إقتصادمحليات

الطاقة الشمسية: نصف مليار دولار لـ7 آلاف منزل فقط و”الحلول الفردية” مكلفة أكثر على الاقتصاد

غيّرت الطاقة الشمسية وجه لبنان، وباتت الألواح الزرقاء التي تستجدي الكهرباء المقطوعة بديلاً عن القرميد الأحمر في مختلف المناطق. تدبيرٌ مستدام لتوليد الطاقة المتجدّدة نأت دولة العتمة بنفسها عنه، فلجأ إليه المواطن هرباً من فاتورة مولّد يتحكّم براحته وينهب أمواله.

لكن دون هذا التدبير مخاطر وتفاصيل صغيرة لا بدّ من التنبّه إليها، كي لا يكون المواطن ضحيّة مواصفات سيّئة، أو تاجر غير متخصّص، أو تركيب غبيّ يطيح بالنظام الذي دفع عليه “دم قلبه” بالدولار الفريش.

500 مليون دولار في عامين

بين عام 2010 وعام 2020 تمّ تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في لبنان بقدرة 100 ميغاواط، باستثمارات بلغت حوالي 200 مليون دولار. في عام 2021 تمّ تركيب ما قدرته 100 ميغاواط إضافية، باستثمارات قاربت 150 مليون دولار، وفي عام 2022 يُتوقّع أن تفوق أنظمة الطاقة الشمسية المركّبة في لبنان 250 ميغاواط بحسب تقديرات المركز اللبناني لحفظ الطاقة، بكلفة استثمار تراوح بين 350 و400 مليون دولار، وهو ما يعني أنّ مجمل ما تمّ صرفه على الطاقة الشمسية في لبنان من عام 2010 حتى نهاية 2022 يقارب 700 مليون دولار، على أساس أنّ كلّ ميغاواط يكلّف مليوناً ونصف مليون دولار أميركي، وما تمّ صرفه خلال 2021 و2022 تحديداً يقارب 500 مليون دولار فقط.

أمّا ما يتمّ الحديث عنه من وصول كلفة ما صرفه اللبنانيون على الطاقة الشمسية خلال العامين الماضيين إلى 2 مليار دولار، فهو “رقم تهريجيّ” على حدّ تعبير مدير “المركز اللبناني لحفظ الطاقة”، بيار الخوري. وما تمّ صرفه حتّى الآن هو رقم ما يزال صغيراً، ولا يمكن مقاربته في إطار أيّ حلول على مستوى دولة، لأنّ أقلّ معمل يحتاج إلى ما يقارب 700 مليون دولار، ولأنّ هذه الأموال هي استثمارات خاصة للناس وليست أموال دولة.

مَن يحمي المواطن؟

يقع تنظيم قطاع الطاقة الشمسية من ضمن مسؤوليّات وزارة الطاقة والمياه. لكن ليس في لبنان ما يسمّى “تصنيف شركات”، بل هناك اقتصاد حرّ، وبالتالي مفهوم التصنيف غير موجود. هناك نقابات وسجلّ تجاري، لكن لا يوجد تصنيف. وهذا يعني أنّ أيّ شركة تريد أن تستثمر في الطاقة الشمسية لا يستطيع أحد منعها من العمل في هذا المجال، كما يؤكّد خوري في حديثه لـ”أساس”: “علماً أنّ تركيب برامج الطاقة الشمسية اليوم يتمّ عبر شركات الهندسة، لكنّ هناك دخلاء لا يمكن منعهم”. وهنا يبرز دور المواطن الذي عليه أن يتحمّل حدّاً أدنى من المسؤولية تجاه اختيار الشركات المتخصّصة لضمان حصوله على نظام طاقة شمسية يسدّ حاجته من الكهرباء، ولا يشكّل خطراً على سلامته.

ماذا فعلت وزارة الطاقة؟

يسلّط خوري الضوء على تفاصيل الآليّة التي أطلقتها وزارة الطاقة والمياه قبل ما يقارب سنة، بالتعاون مع وزارة الداخلية، لتنظيم هذا القطاع وضمان حقّ المواطن وتسهيل تركيب نظام الطاقة الشمسية، والتي هي عبارة عن طلب يقدّمه المواطن في الوزارة في مكتب وزير الطاقة والمياه تحديداً، فتتمّ مراجعته ودراسته والتأكّد من تقديم جميع الأوراق المطلوبة، ثمّ يتمّ إرسال كتاب لوزارة الداخلية لتسهيل التركيب، وعدم عرقلتها. وبدورها وزارة الداخلية تعمّم كتاب التسهيل على المخافر.

يتهرّب بعض المواطنين من هذه الآليّة على الرغم من أنّها لا تكلّفه المواطن أيّ مبلغ إضافي من أيّ نوع. تحتاج هذه الآليّة إلى 8 أيام عمل لكي تُصدر الوزارة الموافقة. وقد قدّم طلبات حتّى الآن أكثر من 7,000 مواطن (رقم ليس بصغير خلال سنة). أمّا الكتاب فيتضمّن كلّ المعلومات التي يجب أن يعرفها المواطن ليتأكّد أنّ هذا النظام سيعمل كما يجب. وهناك بالتأكيد مئات آو ربما آلاف المواطنين ركّبوا أنظمة من دون تقديم طلبات رسمية. يبقى الرقم غير محدّد.

يمكن اعتبار أهم عنصرين في هذا الطلب هما تقرير مهندس كهرباء يؤكّد أنّ النظام سيتمّ تركيبه بحسب المواصفات الكهربائية الصحيحة، كي لا يتعرّض لأخطار من نوع الاحتراق، كما حصل في بشامون، في فيديو انتشر على مواقع التواصل، وتقرير مهندس مدنيّ أو ميكانيكي يؤكّد أنّ الألواح لن تطير بسبب العواصف، كما يحصل في بعض المناطق أيضاً: “وفي هذا السياق يجب أن يتأكّد المواطن أنّه بهذه الآليّة يساعد نفسه لا الدولة، فالقوى الأمنيّة تقوم بواجباتها في هذا الإطار ضمن قدراتها”، يقول خوري.

قروض الطاقة الشمسيّة

أمّا قروض الطاقة الشمسية التي طال الحديث عنها، فأبصرت النور في 20 حزيران الماضي، وهي قروض ميسّرة من مصرف الإسكان للمواطن اللبناني من ذوي الدخل المحدود، مموّلة من “الصندوق العربي للتنمية الاجتماعية” في الكويت، ومن مصرف لبنان، بحسب ما كشف رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان ومديره العامّ أنطوان حبيب، في تصريح سابق.

تراوح قيمة القرض بين 75 و200 مليون ليرة تُقسّط على 5 سنوات بفائدة 4.99%. أمّا المركز اللبناني لحفظ الطاقة فيقوم بالمراجعة الهندسية والتقنية لهذه القروض، بموجب مذكّرة تفاهم بين مصرف الإسكان والمركز الذي تلقّى قبل أسبوع أوّل 43 طلباً من المصرف لمراجعتها.

هل هناك أنواع مغشوشة تدخل السوق اللبنانيّ؟

“مؤسّسة المعايير والمواصفات اللبنانية” هي مؤسّسة عامّة تخضع لوزارة الصناعة وتضع معايير ومواصفات لجميع البضائع التي تدخل لبنان والتي يتمّ التأكّد من جودتها عبر الجمارك من خلال أخذ مسطرة من الشحنات الواردة إلى مختبرات “معهد البحوث الصناعية” للتأكّد من أنّها مطابقة للمواصفات: “فالعمل المؤسّساتي موجود، والأصناف التي تدخل لبنان بمعظمها جيّدة، لكنّ المشكلة في التركيب، وفي الناس غير المتخصّصين وغير المتدرّبين على التعامل مع أنظمة الطاقة الشمسية”، كما يؤكّد خوري.

لكن مَن يضمن حصول هذا العمل المؤسّسيّ بشكله الطبيعي؟ وكلّنا نعلم كيف يتمّ تخليص المعاملات الجمركية، وكيف يتمّ الكشف على الشحنات المستورَدة من الخارج.

ومَن يضمن عدم دخول نوعيّات سيّئة مهرّبة من سوريا بطرق غير شرعية؟ ولا سيّما أنّ الحديث يكثر عن تهريب بطّاريات سيّئة يضاف إليها الباطون لزيادة وزنها بطرق احتيالية. علماً أنّ البطّاريات هي جزء لا يتجزّأ من نظام الطاقة الشمسية وركيزة أساسية لتوزيع الطاقة التي تمتصّها الألواح المنصوبة على أسطح المنازل؟

كلّها أسئلة ومخاوف مشروعة تجعل من اللبناني مضطرّاً إلى زيارة وزارة العتمة ليقدّم طلب تركيب ألواح طاقة شمسية حيث لا طاقة، وأن يستسلم لسخرية القدر ليضمن على الأقلّ حصوله على النوعيّة الفضلى وبالطريقة الفضلى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى