محليات

عاصم عراجي: المرحلة خطيرة جدا… والوضع مأساوي

 

رداً على سؤال عما اذا هو راضٍ عمّا قام به في اللجنة النيابية، قال عاصم عراجي : “كان هدفي الأساس من الدخول إلى المجلس النيابي هو الصحة. كان الأمر هاجساً بالنسبة إليّ. لكن، للأسف عندما دخلت إلى المجلس، فوجئت بأنه تمّ تكليفي في لجنة الأشغال العامة كمقرّر فيها واستغربت، إذ ما الذي يمكن أن أفعله في لجنة الأشغال وأنا طبيب. يومها، أجريت بعض الاتصالات وترشّحت للجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية ونلت أعلى الأصوات ودخلت إلى اللجنة كمقرّر، فيما تولى النائب عاطف مجدلاني الرئاسة. صحيح أن رئيس اللجنة هو الذي يتحدّث باسمها، إلا أنني كمقرّر كان لديّ الكثير لأفعله وشاركت في لجان ونقاشات كثيرة في ما يخصّ قوانين وموضوعات تهمّ القطاع الصحي. بقيت مقرّراً في لجنة الصحة حتى عام 2018، عندما ترشحت وانتُخبت رئيساً للجنة. كانت فترة غنية وفيها الكثير من الجهد، إذ حلّت أزمة كورونا وأزمة انهيار القطاع الصحي. وكانت فترة صعبة، إذ كنت أرى الانهيار وكنت أقول دائماً أن الاستشفاء سيكون للأغنياء فقط وهذا ما يحدث اليوم. أنا أتحدى أيّ موظف، مهما كانت رتبته أن يكون قادراً على دخول المستشفى.

أعتقد أنني قمت بما يجب، وإن كان هناك أمور لم أستطع فعلها وتحزّ في نفسي، ولكن أعرف أنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وليس إلى رئيس لجنة صحة نيابية”.

نبدأ من الأمور التي استطعنا إنجازها، ما هي؟

– عندما تسلّمت رئاسة لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، اطّلعت على واقع كلّ المهن الطبية، فوجدت أن الكثير منها غير منظّم، ولذلك وضعت نصب عيني وضع قوانين تحكمها وتنظّمها ضمن نقابات، وأذكر هنا على سبيل المثال مهنة المعالجين النفسانيين، فهؤلاء كانوا يعملون من دون وجود قانون ينظم عملهم أو حتى نقابة تجمعهم وتحميهم.

أما الأمر الآخر الذي كان ملحّاً بالنسبة إليّ هو العمل على تحديث قانون الدواء، فعندما وصلت إلى لجنة الصحة العامة وجدت أن قانون الدواء قديم جداً. صحيح أنه كان جيّداً في الوقت الذي صيغ فيه إلا أنه اليوم لم يعد مناسباً، وقد وضعنا قانوناً عصرياً يلبي كلّ المتطلبات من ناحية جودة الدواء وسعره، والإجراءات التي يمكن اتّخاذها في الأزمات. ومن المفروض أن يبدأ تطبيقه خصوصاً أنه بات منتهياً منذ ستة أشهرٍ تقريباً.

ومن القوانين أيضاً تحديث قانون الصيدلة. بالنسبة إليّ، كان أمراً أساسياً خصوصاً أن هناك الكثير من الصيادلة الذين يتخرّجون كل عام، ويبقى جزء كبير منهم بلا عمل بسبب الفائض في العدد. وقد طال التحديث إضافة مهنة «الصيدلي السريري» الذي يُفترض أن يتواجد في كل طبقة من طبقات المستشفى ليُشرف على الدواء. فالطبيب يشخّص وليس مطلوباً منه أن يعرف كل شيء عن الدواء، طالما هناك ما يسمى بالصيدلي السريري. وهناك أيضاً قانون المعاش التقاعدي للممرّضين والأطباء والعاملين الصحيين الذين توفوا خلال جائحة كورونا، وقانون لقاح كورونا وقانون ضمان الطبيب بعد الـ64 عاماً، وكذلك للموظفين العاديين الذين أمضوا 20 عاماً مضمونين في أعمالهم وقانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية وغيرها من القوانين.

ما الذي لم تستطع فعله كرئيس للجنة الصحة النيابية؟

– الشيء الوحيد الذي يحزّ في قلبي هو أنني خرجت من المجلس النيابي ولم أشهد صدور البطاقة الصحية، مع العلم أنني عملت عليها في لجنة الصحة العامة وأنهيت تفاصيلها مذ كنت مقرّراً في اللجنة مع رئيس اللجنة النائب عاطف مجدلاني.

في تلك الفترة، وضعنا أسس ترتيبها في لجنة الإدارة والعدل وخرجت من هناك إلى لجنة المال والموازنة، وقد احتجنا إلى 8 جلسات أنهينا بعدها العمل بالبطاقة. المؤسف أن تأخر صدورها يعود إلى التباين في الآراء حول من سيتولاها، وهي أزمة تشبه كلّ أزمات هذا البلد. ومنذ عام، حاولنا في لجنة المال والموازنة تخطي هذه العقبة، وارتأينا أن تحلّها الهيئة العامة للمجلس. وقد طرحت مجموعة من الاقتراحات، منها أن تلحق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كما جرى بالنسبة للهيئة الناظمة للدواء التي ألحقت بوزارة الصحة، إلا أن ذلك لم يحدث، وهي اليوم عالقة عند هذه النقطة.

