محليات

الإساءة إلى طرابلس مجددا لصرف الانظار عن الأسباب الحقيقية لمأساتها

ليس جديدا، تشويه طرابلس وتنميط صورتها بكونها خارجة عن الشرعية وإعتبارها بؤرة للفوضى والفلتان، بل و”دعشنتها” بما لا يتناسب مع تاريخها الوطني الأصيل  وطبيعة أهلها المسالمين.

لكن ما هو مستجد محاولة حشرها في وضعية متمردة على الدولة و خلق مواجهة مباشرة مع الجيش تحديدا ، بينما القاصي و الداني يدرك جيدا تعلق الطرابلسيين بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية بصفتها ضامنة للامن والسلم الاهلي.لا بد، من التوقف عند الاستثمار الفوري لمأساة غرق مركب الهجرة غير الشرعية عند المياه الاقليمية، والتأكيد  أن هناك من يتربص لأبناء طرابلس شرا، فتحوير الحادثة واستغلالها لبث العنف والفلتان على هذا الشكل المخيف  يثير الريبة من مخطط جديد يستهدف طرابلس ينبغي مواجهته فورا لقاطع دابر  الفتنة .

فالمعادلة تبدو أشد تعقيدا ،من بلوغ الحالة المعيشية  حدود اليأس و الاحباط ما يدفع مواطنين إلى ركوب قوارب الموت، ورمي عائلاتهم في البحر مع احتمال الموت غرقا، ذلك أن الهجرة غير الشرعية هي سمة القسم الشرق من حوض المتوسط  شواطئ المغرب أو تونس وليبيا لا تختلف عن شواطئنا في هذا الميدان . حالة طرابلس استثنائية ، ومن البديهي الاعتراف بوجود خلل مؤكد في  العلاقة التي تحكم طرابلس بالدولة و أجهزتها، وهي الضحية  المظلومة بإمتياز، كونها المؤتمنة  على حسها الوطني الأصيل و هي رفعت الثورة على اكتاف أبنائها وحملت العلم اللبناني دون سواه في العام 2019، بينما  تقابلها السلطة تاريخيا  بالامعان في  تهميشها وافقار مواطنيها.

هي  مدينة الاغنياء، صحيح لكن ليس من الضروري ان تستغيث العاصمة الثانية لتصبح مدينة بائسة  تعيش على المساعدات والتبرعات، وهذه  قمة الإساءة بان تتكل طرابلس على الإحسان في حين تملك قدرات اقتصادية غير مستثمرة قادرة على جعلها لؤلؤة البحر  المتوسط بإمتياز.

يمكن تحميل نوابها مسؤولية سياسية، وهذا لا يحتاج إلى قرائن و براهين ، لناحية عدم تحصيل مطالبها المشروعة من سلطة لا تفهم الا باساليب الضغط على أنواعه ، وبالتالي طابع الشرذمة السياسية  طوال 30 عاما  أدى عمليا إلى ضياع حقوقها وظلمها بشكل غير مقبول بكل المقاييس، لكن ما حصل بالأمس في طرابلس  بالأمس ،  بلغ  حد الاسفاف لناحية تصوير قوات بحرية الجيش وكأنها كتيبة إعدام مرابضة على الشاطئ، من دون أدنى مراعاة للمؤسسة العسكرية التي يعاني  جنودها ورتباؤها و ضبطتها آثار الانهيار الاقتصادي وضياع قيمة رواتبهم، دون أن ينعكس ذلك تقصيرا  في مهامهم الوطنية.

تكشف معلومات في هذا المجال ، بأن اعتراض المراكب في عرض البحر ازداد بوتيرة ملحوظة في الاونة الاخيرة  جراء ضغط الازمة المعيشية ، وهناك مافيا حقيقية تستغل بؤس الناس و فقرها وتعمد إلى إلقاء العائلات وسط الأمواج العاتية لتحصيل مبالغ طائلة، و ما حدث بالأمس من تحميل الجيش مسؤولية غرق المركب يهدف بالدرجة الأولى  إلى حرف الانظار من  ناحية و الاستثمار الرخيص لبث الفوضى و الفلتان  من الناحية الأخرى.

و تفيد المعلومات ذاتها ، بأن نقطتي الانطلاق الأساسية التي تستعملها العصابات تكمن على شواطئ القلمون والمنية ، وغالبا ما تعترض القوات البحرية في الجيش عشرات القوارب  التي تقل الركاب في عرض البحر. هذا الأمر، يحتم على الدولة بكامل أجهزتها الاستنفار فورا و اعداد خطة إنقاذية فورية  لمدينة طرابلس كونها منكوبة بإمتياز بالبطالة والفقر المدقع ، ولا سبيل لتعافيها الا في كنف الشرعية كما كان يردد شهيدها  الراحل رشيد كرامي، فالوضع المعيشي بلغ حدود الانفجار واوصل إلى انهيار ثقة المواطن بدولته، ما يعني التحسب  لتداعيات خطيرة في القريب العاجل  على السلم الاهلي و الاستقرار الداخلي .

المصدر: لبنان ٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى