محليات

وفد قضائي أوروبي إلى لبنان: سابقة تطرح إشكاليّات “أصول التعاون”

في سابقة قضائية، تبلّغت السلطات اللبنانية من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ عبر كتاب رسمي، أن وفداً قضائياً من الدول الثلاث سيزور بيروت بين 9 و20 كانون الثاني الجاري، وتردّد عبر أكثر من مصدر، أن هدف الزيارة التحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولين في البنك المركزي ومسؤولين آخرين في عدد من المصارف، في إطار الاطلاع على عمل النظام النقدي والمصرفي في ظل الأزمة الحالية وتحوّل لبنان إلى اقتصاد الـ”كاش” Cash economy الذي يُسهّل عمليات تبييض الأموال.

وهذا التبليغ من دون سابق إنذار، يطرح تساؤلا في شأن السيادة الوطنية المتمثلة بالقضاء اللبناني من جهة، واستقلاليّته من جهة أخرى!

في قراءة قانونية لهذه الخطوة، يرى الخبير القانوني المحامي الدكتور بول مرقص عبر “المركزية”، أنه “على رغم إقرارنا بضرورة مكافحة الفساد وتفعيل التحقيقات القضائية عموماً، إلا أن ثمّة أصول لإجراء التحقيقات القضائية، خصوصاً عندما يكون الأمر بين دولتين”، ويقول: هناك مرتكزات أساسية في القانون المحلي يجب احترامها في مجال التعاون الدولي القضائي، ومنها المادة /20/ من قانون العقوبات اللبناني التي تنصّ على “الصلاحية الشخصية” أي صلاحية المحاكم اللبنانية بالأولوية على كل لبناني يرتكب جريمة في الخارج، ما لم تأتِ التحقيقات في إطار التعاون الدولي الذي تسمح به اتفاقات موقّعة بين الدولتين. هذا ما يتوافق مع أحكام المادة /49/ من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والموقّعة من قبل لبنان عام 2009، التي تحثّ على توقيع اتفاقات ثنائية مراعاةً لمبدأ السيادة المحليّة.

يُضيف: بالتالي، لا يجوز لأي جهة خارجية أن تتجاوز السيادة القضائية المطلقة للمحاكم اللبنانية. في حال رغبت دولة أجنبية في إجراء تحقيقات ضمن هذه السيادة يتوجّب عليها طلب ذلك بموجب استنابة قضائية توجّه إلى القضاء اللبناني المختصّ الذي يعود له حصراً حق تنفيذها والاستجواب فيها بحضور قضاة من الدولة صاحبة الإستنابة. على سبيل المثال، سابقة رجل الأعمال كارلوس غصن الذي استمع القضاء الفرنسي إليه من خلال قاضٍ لبناني تسلّم الأسئلة من الجانب الفرنسي ثمّ وجّهها إليه.

ويُشير في السياق، إلى أنه “يجوز للمحققين الأوروبيين التحقيق في دول الاتحاد الأوروبي حصراً وفقًا لأحكام التوجيه الصادر عن البرلمان الأوروبي عام 2014 في ما يخصّ “التحقيق الأوروبي في المسائل الجنائية”، ما يعني أن أي تحقيق خارج حدود الاتحاد الأوروبي يستتبع اتخاذ الإجراءات السابق ذكرها وفقاً للمبادئ الدولية واحتراماً للسيادة الوطنية للدول”.

ويوضح مرقص أن “الدستور اللبناني يرعى في مقدمته مبدأ سيادة الدولة اللبنانية “Principe de souverainte de l’etat” بحيث لا تخضع الدولة لأي كيان آخر ولا تخضع إلا لإرادتها وتمارس سلطتها على مواطنيها وضمن إقليمها. بالتالي، فإن السماح للجهات القضائية الأوروبية بهذا المستوى من الخرق للسيادة اللبنانية سيشكّل سابقة من شأنها فتح الأبواب أمام أي دولة في العالم تفترض أنها تُمسك قضية على مواطن لبناني، ما يُعتبر أيضاً مخالفة لأبسط قواعد البروتوكول بين الدول ومسّاً جوهرياً بسيادة القانون اللبناني على الأراضي اللبنانية”.

من هنا، يشير إلى أن “ثمّة إشكاليّات عديدة مطروحة أمام الوفد القضائي الأوروبي ومنها الأصول التي يجب أن تُراعى عبر النيابة العامة اللبنانية، من بينها الأسئلة المتعلّقة بـ: مكان إجراء الاستجواب، مَن سيحضره، ماذا سيلي الاستجواب من تدابير قضائية، وما إذا كان التوقيف ممكناً في حال أريد توقيف المشتبه به، وأين سيتمّ التوقيف؟”.

ويخلص مرقص إلى القول: كلّها إشكاليّات لا يمكن حلّها إلاّ بالتعاون القضائي بحسب الأصول، وليس بمجرّد إبلاغ النيابة العامة في لبنان بمجيء الوفد الأوروبي من أجل حلّ هذه المسائل الشائكة.

ميريام بلعة – المركزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى