هل يمدّد لعون في حال اندلاع حرب ؟!
نقل أحد الإعلاميين العرب عن رئيس الجمهورية ميشال عون “تفكير” الأخير بقبول تمديد ولايته الرئاسية إذا اندلعت الحرب، وفق ما أفادت معلومات “النهار” في وقت سابق، ومن غير المعلوم أيّ حرب قصد عون، حرب أهلية، الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، أو الحرب الصينية – الأميركية بشأن تايوان.
قد يستخدم عون أيّ حرب كذريعة لتحقيق مآربه، وتجاربه تشهد لبراعته في إيجاد التفسيرات والحجج لتنفيذ ما يطمح إليه، خصوصاً إذا ما كان الأمر متعلّقاً بموقع رئاسة الجمهورية. ففي العام 1989، تمرّد وبقي في قصر بعبدا، وتقمّص دور رئيس الجمهورية تحت ذريعة الحفاظ على الشرعية. وفي العام 2014، عطّل البلد عامين من أجل انتخابه رئيساً للجمهورية انطلاقاً من مقولة “الرئيس القوي”.
وبغض النظر عن الجو السياسي السائد في البلد، والذي لا يؤشّر إلى إمكانية توافر مقوّمات تسمح بالتمديد لعون، فإن للدستور رأياً حاسماً، ألا تمديد ولا تجديد.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الدستوري سعيد مالك إن “من الثابت، وبالعودة إلى أحكام الدستور، وتحديداً المادة 49 منه، يتبيّن جلياً أن مدة ولاية رئيس الجمهورية محدّدة بست سنوات غير قابلة للتمديد أو التجديد”.
وفي حديث لـ”النهار”، يشير إلى أنّه “في حال نشبت حربٌ أو لم تنشب، وإن قبل رئيس الجمهورية أو لم يقبل، فإن إمكانية التمديد أو التجديد لولاية ثانية لرئيس الدولة أمر غير ممكن دستورياً، إلّا من خلال تعديل دستوري؛ وهذا التعديل يستوجب آلية وأكثرية نيابية تبلغ ثلثي عدد النواب، بالإضافة إلى وجوب أن يكون هناك حكومة قائمة، مع موافقة ثلثي أعضائها على التعديل، إذ لا يمكن تعديل الدستور في ظل غياب حكومة، كما أن التعديل يجب أن يجري خلال انعقاد مجلس النواب في عقد عاديّ لا استثنائيّ؛ وبالتالي شروط تعديل الدستور غير متوافرة، خصوصاً في ظلّ حكومة تصريف الأعمال”.
ويشدّد مالك على أن “لا ظرف استثنائياً أو حالةً تستوجب التوجه نحو التمديد، بل ثمة حظر دستوري على ذلك، وحتى رئيس الجمهورية شخصياً ممنوع من التمديد لنفسه، وبالتالي يكون الطرح الذي يتحدث عنه عون من تمديد في حال الحرب ليس دستورياً”.
أما عن إعادة انتخاب عون مرّة أخرى، فيؤكّد مالك أن “التوجّه نحو هذا الخيار غير ممكن أيضاً انطلاقاً من الدستور، ويُعتبر أي انتخاب لرئيس مرة ثانية مخالفة للأحكام”.
وبناء على ذلك، يلفت مالك إلى أنّه “بتاريخ 31 تشرين الأول، وهو موعد انتهاء الولاية الرئاسية، يقتضي على رئيس الجمهورية مغادرة قصر بعبدا من دون اجتهاد أو تفسير على الإطلاق”.
أما في حال تمرّد عون مرّة أخرى وتمنّعه عن مغادرة القصر، فيذكر مالك أن “في ذلك مخالفة دستورية، وعندها يُعتبر عون شاغلاً للقصر الجمهوري بطريقة غير مشروعة، والدور حينها يقع على الأجهزة القضائية والأمنية من أجل القيام باللازم لإفراغ القصر من شاغليه، لأن القصر الجمهوري يُشغل حصراً من قبل رئيس الجمهورية”.
وفي هذا السياق، يستطرد مالك، “عندما ينقضي تاريخ 31 تشرين الأول، يعود عون مواطناً عادياً، وتسقط عنه صفة رئيس الجمهورية، ويُصبح رئيساً سابقاً، عندئذ يقتضي عليه تسليم قصر بعبدا إلى الدوائر المعنية من دون أيّ اجتهاد أو تفسير على الإطلاق”.
إذاً، وانطلاقاً من الدستور، ثمّة احتمال واحد للتمديد لعون بغضّ النظر عن الظروف الاستثنائية التي لا تأثير لها، وهو التعديل الدستوري. إن مجلس النواب ينعقد حالياَ ضمن عقد حكمي، بمعنى في ظلّ حكومة تصريف الأعمال (ينعقد المجلس حكماً)، لكن وجود مجلس وزراء يصرّف الأعمال وعدم تشكيل حكومة جديدة أمران يعيقان الشروع في آلية التعديل حالياً؛ أما التأليف فيفتح الباب على احتمال التوجّه نحو هذا الخيار؛ وهذا الأمر باتت أسهمه منخفضة جداً، خصوصاً أن الرئيس عون ذاته نعى الحكومة بكلامه في عيد الجيش، علماً بأنّ التعديل الدستوريّ يستوجب أكثريّة نيابيّة تبلغ عددياً ثلثي مجلس النواب، ممّا يعني 86 نائباً من أصل 128، ومن غير المتوقّع أن يوافق هذا العدد في المجلس النيابي الجديد على التمديد لعون لولاية جديدة.
لكن بالرغم من التشتّت الحاصل في البرلمان وتشرذم الكتل، فإن الخريطة السياسية لا تُشير إلى توافر أكثرية نيابيّة يمكنها التمديد لعون، وحتى أن قوى 8 آذار نفسها لا توافق بأكملها على هذا المبدأ؛ فالرئيس نبيه بري ينتظر بفارغ الصبر انتهاء العهد، ومن غير المرتقب أن تؤيّد كتلته التمديد، وبالتالي التجديد ست سنوات للمعارك الضارية التي اندلعت بين الرئاستين الأولى والثانية.
والأمر ينسحب على النائب طوني فرنجيه وحليفيه النائبين فريد الخازن ووليم طوق، في ظل ترشّح رئيس تيارة “المرده” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ناهيك بالرفض المحسوم لكتل وازنة ككتلة “الجمهورية القوية”، و”اللقاء الديموقراطي”، وعدد كبير من النواب المستقلّين المعارضين للسلطة، إلى جانب كتلة “الكتائب”.
إذاً، ما من خيار أمام رئيس الجمهورية ميشال عون إلّا مغادرة قصر بعبدا في 31 تشرين الأول، وكلّ كلام عن التمديد سيكون بمثابة الترويج لسيناريوهات غير دستورية بالدرجة الأولى، إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر مستبعد أيضاً في ظل القطيعة غير المعلنة بين موقعي الرئاسة الأولى والثالثة، وبالتالي، “لا تمديد حتى لو حصلت الحرب”.