الصناديق خلطت “الحواصل”… والمعركة المسيحية حسمت “الأحجام”
في الشكل، خسرت الأكثرية الحاكمة سطوتها على الساحة الوطنية بمجرد إخفاقها في “تطيير” الاستحقاق الانتخابي عبر سلسلة محاولات يائسة لتجنّب تظهير أي صورة تعكس تراجع شعبية أحزاب السلطة حسب “نداء الوطن”، لا سيما على الأرضية المسيحية في ظل النقمة العارمة على العهد وتياره، فجاءت النتائج الأولية لتحسم معركة “الأحجام” بشكل يحجّم الغطاء المسيحي لـ”حزب الله” ومحور الممانعة، بعدما حازت “القوات اللبنانية” على صدارة التمثيل المسيحي على حساب “التيار الوطني الحر”، حسبما أكد رئيس “القوات” سمير جعجع، الأمر الذي قابله النائب جبران باسيل بخطاب ليلاً بدا أشبه بخطاب “الإقرار بالهزيمة”، متهماً “القوات” بأنها أصبحت “الحزب الأول بفضل المال الانتخابي”.
أما في المضمون، فلم يرقَ الإقبال على صناديق الاقتراع إلى مستوى طموحات التغيير المنشود، مع تسجيل نسبة ناهزت الـ42% على مساحة الخارطة الوطنية بانخفاض بلغ نحو 8% عن نسبة الـ49,7% في دورة العام 2018، الأمر الذي أسفر عن “خلطة حواصل” وزعت المقاعد بين مرشحين فائزين من عدة لوائح، في وقت بيّنت الحصيلة شبه النهائية ليلاً إحراز القوى المعارضة والتغييرية والثورية خروقات جوهرية أصابت صميم السلطة وزعزعت سطوة الثنائي الشيعي في بعض الدوائر الجنوبية والبقاعية، بينما عكس التصويت السنّي واقع تضعضع أبناء الطائفة وتشتت أصواتهم من دون أن تؤدي الدعوات إلى المقاطعة إلى إحداث تأثير مفصلي في مجريات العملية الانتخابية.
وخلال تغطية أحداث اليوم الانتخابي الطويل، برزت جملة من المخالفات وعمليات الترهيب والبلطجة في عدد من أقلام الاقتراع تحت مجهر جمعية “لادي” وبعثات مراقبة الانتخابات، فرُصدت إشكالات في بعض الدوائر بين مندوبي “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، وتحطيم كراسي وخيم الحملات الانتخابية للأحزاب المعارضة، بالإضافة إلى “ضرب وسحل” أحد مندوبي اللوائح بعد شتمه رئيس الجمهورية في حارة حريك، فضلاً عن طرد مندوبي اللائحة التي يرأسها الشيخ عبّاس الجوهري من باحة أقلام الاقتراع في بلدة الكنيسة في قضاء بعلبك، وفي كفرحونة، قضاء جزين، حيث تم التعرّض لمندوبي “القوات” في البلدة وإصابة اثنين منهم ونقلهما إلى المستشفى للعلاج.
وعلى الأثر، ساد تراشق إعلامي بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، بحيث حاول “الحزب” التنصل من المسؤولية عن أعمال الاعتداء على مندوبين قواتيين في البقاع، نافياً أي علاقة لماكينته ومندوبيه بالإشكالات التي حصلت، فسارعت الدائرة الإعلامية في “القوات” إلى تفنيد سلسلة “وقائع مثبتة بأم العين وبشهادات الناس وعلى مرأى من التلفزيونات، تؤكد بأنّ “حزب الله” مارس عبر مجموعات تابعة له الترهيب باتّجاهين: الاعتداء على المندوبين من جهة، وتخويف الناس من الاقتراع من جهة أخرى”.
أما على المستوى الرسمي، ففاخر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي بنجاح الاستحقاق الانتخابي، واعتبر ميقاتي أنّ “الانتخابات مرّت بالحد الأدنى من الشوائب وخرجنا بنصر كبير للدولة اللبنانية وللمواطنين”، معرباً عن أمله بأن تسفر النتائج الانتخابية عن “مجلس نواب متعاون مع السلطة التنفيذية القادمة كي ننتشل لبنان من الازمة الحالية”، مع إبداء أمله في عدم تأخير “الاستشارات النيابية” الملزمة لتشكيل حكومة جديدة، في إشارة إلى أنّ هذه المسؤولية تقع على عاتق رئيس الجمهورية ميشال عون الذي عليه الإسراع في الدعوة إلى الاستشارات لاختيار رئيس الحكومة المكلف العتيد “لإنقاذ لبنان”.
وبانتظار انتهاء عمليات الفرز وإعلان النتائج النهائية لمجمل صناديق اقتراع الداخل والانتشار، وضع أمين عام جمعية “لادي” روني الأسعد اليوم الانتخابي أمس تحت عنوان “الضغط والترهيب والاعتداء وضعف التنظيم”، مؤكداً أنّ “المخالفات كانت بالجملة كما الترهيب للمندوبين والمراقبين بينما القوى الامنية لم تفعل شيئاً”، وناشدت الجمعية مساءً وزير الداخلية “تسهيل عمل المراقبين والسماح بحضورهم عمليات الفرز” بعدما جرى منع 5 مراقبين من حضور الفرز داخل أقلام الاقتراع في كل من حارة حريك ومزبود والزرارية، كما في لجنة القيد الابتدائية في بيروت.
كما أكدت “لادي” في تقريرها مساءً أنها “وثقت مخالفات بالجملة تعتري عملية الاقتراع”، فضلاً عن الاعتداء على مراقبيها في العديد من المناطق “حيث تعرض لهم عدد من المندوبين بالضرب والتهديد، ما اضطر الجمعية لسحب عدد منهم من بعض المراكز والمناطق”، موضحةً أنه جرى “التعرض لغالبية مراقبي قرى صيدا، البالغ عددهم 31 مراقبا ومراقبة، لمضايقات من قبل مندوبي لوائح “حزب الله” و”حركة أمل”، وتعرض مراقبة في منطقة الرمادية في صور للتهديد من قبل مندوب لـ”حركة أمل”، ومراقبين في منطقة السكسكية لتهديد وطلب منهما المغادرة، ومراقبة في كفرملكي – صيدا لشتم وضرب من قبل مندوب لـ”حزب الله”، ومراقبين آخرين لمضايقات من قبل مندوبي حزب الله”.
ومن ناحيته، أعلن رئيس البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات في لبنان جورج هولفيني أنها “نشرت زهاء 170 مراقبا في كافة أنحاء البلاد”، مشيراً إلى أنّ البعثة بصدد تقديم تقريرها التقويمي للعملية الانتخابية يوم غد الثلاثاء لتفنيد “ما رصدته خلال الحملات الانتخابية وفي يوم الانتخاب”.