مدارس رسمية “مُهدّدة”.. هل سينتهي العام الدراسي قبل انطلاقه؟
كتبت ايناس القشاط:
دقّت الساعة وبدأ “أيلول المدارس”، لكنّ صورة العام الدّراسي ضبابيّة. فكما جرت العادة خلال السنوات الماضية، كان من المفترض أن يعود الطلاب إلى صفوفهم خلال هذا الشهر، لكن ما يبدو هو أنّ العودة ستكونُ مؤجّلة إلى شهر تشرين الأول أو قد “لا تكون”. هنا، الأمرُ لا يرتبطُ بفرضية أو توقّع، بل هو إقرارٌ واضحٌ من قبل معنيين بملف التعليم في لبنان، إذ كشفوا عن هواجسَ تتعاظم يوماً بعد يوم بشأن مصير العام الدراسي في ظلّ حديثٍ عن إنتهائه قبل بدايته.
المدارس الرسمية “تحت التهديد”
خلال الآونة الأخيرة، برزَ حديثٌ جدِّي على صعيد نيابي يشيرُ إلى أن المدارس الرّسمية ستشهدُ نزوحاً هائلاً للطلاب من المدارس الخاصّة. حتماً، الأمر هذا ليس بجديد في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، لكنه تعزّز بقوة هذا العام مع وجود توقعات بانتقال 150 ألف طالبٍ خلال العام الدراسي من التعليم الخاص إلى الرّسمي، وهنا الطّامة الكبرى والأسئلة الأعمق: كيف يُمكن للمدارس الرسمية أن تستوعب هذا الكمّ الهائل من الطلاب؟ هل هي مُجهزة بما فيه الكفاية لتدارك النزوح الطالبي المُتصاعد إليها؟
في سياقِ هذه المشهدية، تكشفُ معلومات “لبنان24” عن وجود بيانات جديدة لدى وزارة التربية تفيدُ بأن هناك أكثر من 100 مدرسة خاصّة قد أقفلت أبوابها خلال الأشهر الماضية وذلك بسبب تردّي الأوضاع. بحسب المصادر، فإنّ “نزوح الطلاب من تلك المدارس بات أمراً واقعاً، ما يعني أنّ التدفق سيكونُ هائلاً نحو المدارس الرسمية باعتبار أن أقساط العديد من المدارس الخاصة باتت بالدولار”.
مع كل ذلك، ما يُمكنُ تبيانه أيضاً هو أنّ التهديد الذي تواجهه المدارس الرسمية لا يرتبطُ فقط بضعف التجهيزات، بل يتصلُ أيضاً بضعف الإمكانيات المالية لمواكبةِ الأعباء المتزايدة. وهنا، تقولُ مصادر متابعة لشؤون المدارس الرسمية في وزارة التربية لـ”لبنان24″ إنّ “بعض الثانويات الرسمية حصلت على أموالٍ مؤخراً تم إيداعها في صناديقها، إلا أن قيمة تلك المبالغ لا تكفي لسدّ النفقات التشغيلية التي باتت تحتاجُ إلى مليارات الليرات”.
وفقاً للمصادر عينها، فإنّ “هناك مدارس نالت أكثر من 80 مليون ليرة خلال شهر أيار الماضي، إلا أن هذا الرقم قد يمكن صرفه على بعض ليترات من المازوت لتشغيل المولدات وسط انقطاع الكهرباء”، وتضيف: “أما الأزمة الأكبر فترتبطُ بالمُستخدمين ضمن تلك المدارس، إذ أن بعضهم يتقاضى راتبه من صندوق المدرسة الذي يتمثل بحسابٍ مصرفي. هنا، المعضلة الأكبر، إذ أن القيود على السحوبات المالية تجعل هؤلاء الموظفين عاجزين عن الحصول على كافة أموالهم، وبالتالي الإنتكاسة ستكون على جهتي المدرسة وموظفيها”.