أما الأمر الآخر الذي لم أستطع أن أقوم به فهو العمل على توحيد الصناديق الضامنة، وقد وصلت إلى استنتاج أن ذلك يحتاج إلى قرار سياسي كبير. أنا لا أفهم اليوم لماذا يوجد في لبنان تعدّد صناديق، فيما في دول العالم أجمع هناك صندوق واحد. ليس هناك من دولة في العالم تملك 11 مؤسسة ضامنة كلبنان، حتى دول الجوار العربية. كانت أمنيتي أن أحلّ هذا الموضوع إلا أنني لم أستطع.

ما هي العوائق التي تحول دون توفر الدواء؟ وهل من حلول ممكنة؟

– يحتاج القطاع الصحي ككلّ إلى إعادة هيكلة، ولكن الأولى اليوم هو إيجاد حلول مؤقتة سريعة كي لا يموت الناس ببساطة. في ما يخصّ قطاع الدواء، المطلوب اليوم وبشكلٍ عاجل تأمين مساعدات دولية طارئة لمرضى السرطان والمناعة بدرجة أولى، سواء أكان عن طريق تسليفنا هذه المساعدات أو إعطائنا إياها كهبة. المهم أن تتأمن هذه الأدوية. أما الطريق الأخرى، السريعة أيضاً، فهي تكمن في التواصل مع دول الجوار العربية التي تملك صناعات دوائية جيدة مثل مصر والأردن لتأمين جزء من الأدوية المفقودة على الأقلّ. يضاف إلى ذلك القيام بعملية ضبط صارمة لمنع تهريب الأدوية، وخصوصاً على الحدود. أنا ابن منطقة حدودية وأعرف كمية الأدوية التي هرّبت خلال الأزمة.

أما الحلول الدائمة، فتكمن في مكانٍ واحد: تطبيق قانون الهيئة الوطنية للدواء فهو ينظّم عملية شراء الأدوية واستيرادها ويضبط التهريب أيضاً. لكن اليوم، لا أحد يطبّق ولا أحد يسأل. هناك مرضى يموتون بسبب فقدان الدواء، فيما يأخذ من في السلطة المسألة بكثير من اللامبالاة. فما همّ المرضى اليوم إن وصلت إلى القمر وهم بلا دواء؟ أنا أكيد أن بعض السياسيين يعيشون في عالمٍ آخر غير ذلك الذي يعيش فيه الناس.

كيف يمكن حلّ أزمة الدواء مع المستوردين؟

– طوال 40 إلى 45 عاماً من عملي في مهنة الطب، كنت أرى كم يكسب المستوردون من الدواء. كسب هؤلاء مليارات، ومعهم أصحاب المستودعات وبعض الصيدليات الكبرى. وخلال الأزمة الأخيرة، راكموا أرباحاً خيالية، وتبيّن أنه في الوقت الذي تنقطع فيه أدوية أمراض أساسية، كانوا يخبئونها. أعتقد أنه يجب أن تكون هناك عقوبات صارمة لكلّ المستفيدين من الأزمة على حساب صحة الناس. فإذا لم تطبّق الدولة عقاباً على هؤلاء، كأن تفرض عليهم غرامة أو تضعهم في السجن بحسب الجرم المرتكب، لن يحلّ شيئاً. هل من المعقول أن يتناول مريض بداء السكريّ دواء واحداً من أصل ثلاثة يومياً؟ وهل يعقل أن يتناول مريض الضغط حبة دواءٍ اليوم وينقطع عنها 3 أيامٍ ثم نتذكره عندما «ينفلج»؟

المطلوب هو العدالة، وعدالة الأرض تكون عبر الالتزام بالقانون أو أن تعمد الدولة إلى تطبيق القانون على المخالفين.

ماذا عن وضع القطاع الاستشفائي؟ وهل يمكن القيام بأية تسوية تحدّ من انهياره؟

– نحن اليوم في مرحلة خطيرة جداً. عملياً، نحن في وضعٍ مأساوي بكل ما للكلمة من معنى. والقطاع الاستشفائي اليوم في أسوأ مراحله، وأنا كنت ممن حذّروا قبل عامين ونصف العام من وصول القطاع إلى الانهيار. اليوم، تحتاج المستشفيات إلى إعادة هيكلة، على شاكلة هيكلة المصارف. لم يعد مقبولاً سوء التوزيع والتنظيم في القطاع. ولعلّ من أبسط الأمثلة مثلاً أن يكون هناك منطقة مثل منطقة البقاع الأوسط التي يصل عدد سكانها تقريباً إلى 400 ألف نسمة، ما يقرب من 11 غرفة رنين مغناطيسي فيما مدينة كبروكسيل عدد سكانها يتخطى المليون فيها في أحسن الأحوال 4 إلى 5 غرف. الوضع هنا أن كلّ من يملك «قرشين» يفتتح مركزاً صحياً.

كما يتطلب القطاع اليوم من الدولة أن تعمل على تقوية القطاع العام، وتحديداً المستشفيات الحكومية لكي يتسنى للناس التطبّب بعدما أصبحت المستشفيات الخاصة للأغنياء فقط، مع ضمان أن لا يتدخل السياسيون في تعيين مجالس إداراتها لأن هذا أحد أسباب فشل هذه المستشفيات اليوم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى