الحزب لشيعته: جوع 2022… أو حرب 2006؟
جاء في أساس ميديا:
إذا كانت حرب تموز 2006 قد أنجبت لنا “النصر الإلهيّ”، فلماذا يُخيفنا منها حزب الله كلّ حينٍ وحين؟ لماذا يُخوِّف الشيعة من تكرارها؟ وبأيّ منطق يقول الأمين العامّ للحزب إنّ الانتخابات النيابية هي “حرب تموز سياسية”؟
سأجيب عن هذه الأسئلة.
يعرف حزب الله أنّ جمهوره من الشيعة اللبنانيين يخافون من تكرار حرب تموز. لا يخيفهم من داعش على سبيل المثال، ولا من السُنّة، ولا من المسيحيّين أو الدروز. يعرف الشيعة أنّ قيادتهم السياسية والعسكرية قد انتصرت وأخضعت قادة الطوائف الأخرى، بين ذمّيّين وتابعين ومستزلمين ومتنفّعين وطامحين وطامعين ومُشتَرين ومُباعين.
يعرف حزب الله أنّ جمهوره متيقّن من عدم وجود أيّ تهديد “سياسي” أو “عسكري” له داخل لبنان. وبالتالي فهو يحتاج إلى استنفار خوفٍ دفين، وجرحٍ عميق، وذكرياتٍ مؤلمة. كيف يخلق “بعبعاً” يُخيف منه أنصاره وجماعته؟
ما عاد هناك “أحمد الأسير” ولا “طرابلس قندهار” ولا “إرهابيون” تلقي الأجهزة الأمنيّة القبض على عشرات القادة منهم في الكيلومتر وفي الساعة، ثمّ تُفرج عنهم بعد أيّام “ولا من شاف ولا من دري”، لأنّ معظمهم نتيجة “تركيب أفلام”.
المؤسف أنّ حزب الله يدرك تماماً كيف أنّ جمهوره يخشى من تكرار “حرب تموز”. فيخوّفهم بها. هي التي يفترض أنّها كانت بوّابة “النصر الإلهيّ” حين “ولّى زمن الهزائم”.
في الأساس، يريدنا حزب الله أن نقيم دائماً في الخوف. الذين وُلدوا من بيننا على المذهب الشيعيّ، في بلدات ومدن شيعيّة الأكثريّة، والذين وُلدوا في أيّ بقعة من لبنان.
يريدنا أن نقيم دائماً في 33 يوماً، بين 12 تموز و14 آب 2006. فحين يذكِّركم بحرب تموز: ماذا تتذكّرون منها؟ الملجأ؟ الخوف؟ الموت على بعد غارة؟ الاكتظاظ في المدارس؟ اللجوء إلى منزل صديق أو قريب؟ الجوع؟ التشرّد؟ البيوت المهدّمة؟ المباني التي تقبّل جباهها الأرض؟
في حرب تموز مَن منكم كان يفكّر في الجامعة؟ في التأمين الصحّيّ؟ في وديعته في المصرف؟ في الزواج أو الخطوبة؟ في السياحة والسفر؟ في السهر والملاهي الليليّة أو في التنزّه على شاطىء البحر؟
الماضي وليس المستقبل
يُخيفنا حزب الله من تكرار الماضي. لأنّه لا يملك أيّ فكرة عن كيفيّة مصارحتنا بعجزه عن حماية المستقبل. ولأنّه لا يحمل أيّ رؤية مستقبليّة للبنان أو لأنصاره، عدا البقاء أحياء، وألّا تقتلنا إسرائيل كما في تمّوز. عدا ذلك: لا شيء.
ففي الحرب، لا مكان للمستقبل. إنّه الحاضر. أُقتُل أو تُقتَل. وهناك يريدنا الأمين العامّ أن نقيم دوماً: في الملجأ، في المدرسة، في الهلع والضياع…
في السياسة، هناك طريقتان لتُقنع الأنصار والأتباع بانتخابكَ: إمّا أن تدعوهم إلى تنفيذ مشروع، أو أن تدعوهم إلى مواجهة خطر مُحدِق. وحزب الله يعرف أنّه نفدت منه المشاريع.
لماذا لم يدعُ الأمين العامّ أنصارَهُ إلى استكمال حرب اليمن؟ لأنّه يعرف أنّ الشيعة ما عادوا يؤمنون بحروبه العابرة للدول.
لماذا لم يدعُهم إلى تحرير الودائع من المصارف؟ لأنّه يرشّح مصرفيّاً على لائحته في الجنوب وليس على أجندته مواجهة من هذا النوع.
لماذا لم يعِدهم ببناء المصانع والجامعات والحدائق؟ لأنّه يريد شبّانهم وقوداً للحروب دوماً، في “سفر برلك” شيعيّ مستمرّ منذ العام 2000.
لماذا لم يعِدهم بالبحبوحة والازدهار؟ لأنّه يعرف أنّ الزراعة على الشرفات وبواخر المازوت وبطاقات “السَجّاد” لم تنفع ولن يصدّقها أحد.
حرب تمّوز انتخابية؟
ماذا بقيَ له؟ التخويف من “حرب تمّوز”.
في الحرب تحتاج البلاد إلى مُقاتِل. ومَن أفضل منه في القتال؟
في السلم تحتاج البلاد إلى مهندسين وأطباء ومبرمجين وأساتذة وفنّانين…
في الانهيار الاقتصادي تحتاج البلاد إلى خبراء ماليّين واقتصاديّين ورجال أعمال، إلى نظاف الكفّ.
إذا استعنتَ بخبراء المال في الحرب، ستخسر بالتأكيد. وإذا استعنتَ بالمُقاتل في الانهيار المالي، ستفلس وتجوع طبعاً.
حزب الله حزبٌ أمنيٌّ يريدنا أن نجعل رجل الأمن هو ممثّلنا في كلّ مكان وزمان. إنّها الحرب دائماً، وإذا جاء الانهيار الماليّ يريدنا أن نغمض عيوننا ونتخايل أنّنا في حرب تمّوز سياسية. شيءٌ أقرب إلى السِحر. تنويم مغناطيسيّ.
لا يا أعزّائي. مشكلتنا مع حزب الله “زمنيّة”. نحن في أيّار 2022 ولسنا في تمّوز 2006. مرّت 16 عاماً، وأفلسنا وجُعْنا والحكومات التي شكَّلتَها أنتَ وحلفاؤكَ عاجزة عن تقديم أيّ حلول من خارج الإرادة العربية والدوليّة التي تريدنا أن نعاديها.
في حرب تمّوز كان العرب معنا وبنوا قرانا في الجنوب وجسورنا وأودعوا المليارات في مصارفنا. اليوم نحنُ عُراةٌ سياسيّاً في لبنان، قيادةً وشعباً، لأنّنا خرجنا من محيطنا العربي وبِتنا مركز تدريب وإسناد للاعتداء على العرب.
تريدوننا أن نقيمَ بين 12 تموز و14 آب 2006. لكنّنا نُعلمُكم أنّنا في أيّار 2022. نعيش الانهيار الماليّ الذي سيتصاعد بعد الانتخابات النيابية. وستكونون أنتم وأكثريّتكم النيابية مسؤولين عن هذه الأزمة لأنّكم ستفوزون بالانتخابات.
مرّت 16 عاماً، ونحن نريد حلولاً لأزمة 2022. نعرف أنّكم كنتم أبطالاً في تموز 2006. مشكلتنا معكم في 2022: ماذا ستنتج بطولاتكم؟