المرتضى: للحجر ذاكرة لا يعتريها النسيان فلنحافظ عليه
عرض وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى لاستراتيجية الوزارة – المديرية العامة للآثار لإعادة إعمار و/أو ترميم الأبنية ذات الطابع التراثي المتضررة من جراء انفجار بيروت في 4 آب 2020، خلال اللقاء التشاوري الذي انعقد في فندق “الموفامبيك” والذي يهدف إلى إعادة إعمار مساكن بيروت وإنعاش التراث الثقافي والصناعات الإبداعية بهبة من البنك الدولي بقيمة 13 مليون دولار أميركي من ضمن برنامج:
Lebanon financing facilities LFF.
حضر اللقاء نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، المدير الإقليمي للبنك الدولي، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود وحشد من الفاعليات والشخصيات والهيئات الدولية والمحلية المعنية بالارث الثقافي
وعبر الوزير المرتضى في مستهل كلمته عن حجم المأساة التي طالت العاصمة بيروت، وقال: “في انفجار مرفأ بيروت، لا خسارة توازي أرواح الضحايا وجراح المصابين وآلام المواطنين الذين فقدوا أحباءهم. إنها خسارة هائلة لا تعوض، تليها أخرى يمكن تعويضها منيت بها الذاكرة الثقافية للعاصمة التي فقدت أيضا دورا وعمائر وأبنية هي منها بمنزلة الروح، وقد شكلت متحفا عمرانيا حيا اجتمعت فيه تراثات متعددة عاشتها بيروت وحفظتها وحافظت عليها، حتى حاق بها الدمار الكلي أو الجزئي من عصف الانفجار. إرث ثقافي هو بين أيدينا وديعة الآباء وأمانة الأجيال الآتية، ولهذا، فإن ترميمه وإعادته إلى قيد الوجود وحمايته مسؤولية وطنية تحملها وزارة الثقافة من ضمن صلاحياتها، بالتعاون مع سائر الوزارات، وبالتنسيق مع المؤسسات العامة والخاصة والشركاء المحليين والدوليين، ذلك أن الإمكانات المادية والبشرية وما أقر لها في الموازنة العامة لا يكفي وزارة الثقافة وحدها لكي تحمل هذا العبء الكبير
أضاف: “الحقيقة أنه كان انفجارا مأسويا دمر البشر والحجر، وترك على جسد الثقافة العمرانية في الأحياء البيروتية المحيطة بالمرفأ، جراحا عميقة طاولت أبنية يعود إنشاء بعضها إلى زمن السلطنة العثمانية، وأخرى إلى زمن الانتداب، وغيرها إلى زمن قريب، بالإضافة إلى صناعات ثقافية إبداعية ونسيج اجتماعي خاص بتلك البيوت العريقة
وتطرق وزير الثقافة في مداخلته الى مسؤولية الوزارة إثر الانفجار، “حيث بادرت إلى إجراء كشف ميداني حسي على الأحياء المتضررة، فإذا بها أمام خسائر جسيمة في عدد هائل من الأبنية والقصور التاريخية. فسارعت إلى تشكيل خلية أزمة، ضمت بالإضافة إلى الجهاز الفني في المديرية العامة للآثار، العديد من المهندسين خريجي معهد الترميم في الجامعة اللبنانية، ومن الخبراء المتطوعين الذين قدموا خبراتهم انطلاقا من حسهم الوطني. وكان على الوزارة أن تستعين بالجمعيات العالمية التي تعنى بالشأن الثقافي من أجل المساعدة في تلك الورشة، بسبب عدم توفر الاعتمادات في موازنتها. وفي هذا الإطار، لا بد من التنويه بالدعم المادي والتقني الذي قدمته منظمة الأونيسكو ومعهد الآثار الألماني ومنظمة أليف ومتحف اللوفر والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومنظمة البلو شيلدز والسفارتان الإيطالية والفرنسية والعديد من الجمعيات الأهلية المحلية
وتابع: “في البداية أجرت الوزارة مسحا ميدانيا للأضرار اللاحقة بالأبنية التراثية في هذه الأحياء، فقسمتها لدواعي تسهيل المسح إلى ثلاث مناطق: (المنطقة الحمراء والمنطقة البرتقالية والمنطقة الزرقاء) وذلك استنادا إلى معيار قربها من موقع الانفجار ومدى مواجهتها له. وبناء عليه، تم تحديد الأبنية التراثية المتضررة وفقا لدرجة خرابها. واستتبع ذلك بخطة عمل ثلاثية المراحل تحدد هدف كل واحدة منها بالاستناد إلى أولويات التدخل الميداني والتقني. وتم التواصل بشكل عاجل وطارىء مع عدد من المتعهدين الذين، مجانا ومن دون مقابل، لم يتوانوا عن إنجاز أعمال المرحلة الأولى المتضمنة تدعيم الأبنية التراثية المتصدعة، وسقف سطوحها لحمايتها من تسرب الأمطار، منعا لمزيد من الأضرار. أما المرحلة الثانية التي تشمل الترميم فما تزال بطيئة نظرا إلى ضآلة التمويل، لذلك أطلقت وزارة الثقافة حملة “تبني منزل” Adopt a House التي تهدف إلى تأمين مساعدات عينية من أجل استكمال هذه المرحلة الثانية
وقال: “إزاء ذلك، وإثر صدور القانون رقم 194 الرامي إلى حماية المناطق المتضررة جراء انفجار بيروت، أطلقت وزارة الثقافة مشروع استراتيجية وطنية تهدف إلى إعادة إعمار الأحياء التاريخية المتضررة، وفق آلية عمل متكاملة من النواحي المالية والتشريعية والفنية. فبادرت إلى تشكيل لجان متخصصة ضمت إلى الجهاز الفني فيها فريقا من الإختصاصيين في مجال حفظ التراث العمراني الحي وتطويره. وقد عملت هذه اللجان، بدعم مالي من الأونسكو، على مؤازرة المديرية العامة للآثار في وضع خطة ميدانية لحفظ التراث العمراني التاريخي في العاصمة بيروت وإبرازه وتطويره، واستثماره لتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة”.
