الشاطر والمشطور ولبنان بينهما
ليس جديداً القول، ولا اكتشافاً، إن لبنان ساحة تتأثر بتلقي وهج وانعكاس أغلب الأحداث التي تحيط به، والتي تجري في دول الجوار الإقليمي. ليس بسبب قابلية قياداته للتماهي مع القوى الخارجية إلى أبعد حدود أو بتعبير أدق بسبب ارتباط أطرافه بقوى الخارج، بل بسبب موقعه الجيوسياسي الذي يفرض عليه مصيراً لم يستطع الفكاك منه، حتى لو أراد ورغب بذلك.
فمع توالي الأحداث وتتابعها عبر التجارب، بات الارتباط الداخلي بالقوى المحيطة صفة لازمة لأي طرف عامل في السياسة الداخلية. ولقد مرت أحداث كثيرة أجبرت القوى الداخلية على الانغماس والارتباط بقوى إقليمية حتى ولو من دون رغبتها، وفي أحيان كثيرة، حتى لو لم تكن تسعى لذلك.
“ناتو” عربي
مرد هذا الكلام الآن، التطورات والأحداث المقبلة والتي بدأت العديد من المؤشرات تشير إليها وتدلل على تكونها، مما يرجح اتجاه لبنان في الفترة المقبلة إلى احتمالات متقدمة للانغماس في أزمات مقبلة فوق الأزمات الواقع فيها.
بات معلوماً أن المنطقة مقبلة في المقبل من الأيام على حدث مهم وقد يكون مفصلياً، وهو الزيارة التي ينوي الرئيس الأميركي جو بايدن القيام بها إلى المنطقة وتحديداً إلى إسرائيل والعربية السعودية، وما يتم تحضيره لعقد ما يسمى قمة عربية أميركية في السعودية.
البعض تحدث عن ما يسمى ناتو عربي أو تسميات وصيغ أخرى، لكن المؤكد أن ما سيجري هو باتجاه بلورة تقارب عربي أميركي إسرائيلي، ستعتبر إيران وروسيا أنه يستهدفهما، وبطبيعة الحال فإن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبية، ستكون محور البحث والترتيب.
الولايات المتحدة ستعمل على استرضاء الدول العربية قدر الإمكان، وفي مقدمهم العربية السعودية، لإعادة التوازن إلى سوق النفط العالمي بعد الاختلال الذي وقع فيه جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وارتباك إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا.
ليس من معين للولايات المتحدة في هذه الأزمة إلا العرب، الذين سيخرجون بطبيعة الحال من المولد من دون حمص كما يقال، بسبب انعدام الإرادة والقدرة وفقدان الكثير من المقومات المطلوبة حالياً، لتبديل الموقف والمعطيات.
الدول العربية هي الوحيدة القادرة على تعويض النقص في أسواق النفط وإمداد الغاز الروسي إلى أوروبا، لكي يسهل محاصرة روسيا بوتين وانتزاع أوراق أساسية من يدها في المواجهة الدائرة الآن في أوكرانيا.
الحابل والنابل
في هذا المشهد المقبل، يرتسم تقارب عربي أميركي إسرائيلي في مواجهة روسيا وإيران وبعض العرب.
وسائل إعلام غربية تحدثت من دون نفي مقابل، عن اجتماعات عربية إسرائيلية لدراسة الموقف والتنسيق الأمني للمرحلة المقبلة، وإيران بدل أن تستدرك خطورة انزلاق المنطقة إلى هذه الدرجة من الصراع، تركت لأعنّتها أن تندفع في مواجهة عمق مصالح بعض الدول العربية من دون رادع أو وازع.
باتت مصالح العرب أمام خطرين: قديم تمثله إسرائيل وأعوانها في الغرب، وجديد في قلب الدار تمثله إيران بطموحها للتمدد والسيطرة واستعادة أمجاد امبراطورية أفلت.
أصبح كل طرف منغمساً في صراع في عمق مصالح الأطراف الأخرى لدرجة لم يعد ممكناً التمييز بين الصديق والعدو، بل اختلط الحابل بالنابل على كل المستويات، وهو في طريقه لمزيد من الاختلاط.
ما من طرف سيقف متفرجاً أو مراقباً. الجميع مدعو للمشاركة في المنازلة المقبلة على الأغلب.
“توحيد الساحات”
أولى إشارات المواجهة تمثلت في اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الساعات الماضية، على هامش قمة بحر قزوين في العاصمة التركمانية عشق آباد.
كما شكلت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وسط الحفاوة المعدة له، من الوصول إلى مطار بيروت الدولي مروراً بالزيارات والمؤتمرات، وليس آخرها استقباله اللافت من قبل رئيس جمهورية الممانعة في بعبدا، وتبادل الأحاديث عن دور المقاومة في التحرير من الاحتلال، الإشارة الأولى على بداية تكوين معالم الرد والمواجهة المقبلة، إذ أن هنية نفسه كشف كلمة السر خلف الزيارة، حين تحدث عن توحيد ساحات الممانعة في وجه المقبل من الأحداث والأحلاف المتكونة والمستجدة راهناً في المنطقة بقدوم الرئيس بايدن وصحبه.
وقد اتبَع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الأمر باجتماع مع قيادة الجبهة الشعبية القيادة العامة بعد طول انقطاع، لاستكمال البحث في ترتيب الصفوف والمستلزمات للأيام المقبلة والذي كان انطلق مع إسماعيل هنية.
ببساطة، لبنان واقع بين محورين اثنين. المحور الذي سيشكله ويقوده بايدن في زيارته المقبلة إلى المنطقة، وفي مقابله المحور الذي يتزعمه بطبيعة الحال بوتين وتبدأ حدوده من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم مروراً بسوريا وقاعدة حميميم، وصولاً إلى حقلي كاريش وقانا وباقي البلوكات النفطية والحقول المفترضة.
الساندويتش
راجت في ستينيات القرن الماضي طرفة تقول إن مجمع اللغة العربية حين انكب على تعريب كلمة ساندويتش الإنكليزية خرج بكلمة عربية مرادفة للكلمة الإنكليزية، تقول إن ترجمة كلمة ساندويش هي “الشاطر والمشطور والطازج أو الكامخ بينهما”، وفي حالتنا الراهنة كما هو ظاهر عندنا ستصبح ترجمة كلمة ساندويش التي ستفرضها أو تحملها زيارة بايدن وتداعياتها، هي: الشاطر والمشطور في المنطقة وبينهما لبنان.
المدن