لا حلول في الملف الرئاسي… المعطّلون إلى الفشل الثامن
لبنان محكوم بمفارقة غريبة؛ كلّ السياسيين والحزبيّين يقولون علناً وجهاراً بأنّه لا بدّ لهذا الليل الرئاسي من أن ينجلي، ولا بدّ من انتظام المؤسسات وفي مقدّمها رئاسة الجمهورية. ويحذّرون من انّ لبنان بلا رئيس للجمهورية، كجسم بلا رأس، لا يمكن للدورة الدموية أن تكتمل فيه من دون الرأس. ولكن هذا التشبيه السوداوي يناقضه واقع سياسي مريض، والتحذيرات تبخّرها نار العداوات، وعمق التناقضات وحدّة الانقسامات وتعدّد الأجندات، والافتراق حتى على أبسط البديهيات، وعلى نحو يوحي وكأنّ ثمّة قراراً ضمنياً في مكان ما، بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وإغلاق كل المنافذ المؤدية إلى انفراج رئاسي.
في هذا الجوّ المقفل الملبّد بالتعقيدات، يكاد العقل لا يستوعب هذا القدر من اللامبالاة، بل هذا القدر من الظلم الذي يُمارس على هذا البلد واهله؛ فاللبنانيون لم يعودوا قابلين بأن يُخدَعوا ويُستدرجوا إلى عناوين وشعارات خادعة تغطي حسابات ورهانات وطموحات، صار كل شيء مفضوحاً امامهم، وصارت اللعبة مكشوفة، ولم يعودوا في حاجة إلى من يثبت لهم أنّ مكونات الإنقسام الداخلي هي الأكثر بعداً عن الواقع اللبناني، وتتعامل معه كما لو أنّ شيئاً لم يحدث، وكما لو أنّه سليم معافى لا تخنقه أزمة تهدّد مصير وطن وشعب وحسمت خياراتها بالانخراط في حفلة عناد متبادل، قزّمت فيها انتخاب رئيس الجمهورية من كونه الاستحقاق الوطني الاول، إلى مجرّد استعراض باهت، خلف المنابر وعلى الشاشات وفي جلسات الفشل في انتخاب الرئيس.
انتقاد… وتوبيخ
الشهر الأول من الفراغ الرئاسي، كشف الغشاوة الخادعة، وعرّى مكوّنات الانقسام من أوراق التوت الساترة لنواياها وتوجّهاتها وقدراتها العاجزة عن استمالة الاستحقاق الرئاسي اليها ولو بمقدار بوصة ومفاخرة تلك المكونات، ببلوغها نقطة اللاعودة عن مسلّماتها التصادمية، وثوابتها التعطيلية، وتكسيرها مراكب التوافق التي لن يأتي الرئيس إلّا على متنها. لا تغيّر في حقيقة انكشافها أمام الشريحة الواسعة من اللبنانيين، وكذلك أمام من يُصنّفون في خانة الأصدقاء والأشقاء للبنان وما يُقال داخل جدران المجالس السياسية والأروقة الديبلوماسية من مقاربات ساخرة لمجريات المشهد الرئاسي، وانتقاد لـ«صراع الحسابات والمصالح وتضييع الفرص»، وتوبيخ صريح ومباشر لاذع في حدّته لأطراف لا تريد ان تساعد بلدها وتشدّه أكثر إلى قعر الأزمة، إضافة إلى توصيفات وتصنيفات تطأطئ رؤوس المعطّلين.
الفشل الثامن النتيجة الموضوعية لهذا المشهد، استمرار الدوران في الحلقة المفرغة، وفشل ثامن في انتخاب رئيس للجمهورية في المجلس النيابي اليوم، تضيفه مكونات الانقسام الداخلي إلى رصيد هروبها من التوافق المفتوح على فشل تلو الفشل، فيما البلد آخذ في التدحرج في منحدر الإفلاس في كل المجالات؛ الواقع اللبناني ينهار ومخزونه طافح بالتعقيدات وصواعق الانفجار، فالأمن الاجتماعي معدوم، تنعاه دولة فارغة لا حول لها ولا قوة ولا وزارات ولا ادارات ولا حتى أبسط الخدمات، والأمن الداخلي فلتان وفوضى وسرقات وجرائم باتت في أعلى المعدلات، وفقدان لعنصر الطمأنينة والأمان، وفوق ذلك أزمة طاحنة تنذر بحرائق اقتصادية ومعيشية واجتماعية ومالية، ومخاوف اللبنانيين الرازحين تحت وطأتها، تتزايد من سيناريوهات جهنمّية يتهيّبون من أن تبلغ بهم مرحلة الارتطام الكارثي الرهيب .. فإلى أين يريد ان يصل المعطّلون؟
لا حل في الأفق
على انّ الصورة في الداخل، تلخّصها لـ«الجمهورية» مصادر متابعة لتفاصيل الملف الرئاسي، بقولها: «ان لا اتصالات داخلية بالمعنى الحقيقي، ولا حراك على أي مستوى مرتبط بالملف الرئاسي، فتبعاً لمواقف الاطراف جميعها، فإنّ بوصلة التوافق الداخلي ضائعة، وبالتالي لا حلّ رئاسياً يلوح في الأفق».
ورداً على سؤال عمّا يُحكى عن تسويات ممكنة في المدى المنظور، قالت المصادر: «الوضع الرئاسي المعقّد أطلق العنان لبعض المخيلات في ان تنسج روايات، وتفترض سيناريوهات، وتختلق تحالفات، وتتخيّل تسويات وانفراجات، فيما الواقع مناقض تماماً لهذه الملهاة التي اختلقها بعض منجمّي السياسة، ويؤكّد بما لا يقبل أدنى شك انّ من العبث الحديث عن أي تسويات او انفراجات، طالما انّ التربة اللبنانية على ما هي عليه في هذه الفترة غير مهيأة بعد لأي توافق ولأي تسوية».
وتبعاً لذلك، فإنّ المصادر تتحدث عن شهور طويلة من الشغور في سدّة الرئاسة الاولى. ولكن مهما دارت المواقف حول نفسها، وتصادمت الإرادات، فسنصل في نهاية المطاف إلى مرحلة مفصلية تختلط فيها كل الاوراق، وتقف مكونات الداخل جميعها على المفترق، للاختيار بين الذهاب في اتجاه إعادة ترميم الوضع الداخلي بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية ضمن تسوية سياسية داخلية، او الذهاب الى فوضى شاملة بتداعيات شاملة على كل المستويات.