وقدم وزير الثقافة شرحا مفصلا لخطة عمل تتناول المحور الفني والتقني والتشريعي، مشيرا الى أن الوزارة، “أعدت ورقة عمل لتنفيذ هذه الخطة الميدانية، بينت فيها أبرز الخطوات العملية التي تسعى الوزارة إلى تنفيذها وتتمنى من جميع الشركاء المساعدة على تحقيقها. وليست كلمتي اليوم أمامكم سوى اختصار لتفاصيل ورقة العمل تلك التي تضمنت محورين أساسيين ينبغي العمل عليهما بالتوازي وصولا إلى تحقيق الغاية المنشودة وهما
أ- المحور الفني والتقني ويتضمن
استكمال عملية جرد الأبنية التراثية (التاريخية والحديثة) في مدينة بيروت.
توسيع نطاق حماية هذه الأبنية لتشمل أيضا العمارة التراثية الحديثة التي تساهم أيضا في رسم الهوية المعمارية للعاصمة بيروت، وتعكس وجهها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي خلال فترة النهوض الاقتصادي، وتجسد الفن المعماري والتقنيات المعتمدة في المدارس المعمارية العالمية الحديثة والمعاصرة. كما يقتضي أن تشمل الحماية التراث الثقافي الطبيعي، عبر الحفاظ على الحدائق، الساحات التاريخية، الشطور الحيوية من الواجهات البحرية، الصروح الثقافية (المتاحف، المسارح،)، الأماكن العامة الحيوية (المقاهي،…)، وذلك لكونها جزءا أساسيا من الديناميكية الثقافية لتاريخ بيروت المعاصر.
التعاون مع وزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للتنظيم المدني وبلدية بيروت لإعداد دراسات تفصيلية لمدينة بيروت تلحظ الحفاظ على الإرث المعماري والثقافي والطبيعي الموجود وإبرازه وتطوير محيطه العمراني الموجود بما يتلاءم معه، تمهيدا لإصدار المخططات التوجيهية وأنظمة البناء بالشكل الذي يساهم في الحفاظ على الإرث المعماري والثقافي والطبيعي والاجتماعي وإبرازه وتطويره
ب- المحورعلى الصعيد التشريعي ويتضمن: السعي إلى إقرار مشروع القانون المقترح لحماية المواقع والأبنية التراثية، لكونه يشكل الحل الأنسب للحفاظ على التراث العمراني وللتعويض على مالكي هذه الأبنية دون أن يرتب هذا الأمر أي أعباء مالية على خزينة الدولة، تفعيل القوانين والأنظمة التي تنظم عملية الحفاظ على الإرث الثقافي المادي واللامادي لا سيما قانون حماية الممتلكات الثقافية – 2008 ووضع المراسيم التطبيقية اللازمة، ولا يفوتني أن أشير إلى أنه بالرغم من الدمار الهائل الذي أحدثه انفجار مرفأ بيروت، والضرر الذي ألحقه بالآلاف من الوحدات السكنية، والمئات من الأبنية التراثية والتاريخية، فإن أجواء التضامن والتعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة والإدارات الرسمية مع المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية أشاعت التفاؤل والأمل بإعادة إعمار بيروت، وفق الخطة الإنقاذية التي ذكرت والتي يتوقف نجاحها على استمرار هذا التعاون والتنسيق بين الأطراف المعنية، لا سيما بين وزارة الثقافة وكل من: وزارة الدفاع الوطني – الجيش اللبناني ،الهيئة العليا للإغاثة، محافظ مدينة بيروت، بلدية بيروت، نقابة المهندسين، المجتمع المحلي، الجمعيات المحلية والعالمية والمنظمات المحلية والدولية العاملة في الشأن الثقافي
وأوضح أن “هذا اللقاء التشاوري، الذي يهدف إلى إعادة إعمار مساكن بيروت وإنعاش التراث الثقافي والصناعات الإبداعية، ما كان ليتم لولا هبة البنك الدولي بقيمة 13 مليون دولار أميركي من ضمن برنامج: Lebanon financing facilities LFF . كان سريعا التجاوب الذي أبداه البنك الدولي، إذ عقد اجتماعا بتاريخ 12 آب 2020 مع وزارة الثقافة لوضع خطة إنقاذيه بدأنا نرى ثمارها اليوم. فنغتنم هذه الفرصة لشكر البنك الدولي وجميع الشركاء المعنيين، ومنظمي هذا اللقاء، الذي نأمل أن تتوج أعماله بالنجاح والتوفيق
وختم الوزير المرتضى قائلا: “للحجر ذاكرة لا يعتريها النسيان، ووجه ماض موغل في المستقبل، وهو الناطق الفصيح بلغات الحضارات المتعاقبة، فلنحافظ عليه حيا نحافظ على تراث بيروت