محليات

بعد بيان بعبدا “الناري”…هل “تتيسّر” عملية تشكيل الحكومة؟!

في بيان وُصِف بـ”الناري”، ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون على البعض من السياسيين والإعلاميين الذين ينسبون إلى الرئيس مواقف وخطوات وإجراءات “هي في الواقع ادعاء في قراءة النوايا، وضرب في الغيب من جهة، ومحض اختلاق وافتراء من جهة ثانية”، بحسب ما جاء في بيان بعبدا، الذي تحدّث أيضًا عن “سيناريوهات من نسج الخيال”، وعن “محاولة افتعال فتنة وإثارة نعرات طائفية ومذهبية”.

وعلى الرغم من أنّ بيان بعبدا بدا في مجمله عالي السقف، وصولاً إلى حدّ حديثه عن “أولاد حرام” لم يسمّهم، قال إنّهم “يقوّلون الرئيس ما لم يقله، ويحملونه وزر أفعال لم يفعلها”، فإنّ استحضاره الملف الحكوميّ لم يكن بالحدّة نفسها، حيث اكتفى بالإشارة إلى أنّ مواقفه تستند إلى قاعدة ثابتة لديه حول “ضرورة حماية الشراكة الوطنية، والمحافظة على الميثاقية، وتوفير المناخات الإيجابية التي تساهم في مواجهة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد”.

فبين الطابع “الهجومي” للبيان، الذي يأتي بعد التداول بسلسلة سيناريوهات واجتهادات وفتاوى بدت “غب الطلب”، وبين “المرونة” التي يبديها على المستوى الحكوميّ، ثمّة العديد من علامات الاستفهام التي تُطرَح، فهل يمهّد البيان لـ”انفراجة حكومية” قد تترجم على صعيد المشاورات الرئاسية، خصوصًا في ظل الحديث عن مبادرات ووساطات تنشط على أكثر من خط؟ وهل يعني ذلك طيّ الصفحة عن “التصعيد” الذي بدأ الكثير من القيادات “العونية” بالترويج لها في الأيام الأخيرة؟

“رسائل” عون

صحيح أن بعض التسريبات التي أراد رئيس الجمهورية “وضع حدّ لها” كما جاء في بيان بعبدا، صدرت أساسًا من “البيئة الصديقة”، إن لم يكن “الحاضنة”، باعتبار أنّ وسائل إعلامية تعتبر قريبة من “التيار الوطني الحر” كانت أول من روّج لهذه “السيناريوهات”، مستندة إلى “مصادر رفيعة المستوى” من “التيار”، إلا أنّ اعتبارات عدّة أملت على دوائر بعبدا إصدار بيان السبت “الناري”، بحسب ما يقول المطّلعون على أجواء المحيطين بالرئيس.

وفي حين يرى هؤلاء أنّه لم يكن “محض صدفة” أن يصدر هذا البيان بالتحديد، بعد الموقف اللافت الذي أطلقه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، لجهة الحرص على صلاحيات رئيس الحكومة، ورفض المسّ بها، ودعوته إلى احترام النصوص الدستورية، وعدم الالتفاف عليها، يشيرون إلى أنّ بعبدا استشعرت في مكان ما “خطورة” بعض التسريبات، التي ذهبت بعيدًا لحدّ الحديث عن “تمديد قسري” للرئيس، بل عن “سحب تكليف” مع إمكانية تشكيل حكومة خارج كلّ الأصول والأعراف.

ويقول العارفون إنّ “الرسائل” التي أراد الرئيس إيصالها من البيان، الذي تزامن أيضًا مع بعض التسريبات حول “تحذيرات دولية” تلقتها بعض الأوساط، من مغبّة عدم مغادرة قصر بعبدا في الوقت المحدّد، جاءت واضحة لا تحتمل اللبس، وهي تعيد الأمور إلى نصابها السليم، فحتى لو كان الرئيس يعتبر أنّ تسليم البلاد لحكومة تصريف أعمال “إشكاليّ”، يبقى المطلوب أن يكون علاج هذه الثغرة من “صلب الدستور”، عبر تسهيل تشكيل حكومة وفقًا للأصول، وليس بالالتفاف على الدستور.

الترجمة المطلوبة

من هنا، يرى العارفون أنّ المطلوب من الرئيس عون “ترجمة” بيانه من خلال خطوات عمليّة تؤدّي إلى “تيسير” ولادة الحكومة بالتعاون مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في أقرب وقت ممكن، واستنادًا إلى التشكيلة التي قدّمها منذ اللحظة الأولى، مع التعديلات اللازمة عليها، ووفق “الإيجابيات” التي انبثقت عن اللقاءات الأخيرة التي جمعتهما، بعيدًا عن أجواء “التشويش” التي كانت تعقب بعضها، حاملة بصمات رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل.

ولعلّ ما يعزّز هذه “الترجمة المطلوبة”، يتمثّل في الحديث عن الوساطات والمبادرات التي عادت لتنشط، حيث يُحكى أنّ “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري دخلا على خط “تقريب وجهات النظر”، من أجل ضمان ولادة حكومة مكتملة الأوصاف في أقرب وقت ممكن، بما يسهم في تفادي “سيناريوهات” الخلافات الدستورية التي يمكن أن تنجم عن عدم تأليف حكومة قبل انتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل.

وفي حين “يهمس” البعض بأنّ حكومة جديدة ستبصر النور في الأيام الأخيرة من “العهد”، بعد أن يستنفد كلّ الأطراف أوراق القوة المتوافرة بين أيديهم، ثمّة من “يراهن” على “دخان أبيض” يجب أن يتصاعد هذا الأسبوع من قصر بعبدا، طالما أنّ النية أصبحت متوافرة، خصوصًا أنّ العدّ العكسي لانتهاء الولاية الرئاسية قد بدأ، ما يفرض تشكيل الحكومة وحصولها على الثقة في غضون شهرين فقط، لتستلم صلاحيات الرئيس في حال وقوع الفراغ الرئاسي، كما هو مرجَّح.

بين بيان بعبدا، والتسريبات المتلاحقة التي يبدو أنها لن تنتهي فصولاً، واللقاءات المرتقبة في بعبدا، ثمّة من يؤكد أنّ تشكيل الحكومة هو “الحلّ الأمثل” للهروب من “جحيم” بعض السيناريوهات المتداولة، لكنّ المهمّة تتطلب من الفريق الرئاسي “تعاونًا” مع رئيس الحكومة المكلّف، من دون “شروط مسبقة”، يطرحها البعض من هنا أو هناك، فهل مثل هذا الأمر وارد؟ قد تكون الأيام القليلة المقبلة “حاسمة” في هذا الإطار…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى