كارثة السّجون اقتربت: لا طعام بدءاً من نهاية الشّهر!
كتبت لينا فخر الدين في “الأخبار”:
قبل الأزمة الاقتصادية كانت شكاوى السجناء تتعلق غالباً بسوء الوجبات الغذائيّة التي تقدّمها إدارات السجون لهم (بمعدّل وجبتين يومياً). بعدها، زاد على ذلك خفض حصّة السجناء من الوجبات والفواكه، حتى صار هؤلاء يتلقّون في معظم الأيّام رغيف خبزٍ واحداً و100 غرام من اللبنة أو المربى يومياً، وفي بعض الأحيان نصف حبّة فاكهة، مع «شبه غياب تام» للحوم والدجاج، على حد قول السجناء. علماً أن المتعهدين يؤكدون أنهم يسلّمون السجون المركزيّة الكميّات المتفق عليها من اللحوم والدجاج: 500 غرام من اللحمة و300 غرام من الدجاج أسبوعياً تقسّم بحسب النظام الغذائي للسجين المنصوص عليه في القانون.
سابقاً، كان السجناء يحاولون الاستعاضة عن هذه الوجبات بشراء حاجياتهم من دكانة السجن وطبخ وجباتهم بأنفسهم. إلا أن كثيرين منهم لم يعودوا قادرين على ذلك في ظل الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائية. إذ يؤكد سجناء أنهم يحتاجون إلى ما لا يقل عن مليون ونصف مليون ليرة أسبوعياً ثمناً للمواد الغذائية والسجائر، ما يجبرهم على الاكتفاء بوجبة السجن رغم أنها غير كافية وفي كثير من الأحيان قد تكون غير صالحة للأكل.
على أن هذا الأمر، على سوئه، قد لا يعود متاحاً قريباً. فقد علمت «الأخبار» أن المتعهدين السبعة الذين يؤمنون السلع الغذائية واللحوم والخضار والفواكه لإدارات السجون المركزيّة والوجبات المُعدّة سلفاً لسجون المناطق، سيتوقّفون كلياً عن التسليم بدءاً من أول تشرين الأوّل المقبل، ما سيؤدي إلى أزمة كبرى مع عدم قدرة معظم السجناء على شراء المواد الغذائيّة ومنع الأهالي من إدخال المأكولات إلى أبنائهم في السجون المركزية.
فعلياً، سيصبح السجناء بلا طعام فيما لا يبدو أن الدولة التي تنهار قطاعاتها واحداً تلو آخر قادرة على اجتراح حل، خصوصاً أن شروط المتعهدين قد تكون عصيّة على التطبيق. إذ يطالبون بمستند قانوني يحميهم من عدم قبض أموالهم في ظل الفراغ الرئاسي.
قبل الأزمة، كان هؤلاء يتقاضون أموالهم المُستحقّة بعد شهرين إلى ثلاثة أشهر من تقديم الفاتورة الشهريّة إلى المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي للتأكد من أسعار ما تم تأمينه من سلع. في الأشهر الماضية لم يُصرف الاعتماد إلا بعد 6 أشهر وبقيمة 10 مليارات ليرة، وهو جزء قليل من المبلغ الذي وصل إلى 90 مليار ليرة نهاية آب الماضي. وقام المعنيون بـ«تشريح» التسليم ليُقسّم على مبالغ، إذ صرف وزير المالية يوسف الخليل الثلاثاء الماضي اعتماداً بقيمة 60 مليار ليرة للمتعهدين من دون أن يتم نقله حتى الساعة إلى السراي الحكومي، فيما أحيل منذ أيّام قليلة اعتماد بقيمة 20 مليار ليرة من وزارة المالية إلى رئاسة الحكومة ثم إلى القصر الجمهوري حيث يفترض أن يكون رئيس الجمهوريّة قد وقّع عليه وأحاله إلى المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي لتوقيعها قبل إعادتها إلى وزارة المالية لتأمين المبلغ من المصرف المركزي.
وفي ظل هذا التأخير، يتأثر المتعهدون الـ7 من ارتفاع سعر صرف الدولار ممّا يُقلّل من أرباحهم، فيما يؤكدون أنهم يتكبّدون خسائر كبرى، خصوصاً أنهم يشترون السلع بالدولار ويُحصّلون أموالهم بالليرة بعد أشهر طويلة تكون الأموال خلالها قد فقدت قيمتها مع تغيّر سعر الصرف في السوق السوداء. ولا يُحسّن موضوع تعديل الأسعار من أوضاعهم (تدفع الدولة فوارق ارتفاع الأسعار في العرض المُقدّم في المناقصة العموميّة)، بسبب التأخر في التسديد، كما هو حاصل اليوم. إذ يقبض المتعهدون الأموال التي كان من المفترض أن تُصرف لهم منذ أشهر. وهذا ما أدّى مثلاً إلى بمتعهد تأمين اللحوم والدجاج إلى استبدال اللحوم بالدجاج، أو العكس أحياناً، في حال ارتفاع الأسعار.
ولأنهم يعانون من الخسائر، يتخوّف المتعهدون من ازدياد حجمها خصوصاً في حال الفراغ الرئاسي، ما يعني أن الاعتمادات لن تُصرف لهم. وما يُعقّد الأمور أكثر، أجواء المعنيين في شعبة الشؤون الإدارية في قوى الأمن الداخلي التي تشي بأنّ لا مناقصة ستحصل مع انتهاء العقد الموقّع مع المتعهدين في نهاية السنة الجارية بعد أن وضع قانون الشراء العام موضع التنفيذ، بذريعة أنّهم «لم يفهموا بعد آلية القانون الجديد وتفاصيله».
هذا الجو يؤكّد إمكانيّة التمديد للمتعهدين وفق الاتفاق المُبرم بين الطرفين يتيح للدولة التمديد لهم سنة كاملة يتم تقسيمها على فترات على 3 أشهر، من دون القيام بمناقصة عموميّة. ولذلك، يشترط المتعهدون أن يُصرف لهم اعتماد مُسبق واستثنائي على 6 أشهر قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، ليتم إيداعه في شعبة الشؤون الإداريّة حتى يتمكّنوا من قبض مستحقاتهم في ظل الفراغ الرئاسي المُحتمل.
إذاً، أمام الدولة أقل من 20 يوماً لصرف الاعتمادات السابقة بعد التوقيع عليها، وتوقيع سلفة خزينة لمدّة 6 أشهر تُغطّي الأشهر الثلاثة المتبقيّة حتى نهاية السنة، والأشهر الثلاثة التي من المفترض أن يتم التمديد لهم فيها. وفي حال لم يتم ذلك، فإنّهم سيرسلون في نهاية أيلول كتاباً إلى المديرية لإبلاغها بأنّه يتعذّر عليهم تأمين السلع الغذائية واللحوم والخضار والفواكه إلى إدارات السجون.
قد لا تأخذ الدولة هذا التهديد على محمل الجد، ما يشير إلى أن توقّف المتعهدين عن قيامهم بالمهمّة شبه حتمي، وهو الأمر الذي يُعرّض أكثر من 6 آلاف سجين وسجينة في السجون المركزيّة إلى المجاعة باستثناء القادرين على شراء السلع الغذائية، ليزيد من مخاطر حالات الوفاة التي ارتفعت في الأشهر الأخيرة بسبب الإهمال الطبي وفقدان الأدوية.