لم تستوِ العلاقة بين المصارف والمودعين خلال مسار الانهيار المتواصل. ويستمر الطرفان في شحذ الأسلحة المالية والقضائية، لتأمين مصالحهما. على أنَّ الواقع السياسي في البلاد يفرض على الطرفين ضغوطاً إضافية، ويؤكّد أن المعارك مستمرّة.
دعاوى إضافية
لجأَ المودعون إلى القضاء للحصول على ودائعهم. لكن الاعتكاف القضائي عرقلَ الكثير من الدعاوى، باستثناء القرارات التي اتّخذها بعض القضاة بإلزام عدد من المصارف الكبرى بدفع الودائع بالدولار، في لبنان والخارج. وجرى إصدار قرارات بمنع نقل وتحويل الأموال، ووضع إشارات منع تصرُّف بعقارات وأملاك منقولة وغير منقولة لعدد من المصرفيين. فضلاً عن قرارات بمنع السفر بحق رؤساء مجالس إدارة 5 مصارف.
ومع ذلك، لم يكن القضاء في العام 2022 على قدر توقّعات المودعين أصحاب الحقوق الذين ينظرون إلى العام 2023 بإيجابية أكبر. إذ تقول المحامية في رابطة المودعين، زينة جابر، أنه “إذا كان عام 2022، عام الاعتكاف القضائي، فإن العام الجاري لن يكون كذلك، فهناك حلحلة على هذا الصعيد، وهو أمر جيّد للمودعين ونافذة تحرُّك لهم”.
ولأن القضاء “يجب أن يكون الملجأ الأساسي للمودعين”، تؤكّد جابر في حديث لـ”المدن”، على أن الرابطة “تحضِّر ملفات أساسية لتقديمها للقضاء في العام 2023، ضد عدد من المصارف الأساسية في البلد”.الإيجابية التي تنظر من خلالها جابر لمسار الأمور في العام الجاري، رافقها تقييم إيجابي للضغط الذي قام به المودعون في العام الماضي. فعلى المستوى التشريعي “جرى رفض المشاريع المشوَّهة لقانون الكابيتال كونترول الذي يعكس واقع الصراع الفعلي للمودعين مع المصارف.
ولذلك، يبقى هذا القانون ملفاً مهمّاً لدى المودعين في هذا العام، سيعملون عليه بدعم من نواب التغيير داخل المجلس النيابي”. ولفتت جابر النظر إلى أن المودعين يتعاملون مع “واقع مفروض عليهم، ولذلك على المسار القانوني أن يكون جزءاً من الحل الشامل”.المصارف بدورها ستواصل “مسارها الذي بدأته بالضغط على المودعين، وستستمر بفرض سقوف على السحوبات بالدولار، وبزيادة السحوبات بالليرة لإقفال المزيد من الحسابات، وتطبيقها لتعاميم مصرف لبنان باستنسابية”.
سنة ضبابية
يُحيل القطاع المصرفي ما آلت إليه الأمور في العام 2022، إلى غياب الاستقرار السياسي. فما يحصل في المصارف “هو نتيجة للسياسات المتَّبعة وليس سبباً لما يحصل”، وفق مصادر من داخل القطاع. والسؤال الأساسي وفق ما تقوله المصادر لـ”المدن”، هو “هل سيكون هناك بلد أم لا. وهل سيكون هناك رئيس للجمهورية وحكومة ويستأنف مجلس النواب عمله التشريعي بشك فعلي، أم لا”.
تحت هذه المظلَّة، يرى رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، خلال حديث لـ”المدن” أن القطاع المصرفي “في حالة انتظار لتطبيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد. والقطاع ينتظر الجواب النهائي للدولة عن مصير ديونها للمصارف، والتي تصفها بالخسائر، فيما هي ديون. وكذلك تنتظر التفاوض مع حملة سندات اليوروبوند.. وغيرها من الملفّات التي لم تشهد تقدّماً في العام 2022”.
عدم الانتقال إلى مرحلة أفضل، يعني وفق غبريل “عدم تقديم الدولة إجابات للقطاع المصرفي وللمودعين الذين ينتظرون إجابات على ثلاثة أسئلة جوهرية، هي: مصير ودائعهم، طريقة استردادها، والمهلة الزمنية للاسترداد. والإجابات يفترض أن تأتي من السلطتين التشريعية والتنفيذية، وليس من المصارف أو المودعين”.
من ناحية ثانية، تنتظر المصارف محطات مفصلية مثل البَت بمشروع إعادة التوازن للقطاع المالي ومشروع إعادة هيكلة المصارف “فهل سيصار إلى تأخير نقاشها على غرار ما حصل مع قانون الكابيتال كونترول، خصوصاً في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية؟”. بالنسبة لغبريل، إن عدم احترام المهل الدستورية وعدم إجراء الإصلاحات “يجعل من العام 2023 سنة ضبابية للقطاع المصرفي”. ولأن الحل يبدأ من القرار السياسي، فهناك مخاوف لدى القطاع، لأن السلطة السياسية لم تُجرِ الإصلاحات على مستوى باقي القطاعات، ومنها الكهرباء والقضاء والقطاع العام، ولم تستعد ثقة الخارج “بل ركّزت على الشق التقني المتّصل بالقطاع المصرفي، فيما جذور الأزمة غير تقنية، ولذلك، الحل غير تقني”.
المصارف أقوى
العلاقة بين المصارف والمودعين مضطربة، وستبقى كذلك. وردود فعل المودعين التي تتجلّى بالاقتحامات والدعاوى القضائية، لن تغيب. وكذلك استنسابية تطبيق المصارف للقوانين ولقرارات وتعاميم مصرف لبنان. وفي حال ترجيح كفّة المودعين، لن تجد المصارف مهرباً من لعب ورقة الإقفال، إما بقرار مباشر من جمعية المصارف، أو بدفعٍ غير مباشر من موظّفي المصارف.
أما القضاء، فللمصارف بعض الحلول لكبحه. أحدها الإضراب وعدم الإلتزام بالقرارات التي توصَف بـ”التعسّفية” إذا صبَّت في مصلحة المودعين. وبعض الحلول قد يلبس رداء الرشوة، على غرار مضاعفة رواتب القضاة. كما أن المصارف قد تزيد من مستوى استمالة كبار التجّار والمستثمرين للدفاع عنها، من خلال تقديم عروضات دولارية لهم، مع مراعاة ضماناتها.
المصدر: المدن