مبادرة “النوّاب التغييريين” أوّل الغيث في تحريك الاستحقاق
النهار
بعد أيام قليلة من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد بدأ المشهد الرئاسي يشهد معالم جدّية لرسم الخطّ البياني لمسار بلورة خريطة طريق أولية على الأقل من شأنها أن تشكل طلائع المواقف التي يمكن أن تبنى عليها التقديرات في شأن المرشحين المحتملين للرئاسة. وشكلت المبادرة التي أطلقها “تكتل النواب التغييريين” ما يمكن اعتباره التحرك الوسيط الأول لكتلة نيابية بين مختلف الكتل النيابية والقوى السياسية، سعياً إلى بلورة توافق جامع على رئيس من خارج الاصطفافات ويحظى بمواصفات تستجيب لواقع ما بعد الانتفاضة الشعبية.
وإذا كان مبكراً الحكم على حظوظ نجاح هذه المبادرة في اختراق الانقسامات العمودية العميقة التي تطبع واقع الاستحقاق الرئاسي في انتظار تبيّن ردود فعل مختلف الكتل والقوى، فإنّ رصد ردود الفعل عليها سيبدأ أول الأمر من معراب التي تشهد عصر اليوم إقامة القداس والاحتفال السنوي في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية والذي يلقي خلاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خطاباً سيتّسم بأهمية ودلالات لكونه يأتي عند مفترق مصيري للبلاد. ومن غير المستبعد، في سياق تناول جعجع لملف الاستحقاق الرئاسي الذي سيكون الموضوع المحوري في خطابه، أن يتضمن خطابه موقفاً من مبادرة النواب التغييريين. ويشار هنا إلى أن احتفال معراب سيشهد هذه السنة تطوراً إيجابياً لجهة قرار قيادة حزب الكتائب أن تتمثل في الاحتفال القواتي المركزي وسيمثل الحزب النائبان نديم الجميل وسليم الصايغ مع وفد كتائبي رفيع، الأمر الذي يعكس تطوراً إيجابياً في عملية معالجة العلاقات بين الحزبين عند مشارف الاستحقاق الرئاسي.
أما مبادرة “تكتّل نواب قوى التغيير” فارتكزت إلى إعلان تصميمه “على مقاربة الشأن العام بطريقة منتجة لننقذ الوطن من هذه المشهدية بعد أن دُمرت سيادة الدولة وبعد اغتيال علاقاتنا العربية وزجّنا في مشاكل خارجية”. وأوضح التكتّل في مؤتمر صحافي عقده بحضور نوابه الـ13 أمس: “أن المنظومة استهدفت كلّ ركائز الدّولة ولدينا دور تاريخي اليوم وأحد هذه الأدوار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويجب أن يتحوّل استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية من استحقاق تسويات إلى استحقاق ننتخب بموجبه رئيساً يلاقي التحولات التي حصلت بعد 17 تشرين، وهذا الأمر يحتاج إلى تضافر الجهود والعودة إلى الدستور وتطبيقه وهذا الحلّ الوحيد للبنان”. وشدد على أن “لا يجوز أن تضع أي جهة يدها على لبنان ونرفض أن تستمرّ جهات بامتلاك لبنان وكي تنجح مبادرتنا عشية الاستحقاق الرئاسي يجب مكاشفة الآخرين بالواقع الذي وصلنا إليه ومدّ اليد للآخرين ومنعاً لأيّ فراغ يجب أن يكون الاستحقاق لبنانياً”. وأضاف التكتّل: “إذا لم يكن الرئيس ضمن صفات مبادرتنا فإنّ التاريخ سيلعننا وانطلاقاً من أهمية هذا الموقع، إن البلاد بأمسّ الحاجة إلى رئيس:
– يكون عن حقّ رمزاً لوحدة الوطن في ظل الظروف الصعبة التي نمر فيها وخارج الانقسامات السياسية والحزبية.
– يحافظ على استقلال وسيادة لبنان، داخلياً وخارجياً، ووحدته وسلامة أراضيه، مستقلاً عن المحاور الإقليمية والاستقطابات الدولية من جهة، وقادراً على أن يستعيد موقع لبنان الخارجي.
– يؤمن بضرورة تكريس دولة المواطنة بعيداً عن الطائفية، تكون مسؤولة عن كلّ مواطنيها تحميهم وتدافع عنهم، تمارس عبر مؤسّساتها الدّستوريّة سيادتها الفاعلة وسلطتها الحازمة بعدالة على كامل أراضيها وتصون حدودها بكلّ المعايير الوطنيّة، وتمتلك السّلطة العليا المُطلقة على أرضها ومؤسّساتها وخياراتها ومواقفها.
– ينحاز لمصالح غالبية الشعب اللبناني ومستعد للعمل على تعديل ميزان القوى الكفيل بتحديد دقيق للخسائر والحفاظ على أصول الدولة، وتوزيع المسؤوليات العادل وتحميل الخسائر للمصارف وأصحابها ومجالس إدارتها والمستفيدين من الهندسات المالية، مع حماية أموال المودعين.
– يحترم حرية الضمير والمعتقد والتنوع الديني وينبذ الطائفيّة والمذهبية والمناطقية ويؤمن بحقوق الأفراد والمساواة بين مختلف شرائح المجتمع وعلى كل الصعد.
– يحتكم إلى الدستور ويسهر على تطبيق نصوصه ويمارس صلاحياته ويسهر على احترام القوانين.
– يؤمن بضرورة إرساء نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، يتّسم بالفعالية والعدالة والاستدامة ضمن اقتصاد حرّ.
