغب الأخير في طرح الثلث المعطّل مُجدّداً، وربما العقدة الدرزيّة لن تُحلّ بسلاسة كما يُقال.