“هيستيريا” أسعار السلع الغذائية!
كتبت بلقيس عبد الرضا في “المدن”:
لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى المواطنين، تصدر لبنان المرتبة الأولى عالمياً على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء الصادر مؤخراً (الأول من آب)، متخطياً دولاً مثل زيمبابوي، وفنزويلا، إلا أن محاولات التجار رد الأسباب إلى عوامل جيوسياسية قد يكون مستغرباً جداً، خصوصاً إن كان “جنون الأسعار” يطال سلعاً ومنتجات لبنانية، كالخضار والفاكهة، والتي ارتفعت بأكثر من 200 في المئة خلال الشهرين الماضيين.
ارتفاع غير مبرر
لم يعد مفهوم “هيستيريا الأسعار” مستغرباً في لبنان، ولم يعد مقروناً بارتفاع سعر الدولار، بل بات مفهوماً عاماً، تعاني منه جميع الطبقات اللبنانية، خصوصاً مع غياب أي آليات واضحة لمواجهة ارتفاع الأسعار.
منذ بداية فصل الصيف، لم تشهد الأسواق اللبنانية أي انخفاض في أسعار السلع الغذائية، على الرغم من استقرار سعر الصرف نسبياً. يزعم التجار أن عوامل خارجة عن إرادتهم تحرك الأسعار، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل، والشحن بسبب أسعار الطاقة، وقد يكون ذلك سبباً وارداً لرفع أسعار المنتجات المستوردة، ولكن بالنسبة إلى السلع الغذائية اللبنانية، أو تلك “المهربة” من دول الجوار، فالأمر غير منطقي، ولا مبرر.
تقول مريم حيدر (أم لثلاثة أبناء): “من المستغرب جداً كيف يتم تسعير البضائع، إذ يمكن أن تجد السلعة نفسها بأسعار مختلفة في عدة أماكن”. تضيف لـ”المدن”: “اعتدنا على رفع أسعار المعلبات المصنعة محلياً مع تذبذب سعر الصرف، ولكن من المستغرب أن السلعة نفسها، نجدها بأسعار مختلفة في عدة نقاط للبيع، فعلى سبيل المثال، يصل سعر علبة الفول أو الحمص لأكثر من 30 ألفاً في بعض المتاجر في العاصمة، وترتفع في مناطق أخرى، لأكثر من 40 ألفاً. لا يختلف الأمر بالنسبة إلى المعكرونة أو الصلصة، التي تشهد اختلافات في سعرها ما بين 5000 و7000 ليرة تبعاً لاختلاف المناطق”.
غياب الرقابة
لا تخضع السلع اللبنانية المستوردة أو حتى المصنعة محلياً إلى أي قوانين مرعية، على الرغم من أن وزارة الاقتصاد مولجة، من خلال مصلحة حماية المستهلك، مكافحة ارتفاع الأسعار. لكنها لم تنجح إلى حد كبير في لجم الارتفاعات غير المبررة، وهو ما دفع رئيس الجمهورية اللبنانية في أيار الماضي إلى توقيع مرسوم يحمل الرقم 9334 والقاضي بتشكيل “المجلس الوطني لسياسة الأسعار”، إلا أن هذه المجلس أيضاً لم ينجح في توحيد الأسعار داخل المناطق اللبنانية.
يعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن هذه الفوضى في الأسعار، سببها عدم قدرة السلطات اللبنانية على مواجهة التجار، الذين يستفيدون برأيه من ارتفاع سعر الدولار، لزيادة الأسعار. يقول لـ”المدن”: “من الواضح أن هناك خطة ممنهجة، من التجار والمصارف، بهدف “دولرة الأسعار”، بمعنى أن يتم فرض الأسعار بالدولار بدلاً من الليرة اللبنانية، لكن هذه المعادلة غير منطقية، لاعتبارين، الأول أن فئة بسيطة جداً لاتزال تتقاضى رواتبها بالدولار، لا تتعدى 5 إلى 8 في المئة، فيما الباقي، لا يزال يتقاضى راتبه بالليرة، ويكون السؤال، الأساسي، من أين سيأتي المواطن بالدولار لشراء الغذاء؟”.
حتى المنتجات الزراعية تحلق
لم تكن السلع المستوردة، أو المصنعة محلياً الوحيدة التي تعاني من ارتفاع في أسعارها، بل أيضاً شمل الارتفاع أسعار الخضار والفاكهة، فلكم أن تتخيلوا أن سعر باقة البقدونس، أو حتى النعنع ارتفع في الأسابيع الماضية لأكثر من 50 في المائة، والسبب في ذلك، أسعار المحروقات. إذ تباع الباقة الواحدة من 4000 ليرة في المناطق الشعبية داخل بيروت، وترتفع إلى 8000 ليرة في مناطق أخرى في قلب العاصمة، وحتى يمكن أن تجدها بسعر يصر إلى 12 ألف ليرة في بعض السوبرماركات الكبرى، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى سعر الخضار الأساسية المطلوبة على مائدة اللبناني، مثل البطاطا، الحامض، الكوسا، وغيرها.
لا ينفي أحمد ياسين، الذي يعمل في مجال تجارة المواد الغذائية في منطقة خلدة جنوب العاصمة اللبنانية، أن الأسعار لم تشهد انخفاضاً منذ شهرين تقريباً. ويؤكد لـ”المدن” أن التجار تكبدوا خسائر بسبب التلاعب في سعر الدولار سابقاً، وتحديداً منذ بداية العام، حين وصل سعر الصرف إلى 38 ألف ليرة، بسبب الاستحقاقات السياسية، وعاود وانخفض 10 ألف ليرة دفعة واحدة، ولذا بات هناك شبه عرف بين التجار على إضافة ما بين 2000 و3000 ألف ليرة على سعر الصرف في السوق الموازي، حتى يضمن التاجر حقه في الاستيراد والتصدير.
يرجع بدوره نقيب مستوردي السلع الغذائية في لبنان هاني بحصلي، ارتفاع الأسعار إلى الأزمة الاقتصادية، وارتفاع مستوى التضخم عالمياً، يضاف إليها، حسب بحصلي، أزمة تدني سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وهو ما يجعل الأسعار تبدو أعلى من السابق.
هذه المبررات، تدفع برو الى الإشارة، بأن أسعار السلع ستستمر في الارتفاع، ويتوقع أن تتفاقم الأزمة في ظل غياب الرقابة والقرارات الإصلاحية وخطط التعافي، وترك ملف الأمن الغذائي بيد التجار والمصارف التي تتحكم بالأسواق.