– يكون قادراً على فرض إقرار وتطبيق خطة تعافٍ اقتصادية توازن بين استعادة فعالية الاقتصاد والحفاظ على الطابع الحر للاقتصاد من جهة، واستعادة الدولة لدورها في تحقيق العدالة الاجتماعية بصفتها مبدأ دستورياً نصت عليه مقدمة الدستور عبر تأمين شبكة الحماية الاجتماعية لعموم المواطنين والمواطنات.
– يعيد بناء مؤسسات الدولة وإداراتها على أسس حديثة وعصرية.
– يتمسك بالحريات العامة والفردية.
– يتمسك بفرض إعادة إنطلاق مسار العدالة في جريمة العصر فاجعة 4 أب، وحماية التحقيق من التدخلات السياسية المعرقلة للعدالة الذي يعتبر الممر الإلزامي للوصول الى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عنها وضمان حقوق أهالي الضحايا والمتضررين وكلّ الناس، والانتهاء نهائياً من ثقافة الإفلات من العقاب.
– يعمل على استعادة دور السلطة القضائية واستقلاليتها ونزاهتها، عبر تحصين القضاء العدلي والإداري والمالي.
– يستعيد الصلاحيات السيادية الأمنية والدفاعية والمالية والاقتصادية للدولة المركزية من جهة، ويدعم تطبيق اللامركزية الإدارية الفعالة على مستوى المناطق من جهة أخرى.
– يحافظ على لبنان واحداً موحداً بحدوده البرية والبحرية ويصون ثرواته أينما وجدت ويعمل على ترسيم الحدود أمام المراجع الدولية المختصة وفاقاً للقوانين الدولية.
– يعيد التوازن للنظام البرلماني ولمبدأ الأكثرية والأقلية في الحكم، ويعيد الانتظام والاعتبار إلى المؤسسات الدستورية كي تعود وتكون مركز القرار الحقيقي في الدولة.
– يطلق ديناميكية البحث الهادئ والعقلاني والشجاع حول طبيعة النظام السياسي وسبل تطويره.
وأعلن التكتل انه: “سيبدأ بعقد سلسلة من المشاورات الشعبية والسياسية لعرض المبادرة الرئاسية في لبنان والاغتراب بدءًا بالمجموعات والأحزاب التي تؤمن بثوابت 17 تشرين وصولاً إلى القوى كافة لإيصال شخصية تتوافق مع معاييرنا للرئاسة، وسنكشف للناس نتائج جولاتنا، وفي حال انقضاء المهلة الدستورية من دون انتخاب رئيس سنلجأ إلى وسائل الضغط الشعبية”.
وفي انتظار ما سيعلنه جعجع اليوم نسبت “وكالة الأنباء المركزية” الى مصادر معراب قولها “لا شكّ ان تقدمًا احرز على مستويين اساسيين، الاول، المواقف التي تطلق من النواب الـ 13 لجهة منع وصول رئيس من 8 آذار وهذا امر يتقاطع مع موقف “القوات” لجهة انّ ايّ رئيس من 8 اذار هو كارثة كبرى. الثاني يتعلق بالمواصفات التي وضعت وهي أساسًا موضوعة سابقًا من “القوات” إن لجهة أن يحافظ الرئيس على سيادة لبنان الداخلية والخارجية، سيادي بامتياز يطبق الدستور في الداخل ويمنع استهداف الدول الخارجية فلا يكون لبنان منصة لهذا الاستهداف، بل ممسكًا بالاستراتيجية الدفاعية وبالاستراتيجية الخارجية، او لناحية ان يحافظ على أصول الدولة أي ان يكون رئيسًا إصلاحيًّا فلا يبدد اموال الدولة ويتحدى الفساد، واخيرًا بالنسبة الى تحقيق العدالة والمساواة وهي غير مطبّقة في لبنان في ظلّ وجود فريق مسلح يستقوي بالسلاح على سائر اللبنانيين”.
وأضافت: “هذه المواصفات جيدة تشكل منطلقًا ونقطة ارتكاز للوصول الى شخصية تستطيع فعلًا ان تحمل هذه المواصفات، ليس شعريًا ودفتريًا بل ان تكون لديها القدرة لترجمة الاقوال الى افعال بالنسبة لكلّ ما تقدم. الامور تتطور والاتصالات تستكمل و”الحكيم” سيتطرّق غدًا الى الملف الرئاسي من باب المواصفات الرئاسية وضرورة توحّد قوى المعارضة لأن من دونها لا يستطيع اي فريق ان يأتي بالرئيس المطلوب في ظل منظومة مسلحة وفاسدة، ما يوجب ان يتجاوز البعض كلّ اعتباراته من أجل المصلحة العامة وتجسيد اقتراع اللبنانيين من أجل السيادة والإصلاحات”.
في المقابل، يعقد رئيس”التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل مؤتمراً صحافياً الثلثاء المقبل بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي”، يفنّد فيه ملف تأليف الحكومة والاشتباك الدستوري حول حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسيّ، ويردّ على مواقف الرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر.
الى ذلك، أكّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي “انّ قوّتنا ليست بحمل السلاح، بل بصمودنا في الإيمان والصلاة والقِيم كما عاش أجدادنا وهيأوا ولادة لبنان الكبير عام 1920”. وقال خلال جولة في عدد من قرى وبلدات قضاء زغرتا الواقعة ضمن نطاق أبرشية طرابلس ورافقه راعي الأبرشية المطران يوسف سويف، “أؤكّد لكم أنّ إيماننا مبني على الصخرة ولذلك لا نتأثر، ولو كنّا متأثرين مادياً ومعنوياً، ولكن إيماننا يبقى ثابتاً كالصخر، فأجدادنا مرّوا بظروف أقسى، وصمدوا بإيمانهم وصلاتهم واستطاعوا أن يبنوا لبنان، واليوم دورنا نحن أن نصمد بالصلاة والإيمان”.