لماذا حرب “حزب الله” مع إسرائيل ستكون من مصلحة روسيا؟
فيما يُنتظر أنّ ينقل الوسيط الاميركي للمفاوضات البحريّة غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين أجواء جولته إلى تل أبيب، للمسؤولين اللبنانيين، الاسبوع المقبل، صعّد الامين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله مجدّداً من خطابه منذ يومين، وأعلن أنّه مستعدّ “لاتّخاذ قرار الحرب، لانّ الدولة غير قادرة على حماية ثرواتها البحريّة، وأنّ الولايات المتّحدة الاميركيّة هدفها تأخير لبنانعن استخراج نفطه وغازه، بينما همّها أنّ تقوم إسرائيل بسدّ حاجة الاسواق الغربيّة”، بحسب قوله.
ويقول مراقبون إنّ لبنان لن يقدر على استخراج ثرواته في القريب العاجل، إذ أنّ لا شركات مُحدّدة بعد للبحث والتنقيب عن الغاز، لتأتي مرحلة الاستخراج لاحقاً، وخصوصاً بعد مغادرة شركة “توتال”. في المقابل، فإنّ العدوّ الاسرائيليّ قطع أشواطاً متقدّمة في هذا المجال، ويتحضّر للبدء باستخراج الغاز في الاوّل من أيلول. ورغم كلّ التفاؤل الرسميّ اللبنانيّ بالتوصّل قريباً لاتّفاق مع إسرائيل، يُنهي الخلاف الحدوديّ، فهناك عدّة أسباب بحسب المراقبين، قد تدفع “حزب الله” نحو الحرب.
لقد شهدت منطقة الشرق الاوسط حدثين بارزين، الاوّل يتمثّل بزيارة الرئيس الاميركيّ جو بايدن، طالباً زيادة إنتاج النفط والغاز لدول المنطقة لتغطيّة حاجات الاسواق الاميركيّة والاوروبيّة، ما رأى فيه مراقبون أنّه إعلان صريح بأنّ الولايات المتّحدة لا تريد حرباً بتاتاً في الشرق الاوسط، كي لا يتعطل إمداد الطاقة لها ولحفائها. وثانيّاً، قمّة طهران التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الايراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيّب اردوغان، وقد قرأها المراقبون أنّها ردٌّ مباشر، في التوقيت، على إجتماع جدّة.
ويُشير مراقبون إلى أنّ إيران وحلفاءها قادرون على تخريب الاتّفاق الاميركي – الاسرائيليّ – العربيّ، وذلك من خلال “حزب الله”، عبر منع تل أبيب من إستخراج الغاز، وهكذا لن تقدر على بيعه لاوروبا وواشنطن، وبشكل خاصّ إذا لم يتوصّل الاطراف المتحاورون في النووي الايرانيّ لنهاية سعيدة ومرضيّة لكافة المفاوضين في هذا الملف. والمعلوم أنّ لا تقدّم ملموساً بعد في هذا الموضوع، بعد فشل المحادثات الاخيرة بين أميركا وإيران في العاصمة القطريّة، الدوحة.
ويُضيف مراقبون أنّ لبنان دخل فعليّاً في الحرب الاوكرانيّة – الروسيّة، من بوابة الحدود البحريّة، وأيّ عمل حربيّ من قبل “حزب الله” في حقل “كاريش” أو غيرها من الحقول والاهداف الاسرائيليّة التي أعلن عنها السيّد نصرالله، سيصبّ في مصلحة روسيا، الحليف الاستراتيجيّ الاساسيّ لـ”الحزب” في سوريا، وفي المنطقة. ويلفت المراقبون إلى أنّ التطوّر العسكري الذي تعارضه واشنطن وإسرائيل التي تتخبط بأزمة سياسيّة كبيرة، سيكون نقطة تحوّل رئيسيّة في تبديل دول أوروبيّة من دعمها لكييف، وعلى رأسها ألمانيا، التي تمّر بأزمة غاز غير مسبوقة.
كذلك، يُذكّر مراقبون أنّ بوتين يمارس ضغوطاً إقتصاديّة هائلة على الدول الاوروبيّة التي شاركت في فرض العقوبات على موسكو، عبر توقفه عن ضخّ الغاز في خطّ “نورد ستريم”. ويقولون إنّ هذه البلدان تأثرت كروسيابالعقوبات، وقد ارتفع التضخّم فيها، وأسعار المحروقات والسلع الغذائيّة ازدادت أيضاً، ما قد يُفجّر إحتجاجات فيها، ويدفعها مُجدّدا إلى الحضن الروسي، لتأمين حاجاتها النفطيّة، ويقلب موازين القوة في الحرب الاوكرانيّة، وتُحقّق موسكو أهدافها،فتخرج رابحة عسكريّاً، وإقتصاديّاً، وتكون قد فرضت واقعاً، أنّ لا بديل عن غازها لدول “الناتو” التي تُحاصرها.
وبعد 16 سنة من حرب “تموز 2006″، وعدم نجاح إسرائيلفي القضاء على “حزب الله”، وفشلها في منع وصول الاسلحة المتطوّرة إليه، فجّر نصرالله مفاجاّة للعدوّ، أنّ “الحزب” يمتلك طائرات مسيّرة، لم يكشف عن نوعيتها، ومن الممكن أنّ تكون الايرانيّة الصنع ، التي بحسب مراقبين، تُطالب حتّى موسكو بها، في حربها على أوكرانيا. فقال نصرالله، إنّها نفّذت مهاماً كثيرة داخل فلسطين المحتلّة، وعادت سالمةً، ولم تقدر الدفاعات الجويّة الاسرائليّة على إسقاطها. إلى ذلك، طوّر “حزب الله” من صواريخه، عدداً وتقنيّاً، واستقدم الدقيقة منها من إيران، والقادرة على بلوغ الاهداف، وضرب إسرائيلفي العمق. فقد أراد نصرالله توجيه رسالة مباشرة إلى قادة تل أبيب، أنّ الحرب المقبلة تختلف كثيراً عن الـ2006، وأيّ مواجهة ستكون مكلفة جدّاً لها.
من هنا، يُؤكّد مراقبون أنّ لـ”حزب الله” نقاط قوّة جديدة، قد يستفيد منها في أيّ حربٍ مقبلة مع إسرائيل. وعليه، يُشدّدون على أنّها يجب أنّ تقرأ تحذير نصرالله جيّداً، وخصوصاً إنّ لم تكن المفاوضات غير المباشرة لصالح لبنان، وبدأت باستخراج الغاز بعد أكثر من شهر. فالمواجهة العسكريّة ستطال إقتصاد دول العالم كافةً، وستقلب ميزان الحرب الاوكرانيّة. ويختم المراقبون أنّ الحلف الايرانيّ – الروسيّ سيثبت مرّة جديدة أنّه المهيّمن على منطقة الشرق الاوسط، وأنّ الدور الاميركيّ مستمر بالتراجع، إنّ ذهبت الامور نحو تصعيد حربيٍّ.