ثورة وليست احتجاجات.. ماذا يحدث في إيران؟
لم يشهد النظام في إيران مقاومة شبابية بمثل هذا القدر التي شهدتها الاحتجاجاترالتي اندلعت عقب مقتل شابة كردية على يد شرطة الأخلاق في طهران.
تحولت شعارات “المرأة، الحياة، الحرية”،”و”الموت للديكتاتور” و”عار”.. التي تصدح بها حناجر الإيرانيين في انتفاضتهم ضد النظام الحاكم، إلى رموز مميزة للاحتجاجات الإيرانية، غير أن اختيار هذه الشعارات ليس عشوائيا، بل إن خلف كل واحد منها خلفيات ومعاني، أفرزتها سياقات خاصة، بحسب مقال تحليلي لصحيفة “واشنطن بوست”.
ويشير المقال إلى أن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي اندلعت ردا على وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها من طرف ما يسمى “شرطة الأخلاق”، تصاعدت حدتها واتسعت لتشمل مجموعة من المطالب، تنعكس على صرخات المحتجين.
أستاذ التاريخ الحديث للشرق الأوسط في غولد سميث بجامعة لندن، إسكندر صادقي بروجردي، يقول إن صرخات الحركة الاحتجاجية بإيران، توجه”نقدًا لاذعا للديكتاتورية”، كما تفتح مجموعة من النقاشات الجندرية والدينية والعرقية.
ويلفت المقال إلى أن مساعي السلطات للتستر على حادثة وفاة أميني للإفلات من العقاب، أشعلت غضبا كان قد تراكم على مدار عقود، طبعها التمييز بين الجنسين والقمع والحكم الأصولي وعدم المساواة، مما أدى إلى توحد الإيرانيين رغم الاختلافات الطبقية والجغرافية والعرقية.
“المرأة، الحياة، الحرية”
من جانبها، تقول أستاذة الأدب الفارسي في جامعة بنسلفانيا، فاطمة شمس، إن المحتجين الإيرانيين كانوا يهتفون قبل أميني بأسماء شخصيات سياسية ذكورية، غير أن شعارات المقاومة الجديدة، ترفع أسماء فتاتين مراهقتين نيكا شكارامي وسارينا إسماعيل زاده، اللتين فارقتا الحياة أيضا خلال الاحتجاجات.
ويشير المقال إلى أن شعار “المرأة، الحياة، الحرية” المميز للانتفاضة التي تقودها النساء الإيرانيات، شعار مناسب لحركة احتلت فيها تجارب النساء، والتأثير المدمر للتمييز بين الجنسين، صدارة الاحتجاجات. مضيفا أنه خلال الأسابيع التي سبقت مقتل أميني، نظمت النساء الإيرانيات احتجاجات ضد الحجاب الإلزامي وغيره من القواعد التمييزية، بعد أن كثفت شرطة الأخلاق دورياتها في أحياء الطبقات الوسطى والدنيا، مقابل ترك الفئات الأكثر ثراء وشأنها.
وبات خلع النساء والفتيات الحجاب الإلزامي جانبا آخر مميزا لهذه الاحتجاجات، غير أن “واشنطن بوست” تشير إلى إلى أن تسييس الحجاب وأجساد النساء في إيران ليس بـ”الأمر الجديد”، مذكرة بقرار الشاه حظر الحجاب خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد ذلك خروج مظاهرات نسائية للمطالبة به خلال الثورة الإسلامية عام 1979، مبرزة أن المميز في الانتفاضة الحالية رفض النموذجين، والمطالبة بـ”الحجاب الاختياري”.
“المرأة، الحياة، الحرية”، شعار غير متجذر في الثورة الإيرانية، يقول الأستاذ في جامعة ولاية ميزوري، المتخصص في التاريخ الكردي جين ريس باجالان، بل إن مصدره حزب العمال الكردستاني الذي يعد جماعة كردية مسلحة ذات توجه يساري نسوي وراديكالي، مشيرا إلى أن الأكراد يشكلون أقلية وازنة في إيران، وفي تركيا والعراق وسوريا، وكانوا في قلب الانتفاضة الإيرانية.
ويوضح باجلان أنه لا تتم الإشارة إلى الجذور الكردية لهذا الشعار، رغم أنه انتشر في جميع أنحاء إيران والعالم.
