حريق جبل النفايات يهدد طرابلس…مَن ينزع صاعق القنبلة الموقوتة؟
حصل ما كان في الحسبان، وإندلعت النيران في جبل النفايات وهددت طرابلس وأهلها وكادت الأمور أن تتطور الى ما لا يحمد عقباه، لولا التحرك الحكومي السريع، وتضافر جهود عناصر الاطفاء والدفاع المدني والجيش للاسراع في إحتواء الحريق وتطويقه وإخماده قبل أن يتمدد الى مخزون غاز “الميثان” المتواجد بكميات هائلة في جبل النفايات ويتسبب بكارثة حقيقية.
بالأمس، أعطى جبل النفايات نموذجا عن القنبلة الموقوتة الموجودة في طرابلس، والتي رغم كل التحذيرات والاعتصامات والعرائض التي رفعت الى الجهات المعنية، والتقارير الصحافية، والتحركات النيابية، والدراسات الميدانية، والدعاوى القضائية، كل ذلك لم يلق آذانا صاغية لرفع هذا الخطر المحدق بطرابلسوأهلها أو لازالة صاعق هذه القنبلة التي كادت أن تنفجر أمس لولا الجهود التي بذلت والعناية الالهية التي تدخلت.
وكان حضر قبل نحو عامين الى لبنان وفد من الخبراء البيئيين الأميركيين يعملون لدى شركات من القطاع الخاص، وقد إلتقوا في حينها قيادة الجيش وسألوها عن الأماكن التي يوجد فيها موادا خطرة معرضة للانفجار ،خشية أن تتكرر مأساة مرفأ بيروت في غفلة من المسؤولين، فتم إرشادهم الى جبل النفايات في طرابلس فسارعوا الى زيارته ورفعوا سلسلة تقارير عما ينتجه من أضرار وتلوث ومخاطر، لكن الاهمال بقي سيد الموقف ولم يحرك أحد من المعنيين ساكنا.
ربما يكون حريق الأمس هو بمثابة الانذار الأخير، قبل وقوع الكارثة، فكل التقارير قديمة كانت أم حديثة تؤكد أن المخاطر الناتجة عن جبل النفايات حقيقية والتلوث الصادر عنه مخيف جدا، وإنفجار الغاز المخزّن فيه سيؤدي الى كارثة.
واللافت، أن جبل النفايات في طرابلس هو الوحيد الذي ما يزال يشكل خطرا على البيئة والسلامة العامة، وهو كان واحدا من أربعة جبال نفايات هي: “النورماندي” الذي تحول الى الواجهة البحرية لبيروت (البيال)، ““صيدا” الذي تحول الى حديقة عامة، ““برج حمود” الذي تحول الى مطمرين صحيين، و”جبل طرابلس” الذي ما يزال قائما بارتفاع أكثر من 45 مترا، ما يشير الى حجم الاهمال والحرمان التي تواجهه المدينة من قبل الدولة اللبنانية.
واللافت أيضا، أن مكب النفايات في طرابلس أنشئ عام 1990 بشكل مؤقت الى حين إقرار خارطة المكبات في كل المناطق اللبنانية، وكان مقررا إغلاقه في العام 2005، والتفتيش عن بديل آخر، لكن عراقيل حالت دون ذلك، فتم تمديد العمل فيه لمدة خمس سنوات إضافية، ومن ثم لثلاث سنوات حتى فقد كل وظائفه في العام 2013 وبات يشكل عبئا بيئيا كبيرا، لكن رغم ذلك إستمر العمل فيه بشكل مخالف لكل القواعد البيئية حتى العام 2018، ليتحول الى جبل بارتفاع يفوق الـ 45 مترا، حيث تم إنشاء مكب بديل مؤقت أيضا، بالقرب منه لمدة ثلاث سنوات الى حين التفتيش عن بديل دائم، لكن السنوات الثلاث إنقضت وإستمر العمل في المكب الذي بدأ السير على خطى جبل النفايات.
لا تقتصر المخاوف في جبل النفايات على غاز “الميثان” المعرّض للانفجار، بل تنسحب هذه المخاوف من إمكانية إنهيار الجبل بفعل تصدع جدران الدعم الخاصة به، ما قد ينذر بكارثة أكبر خصوصا أن أي إنهيار من هذا النوع سيؤدي الى تلوث في البحر المتوسط وصولا الى شواطئ أوروبا ما قد يعرض لبنان لعقوبات دولية ومطالبته بتعويضات مالية ستضاعف من حجم الأزمة المالية والاقتصادية.
تشير المعلومات الى أن العشوائية تفرض نفسها في المكب البديل، وأن البعض يعمل على تهريب كميات من النفايات الى رأس الجبل لقاء أموال يتم دفعها على كل شاحنة، وذلك من دون حسيب بيئي أو رقيب قضائي أو تدخل أمني أو مشروع ينهي هذه المعاناة ويزيل هذا الجبل أو أن يحوله الى حديقة على غرار ما حصل في صيدا، فهل يسارع المعنيون والمسؤولون في إتحاد بلديات الفيحاء لا سيما رئيسه الذي سبق ووعد كتلة نواب “الوسط المستقل” في العام 2020 بإعداد الدراسات اللازمة لازالة خطر جبل النفايات، وهل يتم الوفاء بالوعد ولو بعد حين لانقاذ طرابلس، أم أننا سنكون أمام كارثة جديدة تم تفاديها أمس، لكن “ليس في كل مرة تسلم الجرة”.ِ