هل يُعدّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مكسباً للطرفين؟
أنجزت الولايات المتحدة جولة دبلوماسية فاعلة في تشرين الأول، بعد أن اتفق كل من لبنان وإسرائيل على تسوية معظم حدودهما البحرية.
وبحسب صحيفة “ذا هيل” الأميركية، “بالطبع، يرجع الفضل في هذا الإنجاز أيضًا إلى الطرفين، لكن الوساطة الأميركية كانت ضرورية لتمهيد الطريق للمفاوضات غير المباشرة في الغالب، واستعادة الزخم عندما بدا أن العملية قد تتوقف بشكل دائم، وإبقاء الأطراف على المسار الصحيح إلى أن توصلا إلى اتفاق. إن حقيقة التوصل إلى اتفاق هي بحد ذاتها انطلاقة ملحوظة بعد عقود من العداء المتبادل بين لبنان وإسرائيل. فنذ لحظة إنشاء إسرائيل في العام 1948، كانت هناك حالة حرب بينها وبين لبنان، لذلك، لدى كل جانب الكثير من الأسباب لعدم الثقة بالآخر”.
وتابعت الصحيفة، “استغرق الأمر أكثر من عقد من الاتصالات المتقطعة، وكلها تقريبًا تتكون من رسائل تم تبادلها من خلال وسطاء أميركيين، ولكن في النهاية ساد المنطق، وتم تنفيذ الصفقة، وهي جيدة لكلا الجانبين. يستخرج الإسرائيليون الغاز البحري منذ عام 2004 ويصدرون بعضًا منه إلى الأردن منذ عام 2017، لكن الاتفاقية تعزز قدرتهم على توسيع الإنتاج والاستفادة من الأسواق الهائلة في أوروبا. أما صناعة الغاز في لبنان فهي أقل تقدمًا بكثير، لذا فإن الاعتراف بحدود البلاد البحرية أكثر أهمية: إن الاعتراف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ) يجعلها وجهة قابلة للتطبيق للاستثمار الأجنبي المطلوب للأنشطة الهيدروكربونية البحرية، كما وأن الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد تجعل فرصة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وحتى كسب عائدات التصدير التي تشتد الحاجة إليها أكثر جاذبية”.
وأضافت الصحيفة، “إذا كان الصبر هو الذي أبقى الأمل حياً على الرغم من الفترات المتكررة من التوترات المتصاعدة التي تهدد بعرقلة العملية، فقد كانت الدبلوماسية الإبداعية هي التي أثبتت حكمة هذا الصبر من خلال تحديد الحلول الوسط العملية التي يمكن أن يراها كلا الجانبين على أنها عادلة ومنصفة. لسبب واحد، فقد سد الاتفاق الفجوات التي يضرب بها المثل بين مواقف الجانبين من خلال ترك فجوات فعلية في الخط الفاصل بين المناطق البحرية لكل منهما. يقع أحدهما في الطرف الغربي للحدود المتفق عليها، حيث يتوقف على بعد أقل من كيلومتر واحد من الخط الثنائي الذي أنشأته إسرائيل وقبرص في عام 2010. وهذا يترك للمفاوضات المستقبلية الموقع الدقيق لنقطة “التقاطع” حيث ستلتقي المنطقتان اللبنانية والإسرائيلية بنقطة قبرص”.
وتابعت الصحيفة، “أما الفجوة الأخرى ففي الطرف الشرقي، تاركة مسافة أطول بكثير (حوالي 5 كيلومترات) من المياه المفتوحة بين الحدود البحرية المتفق عليها ونقطة النهاية البرية (LTP) للحدود البرية للبلدين. نظرًا لأن لبنان وإسرائيل لم يتفقا بعد على موقع لتلك النقطة، وبما أن مناطق الموارد الواعدة – لا سيما منطقة قانا التي يعتقد أنها تشكل خزانًا مهمًا من الغاز الطبيعي – تقع بعيدًا عن الشاطئ، كان من المنطقي ترك هذا الجزء الساحلي لوقت لاحق. بالمثل، تم تطبيق نهج عملي على منطقة قانا نفسها، ويعتقد أنها تمتد عبر الحدود المتفق عليها بين بلوك 9 في لبنان والمياه الإسرائيلية المجاورة. كان الحل هو أن يكون هناك طرف ثالث مستقل يتعامل مع أي اتصالات ضرورية مع الجانب الإسرائيلي وتعويضاته المالية المحتملة”.
وبحسب الصحيفة، “لكل هذه الأسباب (وغيرها)، فإن الاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية تقدم مثالاً رائعاً لحل النزاعات البحرية الأخرى حول العالم. يتطلب التوصل إلى مثل هذا الاتفاق من كل جانب ممارسة قدر من التعاطف الاستراتيجي تجاه الآخر، وهو إنجاز ليس بالأمر السهل بالنسبة للأطراف التي اعتادت على النظر إلى بعضها البعض نظرة عداء. من العدل أن نتوقع أيضًا أنه إذا قررت الأطراف تسوية جوانب أخرى من نزاعها، أو حتى عندما يحتاجون فقط إلى نزع فتيل أزمة مستقبلية دون إراقة دماء، فإن هذه التجربة ستكون معياراً مفيدًا. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن قيادتها الناجحة للمفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية تثبت أنها لا تزال مهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتأتي في وقت تشكك فيه بعض العواصم العربية في صدقية الولايات المتحدة وعزمها. يظهر أداء واشنطن أنها تستطيع إنجاز الأمور من دون الاضطرار إلى القيام بعمل عسكري أو التهديد بالقيام به”.
وختمت الصحيفة، “بالنسبة لأطراف النزاعات البحرية في كافة أنحاء العالم، تقدم الاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية دليلاً على أنه حتى الأعداء اللدودين، يمكنهم العثور على نتائج مقبولة للطرفين بشأن بعض القضايا التي تفرق بينهم على الأقل”.