لبنان أمام 4 أشهر صعبة جداً
كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
لم تتحرك بوصلة تأليف الحكومة منذ ان كُلِّف الرئيس نجيب ميقاتي بهذه المهمة قيد أنملة في أي اتجاه، ولم تبارح المشاورات والاتصالات التي جرت وتجري المربع الأوّل لهذه المهمة، وهو ما يوحي بأن التوليفة الحكومية قد دخلت ثلاجة الانتظار في وقت مبكر، وهي التي كان يفترض بها ان تبصر النور في أقرب وقت كون ان ما تبقى إلى نهاية العهد لا يعدو بضعة أشهر قليلة لا تتحمل الحروب الكلامية والمناورات والفيتوات والصفعات السياسية على غرار ما هو قائم بين السراي الحكومي وميرنا الشالوحي.
وإذا كانت التطورات والأزمات المتشعبة التي تطبق على خناق اللبنانيين تحتم على أصحاب القرار الوصول إلى تفاهم سريع على تشكيلة حكومية مكتملة الاوصاف تكون قادرة على مواكبة هذه التطورات والأزمات والحد من آثارها المؤذية، فإن ما يرصد من مواقف وتحركات لا يؤشر إلى ان الممسكين بزمام الأمور يعون كفاية لعبة النكد والنكايات التي يمارسونها عند ولوج أي استحقاق، وهو ما يطرح جملة من علامات الاستفهام حول مدى مساهمة هؤلاء عن قصد أو غير قصد في رفع منسوب التدهور الحاصل في لبنان على شتى الصعد، ووضع لبنان امام منزلق خطير من الانهيارات التي باتت تُهدّد الكيان برمته.
والمستغرب في هذا الصدد ان اولي الأمر في التأليف قد شرعوا منذ اللحظة الأولى لانطلاق رحلة البحث عن التشكيلة الحكومية بعد انتهاء عملية التكليف إلى حرب البيانات والتسريبات والاتهامات بدلاً من الجنوح إلى الحوار والتفاهم على إنجاز الاستحقاق الحكومي على اعتبار ان عامل الوقت لا يصب في صالح لبنان واللبنانيين الذين يعانون ما يعانونه من أزمات،وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدل إما على قصر نظر في مقاربة الملفات، أو أن هناك من يتقصَّد إبقاء لبنان في دوّامة الأزمات، والسعي إلى إبقاء حكومة تصريف الأعمال إلى نهاية العهد لغاية في نفس يعقوب.
ووفق المعطيات المتوافرة على المشهد الحكومي فإن التوغل الحاصل في الكباش بين الرئيس نجيب ميقاتي والتيار الوطني الحر بالإضافة إلى رئاسة الجمهورية يُؤكّد لا بل يجزم بأن الجمود على مستوى التأليف سيطول أمده، إلا في حال نزل عقل الرحمن على المسؤولين وأسفر اللقاء المرتقب في الساعات المقبلة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي عن كسر هذا الجمود وفتح ثغرة في جدار أزمة التأليف مع الادراك المسبق بأن حظ مثل هذا الحدث ضعيف جداً إذا ما نظرنا إلى الأجواء التي تسبق وترافق مثل هكذا لقاء، الى جانب تمسك كل فريق بمواقفه وعدم إبداء أي استعداد للتراجع، سيما وأن الرئيس المكلف ابلغ زواره انه ليس في وارد القبول بتوسعة الحكومة لتصبح ثلاثينية، ولا هو أيضاً بصدد التراجع عن عدم إسناد حقيبة الطاقة إلى «التيار الوطني الحر».
انسداد في الأفق داخلياً والخارج منشغل عنا بتطورات تتجاوز أهميتها الوضع اللبناني
وفي هذا السياق يُؤكّد مصدر سياسي مطلع على مسار الاتصالات الجارية بأن الزيارة المرتقبة للرئيس المكلف إلى قصر بعبدا غير مأمول منها ان تحرز أي تقدّم ملموس على مستوى التأليف،وهي ربما تكون من باب ما لا يلزم، كون ان الساعات الماضية لم تحمل في الأفق أي حلحلة ممكنة للعقد التي تعترض سبيل التأليف، مشدداً في هذا المجال انه لم يرصد إلى الآن أي مسعى توفيقي من أي طرف داخلي، وعلى مستوى الخارج لم يسجل سوى حث من بعض السفراء العرب والأجانب على ضرورة الإسراع في تأليف حكومة تكون قادرة على استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وكذلك استكمال عملية الإصلاحات التي تعد المدخل الإلزامي لطلب مساعدة المجتمع الدولي للبنان للخروج من أزماته.
وعليه فإن الأسابيع المقبلة ستكون حبلى بارتفاع منسوب الأزمات على حدّ تعبير المصدر وأنه ربما نكون امام أربعة أشهر عجاف تحمل الكثير من المخاطر على الداخل اللبناني في حال بقيت المتاريس السياسية مرفوعة، وفي حال بقيت الأبواب مقفلة بوجه لغة الحوار.
ويتوجس المصدر السياسي المذكور خيفة انه في حال لم يسجل اللقاء الثالث في قصر بعبدا هذا الأسبوع أي خروقات جوهرية والذهاب في اتجاه التفاهم على توليفة حكومية جديدة، أن نكون امام سجالات ومناكفات حتى نهاية العهد، لا بل ان هناك مخاوف مشروعة من ان نكون امام مرحلة من الفراغ الرئاسي في ظل احتدام الصراع السياسي الداخلي، وغياب العامل الخارجي الجدي بفعل انشغالات الدول المعنية بالملف اللبناني بتطورات أخرى يعتبرون فيها الوضع اللبناني أمراً تفصيلياً يحتمل التأجيل في معالجته. وعندما يُسأل المصدر عن تشخيصه للواقع السياسي اللبناني الراهن، يستشهد بمطلع اغنية تقول: شخبط شخبيط.. لخبط لخابيط، في دلالة واضحة منه على الفوضي السياسية التي تحكم الواقع اللبناني من مختلف جوانبه، مبدياً خشيته من ان نكون امام مشهد سياسي انقسامي يبدأ حول ترسيم الحدود ولا ينتهي حول تأليف الحكومة وصولاً إلى الاستحقاق الرئاسي، بشكل يضع البلاد والعباد امام نوع من الانهيار القاتل الذي قد لا يعالج الا من خلال تدخل دولي عبر مؤتمر يؤسّس لمرحلة جديدة، بعد أن أكل الدهر وشرب على النظام السياسي الذي ولد من اتفاق الطائف.