الأسعار باتت لا تطاق… وأخلاق المواطن “براس منخارو”

منذ بداية الأزمة الاقتصادية، اي قبل نحو سنتين، بدأت الاسعار بالتفلت من عقالها بفعل الوتيرة التصاعدية التي انتهجها سوق الدولار. وامام هذا التفلت تحوّل بعض السلع من الأساسية والضرورية الى خارج القدرة الشرائية للمواطن اللبناني.

ففي عالم “السوبرماركات” نجد ان المواطن تخلى عن شراء كل ما يعرف بـبضاعة “الماركات” واستبدلها بنوعيات قد تكون اقل جودة، وفي غالبيتها من انتاج اسواق جديدة لم يعتدها التجار في لبنان من قبل، كالحبوب المعلبة والحلويات ومختلف أنواع الصلصات وغيرها.

أما في أسواق الخضار والفاكهة، فالأسعار التي ارتفعت من دون مبرر بالنسبة الى أكثر من صنف حوّلت فئات كثيرة من الخضروات الى ما يشبه اللحوم أو ما يتخطاها، والامثلة كثيرة تبدأ مع أسعار اللوبياء مثلا  ولا تنتهي عند أسعار البندورة والخيار المتوقعة ان تصل إلى أرقام خيالية في الشهر الكريم.

وفي أسواق اللحوم، فحدث ولا حرج عن غياب المواطن عنها بصورة قسرية. فالدجاج واللحمة تحولا الى طبق خاص بفئات معينة من المجتمع.

وفي هذا الاطار، لا بد من التأكيد ان وزارة الاقتصاد حاولت فرض رقابة معينة، لكنها ومع الأسف لم تصل الى اي نتائج ملموسة. فالأسواق والأسعار في لبنان تغرق بين طمع التاجر والموزع وبين تلاعب الدولار وعدم قدرة الجهات الرسمية على المراقبة والمعالجة.

واليوم وفي ظل زمن “الصوم الكبير” عند المسيحيين وعلى ابواب بداية الشهر الفضيل عند المسلمين، تطرح علامات الاستفهام الجدية حول تغيير أكيد في العادات الغذائية والاجتماعية الناتج عن ارتفاع الأسعار كما ارتفاع الخدمات على انواعها.

صحيح ان الطعام والحلويات لا يشكلان جوهر أيام الصيام ولا جوهر الاعياد، لكنهما يدلان بصورة واضحة على نمط الحياة في بلد معين أو مجتمع محدد، لذلك هل يمكن القول ان المواطن اللبناني التحق بحال المواطنين في الدول الفقيرة جدا فتحوّل الى باحث عما يسد جوعه وجوع عائلته وحسب؟

في الواقع، يبدو هذا هو حال اللبناني في هذه الفترة، لكن التجارب  تؤكد العكس، اذ ان المواطن غالبا ما لا يرضخ لأي تغيير يطال نوعية حياته وغالبا ما يبحث عن بدائل وعن طرق جديدة لتحسين أسلوب حياته.

لكن، في الدوامة التي يعيشها اللبناني اليوم، يبدو ان البحث عن حلول أصبح شبه مستحيل، كما أن البحث عن بدائل أمسى كالبحث عن “ابرة” بين مجموعة من القش. 

وفي هذه الدوامة يبدو ان صبر المواطن شارف على الانتهاء، فاللبناني المعتاد على الفرح والسهر والصرف لن يرضخ لأمر واقع لا ناقة ولا جمل له فيه، والسباق بات واضحا بين الحلول وبين تفلت الشارع.

والى حين بلوغ واحد من الخيارين، سيسجل التاريخ جشعا غير منظور في صفوف التجار ومن لف لفيفهم.

لبنان ٢٤