4 أسئلة وجهها جنبلاط للسيّد حسن
عملياً، اختار جنبلاط الطريق الأسرع إستعداداً لكل ما هو إحتمال سياسي، آخذاً بالإعتبار حجم ودور حزب الله داخلياً وإرتباطاته الخارجية وتحديداً مع إيران. في عقل وليد جنبلاط أن المنطقة وفي ظل ارتفاع عناصر التوتر تبقى أمام أحتمالين: الذهاب إلى توتر عسكري ، أو الجلوس إلى طاولة التسويات. هذا التقدير السياسي كان أصل الأسباب، وأهمها:
– أوّلاً، جاء اللقاء على مسافة أسبوعين من دخول لبنان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا مسار قرر جنبلاط إفتتاحه باكراً ملتقطاً لحظة إقليمية ودولية لا بدَ أن يكون لها انعكاس على الساحة الداخلية، وبالتالي على على مجريات الاستحقاق الرئاسي. لذا فإن تحركه كان يهدف إلى تسوية تجعل ممكناً التفاهم على شخص الرئيس وبرنامج المرحلة المقبلة.
– ثانياً، كان جنبلاط بين :التقدم والإنكفاء . فإما أن ينكفىء كما حصل عام 2014 يو رشح هنري الحلو تملصاً من الإصطفاف العامودي، أو يتقدم بطرح سياسي لإنجاز تسوية سيعود غليها اللبنانيون عاجلاً أو آجلاً كما هي العادة. وهذا ما أكّده أمام وفد الحزب من وجوب انتخاب رئيس غير استفزازي وغير محسوب على محور وطرف، وقادر على إعادة نسج علاقات لبنان العربية والدولية.
ـ ثالثاً، حاول جنبلاط إنتزاع جواب من الحزب، فأجابه الحاج حسين خليل بأنّ حزب الله حريص على التوافق معه ومع الرئيس نبيه بري ومع القوى الأخرى لإنتخاب رئيس للجمهورية. وشدّد جنبلاط على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها بدلاً من تعطيلها، وهو بذلك أراد تحقيق نقطة أخرى تتعلّق بضرورة عدم التزام الحزب بدعم مرشّح والإلتزام به ما قد يؤدي إلى تعطيل الاستحقاق لحين توافر ظروف انتخاب رئيس كما حصل بين العامين 2014 و2016.
جنبلاط يحذر من “فخ” الحرب
كان الأمن حاضراً بقوة في أولويات جنبلاط خصوصاً مع ما يلف موضوع الترسيم البحري مع إسرائيل، خصوصاً أن وفد الحزب كرر ما أعلنه السيد حسن نصر الله من أنّه “إذا لم يُسمح للبنان بالتنقيب فيما عملت إسرائيل على الاستخراج، فإنّ الحرب ستكون أفضل من الموت في الذلّ والانتظار على أبواب الأفران”. الأمر الذي دفع جنبلاط إلى نصح الحزب وتحذيره من “فخ الحرب” الذي قد يكون منصوباً، مُشدداً على وجوب انتظار الوساطة الأميركية “لا سيّما أنّ الأميركيين يؤكّدون أنّهم يريدون الوصول إلى حلّ”، فأجاب حسين خليل: “منذ سنة تحدّث الأميركيون عن الغاز المصري وحتى الآن لم يصل”.
مضمون رد “حزب الله” في ما بدا أن طبول الحرب تقرع عنده ، دفع جنبلاط للتوسع أكثر فأكثر طارحاً أسئلة تتّصل بقراءة الحزب لمسار الترسيم ومدى إرتباطه بمسار فيينا ومفاوضات الاتفاق النووي، وما إذا كانت تتعلق بإيران وليس بلبنان، لكنّ وفد الحزب سارع إلى الإجابة بالنفي والقول إنّ “حزب الله يخوض معركة الدفاع عن ثروة لبنان، ولا علاقة للاتفاق النووي بذلك، وإذا وافقت إسرائيل وأميركا الآن على الشروط وسمحت للبنان بالتنقيب فيما كانت مفاوضات فيينا متعثّرة فسيُقرّ الترسيم”.
وإذ شعر فد حزب الله الذي بأهمية وجدية القلق عند جنبلاط، فقد سارع إلى طمأنته وتكرار ما أعلنه نصر الله قبل إرسال المسيرات فوق حقل كاريش عن أنه “يقف خلف الدولة ويدعم موقفها”، لا بل أكد “إنتظار ما ستقرّره الدولة اللبنانية” بعد جواب الوسيط الأميركي.
الإصلاحات ونتائج التحالف مع باسيل
ذهب جنبلاط في النقاش إلى مرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية، من دون أن يعني ذلك أنه بصدد بناء تحالف مح الحزب بقدر ما كان يسعى لتثبيت عناصر الإستقرار، وشدد خليل وصفا أن تكون الإجابات على أسئلته من نصر الله شخصياً. مضمون الأسئلة توزع بين الإصلاحات ونتائج تحالف حزب الله مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وما تركته من علامات إستفهام على هذا الحزب.
في شق الإصلاحات والوضع الإقتصادي كانت أسئلته إلى أمين عام حزب الله: هل الحزب جدّي في الوصول إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ وهل هناك استعداد لدعم مسار هذه المفاوضات والوصول إلى اتفاق؟
بإنتظار الإجابة في لقاء لاحق يُعقد فور جهوز الأجوبة، تطرق إلى العلاقة بين الحزب وباسيل، ولم يتأخر عن توصيف العلاقة بين الطرفين على أنها “تخادمية” ذلك أنّ باسيل استفاد منها إلى أقصى الحدود من خلال ابتزاز الحزب في كلّ الملفّات مقابل أن يقدم هو تغطيته في الداخل. وهو إذ عاين هذه العلاقة مما صار شائعاً في البلد، فقد نبه ضيفيه إلى أنّه “لا يمكن للحزب أن يكون أسيراً لدى باسيل ولا أن يتمّ تصويره وكأنّه موظّف لديه”.
في السياق عينه، أثار جنبلاط ملف الكهرباء “كونه لم يعد بالإمكان ترك هذه الوزارة في يد التيار الوطني الحرّ ولا بد من تشكيل هيئة ناظمة تشرف على إنجاز خطّة للكهرباء”. وركّز أيضاً على ضرورة إنشاء صندوق سيادي لإدارة الثروة النفطية، لأنّ ذلك يندرج في سياق حماية الثروة أيضاً، كي لا يستغلّها بعض النافذين الذين عملوا على تأسيس شركات نفطية هدفها الاستثمار فيما بعد، وهو كان يغمز من قناة باسيل.
قراءة جنبلاط الإقليمية والدولية
في خطوة جنبلاط توقيت أساسي يرتبط باستحقاقات إقليمية ودولية أيضاً، أهمّها السعي الأوروبي والأميركي الحثيث إلى الوصول إلى اتفاق نووي، وهذا يمكنه وضع المنطقة أمام احتمالين:
ـ الأوّل، أنّه إذا تعثّرت مفاوضات فيينا فقد يكون هناك تصعيد، وحتماً سيتأثر لبنان، وهذا ما يحاذره جنبلاط منذ الآن وإستباقاً لأي سيء قد يطرأ. لذا أراد تهدئة الوضع الداخلي وترتيب الساحة اللبنانية لعدم حصول أي صدامات أو توتّرات.
ـ الثاني، أنه في حال إبرام الإتفاق ستكون له انعكاسات على الوضع في المنطقة من خلال ترتيب تسويات ووقائع سياسية جديدة، ولبنان سيكون من أبرز المتأثّرين بها على وقع الاتفاق الإيراني الأميركي، والتنسيق الإيراني الفرنسي، فيما لا يمكن فصل المفاوضات السعودية الإيرانية أيضاً عن هذا السياق. ولذلك اختار طريقاً أسرع للاستعداد حفظاً لدوره في أية تسوية، وكذلك لقطع الطريق على حزب الله كي لا يتفرد الأخير بخيارات التعطيل والتسيير.
وليد وتيمور والكنيسة
لوليد جنبلاط حساباته السياسية داخل بيئته وصلتها بالكنيسة المارونية. فهناك “خط إستقلالي” يشتقه حالياً نجله تيمور في الحزب والبيئة أيضاً، وهذا سياق تراكم منذ العام 2005 و “إنتفاضة الإستقلال”. لذلك توجه رئيس اللقاء الديموقراطي الى الديمان للقاء الراعي على خطّ الموازنة في المواقف وعدم الخروج عن الثوابت، وكدليل دامغ على أنّ الرجل لا ينقلب من ضفّة إلى أخرى. أمّا الحسابات التي تلتقي مع القوى الأخرى فهي حِرَفيّة الرجل وواقعيّته التي يستند إليها للإشارة إلى أنّ الجميع محكوم بالتوافق، للوصول إلى تسوية جديدة، لا تخرج عن سقف وشروط البطريركية المارونية.
تيمور يكرر لعبة والده في مواجهة اسلوب الجد كمال بك لذلك اعتمد التوازن في حركته السياسية.
أودع جنبلاط كل هذه الأسئلة والملفّات في عهدة الحزب، وهو ينتظر الجواب تمهيداً للقاء ثانٍ. وهو بذلك لم يقم بأي إستدارة. يمكن القول أنه اخذ وضعية standby حتى تنجلي المواقف.