مدارس رسميّة مُهددة بالإقفال؟
وفي ظلّ المعطيات المتقاطعة، ما يمكن استنتاجه أيضاً هو أنّ الأزمات الضاغطة باتت تؤثر على ديمومة العمل في بعض المدارس الرسمية وتحديداً تلك الكائنة في المناطق الجبليّة. فخلال فترة الشتاء، من الممكن أن تشهد مدارس في مناطق مرتفعة إقفالاً قسرياً نظراً لعدم وجود قدرة مالية على تأمين المازوت اللازم للتدفئة، وهذا أضعف الإيمان لتوفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب وسط ظروفٍ جويّة قاسية تلوحُ في الأفق. إضافة إلى ذلك، فإن تدني قيمة رواتب المعلمين قد تصعب على هؤلاء عودتهم إلى المدارس، وهذا أمرٌ ألمح إليه مؤخراً وزير التربية عباس الحلبي. وبالتالي، فإن الخطر يحيطُ بالمدارس، ما يعني أن بدء العام الدراسي قد يشهدُ انتكاسةً كبيرة بسبب انعدام الأرضية الملائمة لذلك.
في حديثٍ لـ”لبنان24″، يقول عضو لجنة التربية النيابية النائب ايهاب حمادة إن “المدارس الرسمية غير مؤهلة لاستقبال النزوح الطلابي من المدارس الخاصة، لأن بعضها يعاني من نقص حاد في التجهيزات، لاسيّما نقص في الأمور اللوجستية”.
وأوضح حمادة أن “بعض الأبنية متردّية إلى درجة كبيرة في الكثير من المدارس”، مشيراً إلى أنّ “هناك مشاكل مالية ترتبط بمساعدات المعلمين فضلاً عن مشاكل المازوت والكهرباء التي تضغط بشكل كبير على واقع التعليم”.
واعتبر حمادة أن “الضبابية تلفّ العام الدراسي بأكمله”، لافتاً إلى أن “هذا الأمر تُدركه وزارة التربية ويعرفه المعلمون أيضاً”، وقال: “المشكلة أيضاً هي أن المعلمين باتوا غير قادرين على الانتقال إلى مكان عملهم وكذلك الطلاب، في حين أن بدلات النقل الجديدة لم تتوفر بعد، في حين أن الضمانات الاجتماعية للأساتذة باتت معدومة”.
وتابع: “الجميع يعلمُ أن الوضع كارثي، وهناك صعوبة جداً في بدء العام الدراسي. المنظمات المانحة تتحدّث عن استمرارها بدعم المدارس الرسمية لكن هذا الأمر يحتاج إلى ترجمة واضحة عملية”.
بوادر إيجابية؟
ما يقولُه حمادة تحدثت عنه مصادر في وزارة التربية، إذ قالت لـ”لبنان24″ إنّ “الوزارة تسعى لبدء العام الدراسي رغم الصعوبات “، مشيرة إلى أن “هناك تعاون مع المنظمات الدولية على صعيد دعم المدارس الرسمية، وهذا أمرٌ حصل سابقاً، وسوف يتم استكماله خصوصاً في ظل الظروف الصعبة”.
وبحسب المصادر، فإن “هناك بوادر إيجابية قد نشهدها خلال الفترة القليلة المقبلة”، مشيرة إلى أن “وزير التربية سيشارك في مؤتمر يُعنى بالتربية في الولايات المتحدة، وسيرفع خلاله صوت لبنان من أجل نجدة قطاع التعليم فيه”.
ولفتت المصادر أيضاً إلى أنّ “الحلبي تلقى عرضاً قطرياً لمساعدة القطاع التعليمي في لبنان، لكن العرض المقدّم هو للجامعة اللبنانية فقط، الا أن الحلبي تمنى على المعنيين القطريين، دعم القطاع التعليمي الرسمي الأساسي والثانوي أيضاً”.
إذاً، واستناداً لهذا الواقع الذي يشهدُ تداخلاً بين السلبية والإيجابية، يبقى مُنتظراً توضّح صورة العام الدراسي المقبل، في وقتٍ بات مصير آلاف الطلاب على المِحك في ظلّ أزمة طالت جيلاً بأكمله وتهدد أجيالاً أخرى.