محلياتمن الصحافة

أيلول في جزئه الأول: لبنان “مقطوع حسّه”

يطالب الموظفون برفع أجورهم وتعديل حالتهم، فرفضوا منذ الثلاثاء الحضور إلى مراكز عملهم بما يعنيه ذلك من توقف أعمال الهيئة من خدمات وصيانة على كامل الأراضي اللبنانية، ومن دون استثناء أي قطاع “حتى إشعار آخر”. كما أن نفاد مادة المازوت في السنترالات أدى إلى توقف خطوط الهواتف الأرضية وخدمة الإنترنت في الجنوب، الشمال وبعض المناطق البيروتية بشكل كامل، الأمر الذي سبّب امتعاضاً لدى أهالي البلدات في ظلّ انتشار ثقافة العمل والتعلّم عن بعد، الأمر غير السهل تطبيقه في لبنان. وفي وقت تحصل معظم الشركات المزوّدة للإنترنت على الخدمة من هيئة “أوجيرو”، أعلنت شركتا توزيع الإنترنت IDM وCyberia توقف الخدمة لدى العديد من المشتركين على الأراضي اللبنانية، بسبب أعطال متفرّقة في السنترالات الموجودة في بيروت وفي مختلف المناطق، كما وهو نتيجة لإضراب الموظفين في شركة أوجيرو، “الذي يطال كل الشركات المزوّدة لخدمة الإنترنت في لبنان”، بحسب بيان صادر عن الشركتين.
وأدى توقف الاتصالات إلى انقطاع خطوط طوارئ بالغة الأهمية في البلاد، مثل رقم طوارئ الصليب الأحمر، ورقم طوارئ جمعية “أمبريس” المعنية بالصحة النفسية والوقاية من الانتحار. ما هي أسباب الإضراب؟

في بيان أصدرته نقابة موظفي “أوجيرو”، عبّرت عن اعتراضها على نقاط عدّة لم تعدّل في قانون الإتصالات، خاصة بما يتعلّق بمصير حوالي 2500 عائلة. كما كشف البيان عن عدم تأمين الاعتمادات اللازمة لبدلات النقل والمساعدة الاجتماعية التي تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء، ولا لتسيير المرفق العام من كلفة محروقات وصيانة معدات، فضلاً عن خفض وزارة المالية اعتمادات الرواتب والأجور عن الأعوام السابقة. كما ذكّر بمطالبة تحويل رواتب عمال وموظفي “أوجيرو” أسوة بالعاملين في قطاع الخليوي، فهم يهدفون بالتالي إلى احتساب رواتبهم على سعر الدولار المحدد على منصة “صيرفة”، بدلاً من احتسابها على سعر الصرف الرسمي الذي لا يزال مثبتاً على 1500 ليرة. واعتبر بيان النقابة أن “الكيل فاض وعيل صبرنا أمام طريقة التعاطي مع أكبر مؤسسة منتجة على الأراضي اللبنانية، والتي لم تتوقف يوماَ عن تقديم خدماتها على رغم كل الظروف الصعبة”، معلناً عجز الموظفين “عن تقديم المزيد من التنازلات والتضحيات إزاء المعنيين الذين لا يقدرون حجم جهودنا”. القرم: المفاوض الأول والأخير

لا يبدو أن موظفي “أوجيرو” يمزحون في إضرابهم هذه المرة، فقد رفضوا في المحاولة الحكومية الأولى خلال لقائهم وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم التراجع عن إضرابهم المفتوح قبل تنفيذ مطالبهم كافة، بعد إجتماع استمر لأربع ساعات تقريباً. وكان القرم، الذي توقع انفراجة في هذا الشأن بحلول الأسبوع المقبل، أشار إلى أن ثلاثة من مطالب الموظفين ليست مستعصية وهي من ضمن القوانين المرعية الإجراء، أما المطلب الرابع الذي لم يكشف عنه الوزير، فيحتاج إلى استشارة قانونية من المتوقع الحصول عليها يوم الثلاثاء المقبل من هيئة الاستشارات. وأوضح القرم في حديث لـ”لبنان24″ أنه كان من المفترض أن يتسلّم صباح اليوم الجمعة من هيئة “أوجيرو”، المرسوم الذي يجدر به تقديمه إلى وزير المالية، وأن تكون الإستشارة التي طلبوها موجودة أيضاً كي يقدّمها إلى هيئة الإستشارات، إلا أن اجتماع مجلس إدارة “أوجيرو” هو من أخّر هذا الأمر إلى ما بعد الظهر. وأضاف القرم أن لدى الوزارة خارطة طريق واضحة تسهّل الخروج من الأزمة الحالية، إلا أنه طلب من موظفي “أوجيرو” ومن جميع المعنيين في النقابة، عدم الإقدام أو الإستمرار بأي خطوة من شأنها أن تصرّ بالمواطنين. كما كشف عن وجود تباينات بين آراء موظفي “أوجيرو” الذي يستمر
بالتواصل معهم، قائلاً إنه يتعيّن على الحكومة تلبية مطالبهم المحقة وخاصة فيما يتعلق بالرواتب التي من المفترض أنها مؤمنة من أموال زيادة التعرفة”. وقال القرم: “أتمنى ألا تزداد الأمور سوءاً ريثما كانت المواضيع تحلحلت بالمسعى الذي أقوده”، مشدداً على أنه إذا “كانت طلباتهم محقّة، فهذا لا يعني أنه يتعيّن على المواطن دفع ثمنها”. المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية اتفق مع القرم في وجهة نظره الأخيرة، فشدد في حديث سابق له، على أنه حتى ولو كانت مطالب الموظفين محقة، إلا أنه لن يسمح بأن يتمّ اتخاذ المواطن والمشترك رهينة. واعتبر كريدية أنه يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار أن “الحكومة غير قادرة على إفساح المجال لمطالب كهذه ستجر بعدها حتماً قضايا مطلبية أخرى وكثيرة للقطاع العام في ظل الوضع الصعب”. قد تكون لعبة الرهان على الوقت من أكثر الألعاب إرضاءً في لبنان، الذي يعتاش من غير نفس على لقمة خبز مسحوبة من فم أبنائه، يتناولونها في عتمة شبه تامة. والآن، بات صوتهم “مقطوع حسّه” حرفياً إلى حدّ أنه ضاع بين سندان المطالب المحقة ومطرقة الفراغ الذي دقّ ناقوسه شهر أيلول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى