في ذكرى “14 آذار”.. “8 آذار” تستعيد “نبضها”؟!
في ظروف استثنائية، تأتي ذكرى “14 آذار” هذا العام، على وقع الأزمات المتفاقمة التي تشهدها البلاد منذ أشهر، والتي تتجاوز منطق “الحرية والسيادة والاستقلال” الذي مثّلته يومًا، إلى مجرّد الحق بالعيش والكرامة من دون ذلّ، وعشية انتخابات يصفها البعض بالمفصلية والمصيرية، ولو أنّ البعض الآخر يعتبرها “بلا أفق”، لكونها لن تفضي إلى أيّ “تغيير”، وفقًا لكلّ التقديرات والاستطلاعات.
لكنّ الظروف استثنائية أيضًا بالنسبة إلى المكوّنات التي شكّلت يومًا عمود ما عُرِفت بقوى “14 آذار”، ولو أنّ “تباعدها” بدأ منذ سنوات، وهو سابق حتى لانتخابات 2018، إلا أنّها تشهد اليوم وفق كثيرين، تشرذمًا وتفكّكًا غير مسبوقَين، في ضوء إعلان تيار “المستقبل” تعليق المشاركة في العمل السياسي، والعزوف عن خوض المعارك الانتخابية، وما تركه ذلك من “بلبلة” لم تنتهِ فصولاً بعد، في صفوف مؤيّديه وأنصاره، قبل حلفائه.
وتبدو الظروف “استثنائية” أكثر عندما تقارن قوى “14 آذار” بواقع غريمتها التقليدية، قوى “8 آذار”، التي يبدو أنها ستخوض مرّة أخرى الاستحقاق بقلب واحد، رغم كلّ تبايناتها وخلافاتها، والتي تبدو “مرتاحة” لواقعها الانتخابيّ، بعدما كانت أحزابها “السبّاقة” في إعلان ترشيحاتها الرسمية، وفي التلميح إلى “تحالفها”، حتى إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لمّح بالأمس، ومن دون حَرَج، إلى التحالف “الضمني” مع حركة “أمل”!
“8آذار” جاهزة!
هكذا إذًا، تبدو قوى “8 آذار” جاهزة ومستعدة للانتخابات، أو هذا ما توحي به لوجستيًا وعمليًا، رغم كلّ ما قيل عن سعيها “الحثيث” لتطيير الاستحقاق عن بكرة أبيه، لخشيتها منها. فبعدما كان “حزب الله” عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله أول من أعلن رسميًا أسماء مرشحيه، حذا حذوه كل من “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”، ولو أنّ الأحزاب الثلاثة تركت بعض التفاصيل “عالقة” بانتظار نضوج النقاشات بشأنها.
ويقول العارفون إنّ “حزب الله” هو الذي لعب مرّة أخرى دور “الدينامو” في الحفاظ على “تماسك” فريق “8 آذار” بشكل أو بآخر، خصوصًا أنّ كلّ المؤشّرات كانت تدلّ على أنّ “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” لن يتحالفا في أيّ دائرة في لبنان، ومهما كانت الحاجة ملحّة لذلك، قبل أن تتغيّر المعطيات في اليومين الماضيين، ليعود الحديث عن “تحالفات على القطعة”، بناء على “المصلحة الانتخابية”، وهو ما قرئ من خلف سطور مؤتمر باسيل الأخير.
ولا يقتصر “التقاطع” عند هذه النقطة، وفق ما يرى العارفون، إذ إنّ “جهوزية” هذه القوى تنعكس على الخطاب السياسي والانتخابي الذي بدأ يجد “مشتركاته”، فبعدما تحدّث “حزب الله” عن “حرب تموز سياسية” تمثّلها الانتخابات المقبلة، التي يريدها “استفتاء” على “المقاومة”، بدا من خطاب باسيل أنّه تبنّى بدوره منطق “الحرب”، ولكن وفق أولوياته، فتحدّث عن “حرب تحرير اقتصادية” يريد أن تفضي الحرب إليها، ولو بعد سنوات طويلة في السلطة.
ماذا عن “14 آذار”؟
في مقابل الاستعداد والجهوزية الواضحَين لدى “8 آذار”، يبدو أنّ فريق “14 آذار”، ولو أنّه بات من الماضي، وكثير من مؤسّسيه ورعاته يؤكدون أنّه ولّى إلى غير رجعة، يعيش “أسوأ أيامه”، فهو قبل يوم واحد من إقفال باب الترشيحات إلى الانتخابات، لا يزال “منقسمًا” على نفسه، في ظلّ هيمنة “خلافات” أفرقائه على “التنافس” مع الخصوم، ولا سيّما بعد “عزوف” الرئيس سعد الحريري، وما تركه من “تشويش” على الساحة.
ومع أنّ حزب “القوات اللبنانية” مثلاً كان في طليعة القوى التي باشرت الإعلان عن مرشحيها، حتى قبل “حزب الله”، ولكن على طريقة “التقسيط”، وسط حديث عن تحالف “محسوم” مع “الحزب التقدمي الاشتراكي”، فإنّ الصورة لا تبدو “ورديّة”، خصوصًا أنّ بعض “التفاصيل” لا تزال محور خلاف ونقاش، ولا سيما في ضوء “الارتباك” الذي يسيطر على الساحة السنية، بعدما كان التحالف مع تيار “المستقبل” رافعة لهذا التحالف في الدورات السابقة.
وفي وقت بدا أنّ سعي الرئيس فؤاد السنيورة لملء “الفراغ”، عبر رفضه “إخلاء الساحة”، وعمله لتشكيل لوائح في مواجهة “حزب الله”، خصوصًا في بيروت وطرابلس، مع انفتاح على التحالف مع “القوات” و”الاشتراكي” وغيرهما، فإنّ مشروعه تعرّض لـ”اهتزاز” في اليومين الماضيين، مع “تنصّل” العديد من “المستقبليّين” منه، “تضامنًا” مع الرئيس الحريري، ومن باب “الوفاء” له، وهو ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وفق قراءات متقاطعة.
ثمّة من يقول إنّ “8 و14 آذار” باتا من الماضي، وإنّ البلاد تجاوزت هذا “الاصطفاف” منذ سنوات، وتحديدًا منذ بداية “عهد” الرئيس ميشال عون، بعدما “خلط” انتخابه الحابل بالنابل، فـ”ذاب” المعسكران وانقسما على بعضهما بعضًا. لكنّ المعطيات على الأرض لا تزال تدحض هذه الأقوال، ربما من باب “حنين” البعض إلى ما يعتبره “زمنًا جميلاً”، وربما من باب “البكاء على الأطلال”، أطلال مشروع سياسي طموح أصبح في خبر كان!
المصدر: لبنان 24