“الموت للديكتاتور”
وتلقي شعارات “الموت للديكتاتور” أو “الموت لخامنئي” المنتشرة في كل مكان الضوء، على تجربة شعب غاضب عاش تحت وطأة عقود من الاستبداد؛ وتربط الصحيفة هذه العبارة بـ”الموت للشاه”، الشعار الذي رفع خلال الإطاحة بمحمد رضا بهلوي خلال الثورة الإسلامية، وبعدها شعار “الموت لأميركا” الذي رفعه الثوار بعد إسقاطهم النظام السابق وبناء الجمهورية القمعية.
ويقول صادقي بوروجردي إنه خلال الاحتجاجات عام 2009 على خلفية تزوير الانتخابات، تجنب المتظاهرون ذكر أو تسمية المرشد الأعلى واستهدافه في الاحتجاجات، غير أنه مع مرور الوقت، “تلاشى الخوف”، مضيفا أن “تجربة الحكومة الإسلامية خلفت خيبة أمل عميقة لدى الإيرانيين”.
وقد سئم الكثير من الإيرانيين جهود الإصلاح من الداخل، كما يدعو بعض المتظاهرين علانية إلى ثورة للإطاحة برجال الدين من الحكم، حيث تتكرر شعارات “لا نريد الجمهورية الإسلامية”، وتوجه انتقادات شديدة إلى الشخصيات الدينية الحاكمة التي “تستخدم الدين كواجهة للقمع”.
ورغم تردد شعارات من حين لآخر لصالح عودة الملكية، الفكرة التي لها أتباع في الخارج، يلفت تحليل الصحيفة إلى أن رفع محتجين لافتات “الموت للشاه.. الموت للزعيم الديني”، تجسد رفضا ثابتا من الإيرانيين للحكم الاستبدادي، سواء كان ملكًا أو رجل دين.
“عار”
وتعتبر قوات الأمن الإيرانية – ولا سيما الحرس الثوري الإيراني وقواته “الباسيج” – هدفا رئيسيا آخر للهتافات.
وتشير “واشنطن بوست” إلى أن هذه الأخيرة، ترتبط ارتباطا وثيقا بالعنف والقمع والفساد الذي تجيزه الدولة، والذي عانى منه الإيرانيون منذ فترة طويلة، ويتم استخدامها لسحق الاحتجاجات.
“لن تعمل المدافع والدبابات والبنادق بعد الآن، أخبروا أمي بأنه لم تعد لها ابنة”، شعار آخر يرفعه المحتجون وله أصول تاريخية، عندما صرخ به الإيرانيون في الثمانينيات، احتجاجا على استمرار الحرب العراقية الإيرانية، مع تعويض ابنة بـ”ابن”.
ويشير المقال إن استخدام كلمة “عار” في وجه الشرطة والباسيج يحمل دلالة يمكن أن تكون أقرب إلى “لعنة” يقبها الإيرانيون على هذين الجهازين.
قال الصادقي بوروجردي: “كانت الدولة تلعب دور البطريركي الأبوي”، إلا أن لكن وفاة أميني أكدت فشلها في حماية الناس وخاصة النساء. واعتبر أن الصراخ بكلمة “عار” يمثل رفضا في الواقع لشرعية الدولة وقوات الأمن الإيرانية.
وركزت حركة الاحتجاج على توحيد الإيرانيين ورفض الانقسامات العرقية التي يستغلها النظام الحاكم، حسب تحليل “واشنطن بوست”، حيث يهتف المتظاهرون في تناغم تام “لا تخافوا، نحن متحدون”.
كما أن أكراد إيران، ومعظمهم من المسلمين السنة، كانوا في طليعة المقاومة ضد الجمهورية الإسلامية، وواجهوا، شأنهم شأن باقي الأقليات الأخرى، تمييزا وقمعا شديدين، كما هو الحال بالنسبة لأقليات البلوش بمدينة زهدان الجنوبية الشرقية، التي تعرضت في 30 سبتمبر لأكثر الهجمات دموية، وأفرز إراقة الدماء شعارات مثل “من زهدان إلى طهران ، أضحي بنفسي من أجل إيران”.
وفي الوقت الذي يواصل فيه نظام طهران فرض الرقابة وقطع الإنترنت لمنع المتظاهرين من التواصل وتبادل مقاطع الفيديو التي توثق الحملة القمعية والهتافات المصاحبة للاحتجاجات، يستمر بالمقابل عدد القتلى والاعتقالات في الارتفاع، ومعه إلحاح اللإيرانيين على التغيير، بحسب واشنطن بوست، التي لفتت إلى انتشار فيديو يصرخ فيه طلاب الجامعات: “لا تُسمي ذلك احتجاجا.. نسميها ثورة”، كأحد أحد شعارات الانتفاضة الإيرانية.